مباحثات بغداد الاستراتيجية آلية أدخلها الكاظمي في مقترح البيت الأبيض لتنفيذ قرار البرلمان العراقي بشأن ضرورة مغادرة القوات الأمريكية للبلاد، والآن، وبعد عدّة جولات من المحادثات الرسمية، يتم وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية.
وكان قد أخطر الامريكيون الحكومة العراقية بأنهم أجلوا حتى الآن 2500 من أصل 5000 جندي من قواتهم من العراق، لكن لم تؤكد أي جهة رسمية مزاعم البيت الابيض هذه حتى الآن، حيث يعتقد العديد من الخبراء في الشأن العراقي أن هذا التقدير غير دقيق وتحوم حوله الشكوك.
منذ سنوات والأجواء العراقية بيد الأمريكيين، ولا سيطرة لبغداد عليها، لذا لا يمكنها الحصول على إحصائيات دقيقة بشأن تحركات الطائرات الأمريكية وعدد القوات التي تدخل العراق أو تغادره.
ما فاقم الشكوك هو أن سوابق الأمريكيين سوداء في سياق إعطاء تقارير كاذبة وهادفة، الأمر الذي قوّض مصداقية الإحصائيات التي يقدّمونها.
في هذه الأثناء؛ تشير بعض التقارير الواردة من مصادر عراقية، إلى أن بايدن والكاظمي من المقرّر أن يصدرا بيانًا مشتركًا يحدّد 31 كانون الأول (ديسمبر) 2021 موعدا نهائيا لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.
إلاّ أن بعض المعلومات الصادرة عن جهات عراقية مطلعة، تشير إلى أن الأمريكيين يخطّطون للإبقاء على الـ 2500 جندي في العراق كقوات دعم وتدريب، ويبدو أن هذا القرار سيُدرج ضمن بنود البيان المشترك في الاتفاق النهائي بين الكاظمي وبايدن.
وفي عدّة مناسبات، أفشى بعض المسؤولين والدبلوماسيين الأمريكيين في اجتماعات ودوائر خاصة بنوايا واشنطن، قائلين "إن هذا الانسحاب لا يعني انسحابًا رسميًا وكاملاً"، مؤكدين أن بلادهم تعتزم إبقاء نصف قواتها على الأقل في العراق تحت مسمى جديد، وبذريعة مبتكرة.
يمكن النظر الى النهج الأمريكي الجديد، الذي يهدف إلى التخفيف من وطأة الضغوط السياسية والشعبية والحفاظ على الوجود العسكري في العراق، من عدّة زوايا:
أولاً: يتعارض تحرك واشنطن صراحة مع قرار البرلمان العراقي والمطالبة الحازمة للشعب العراقي ومختلف الفصائل، بانسحاب الإرهابيين الأمريكيين من العراق، وسيُفضي بطبيعة الحال إلى استمرار التوترات في هذا البلد.
ثانياً: تعتمد الولايات المتحدة سياسة "احتكار تدريب القوات العسكرية العراقية" بحيث يكون لها دائمًا تأثير مباشر على الأمن والاستقرار في البلاد، وذلك بهدف إبقاء الجش العراقي متّكئاً عليها وبحاجة لها.
ويمكن لأي متابع مهتم أن يشهد تبعات هذه السياسة الامريكية عندما اجتاح تنظيم داعش الارهابي العراق، حيث رفضت الولايات المتحدة تقديم الدعم ووقفت موقف المتفّرج مما يحصل، في حين ظل الجيش العراقي، الذي نظمته ودربته امريكا بحسب زعمها، عاجزا عن مواجهة غزو داعش بشكل فعّال، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة، فإن الموارد البشرية والمعدات المتقدمة لم تتمكّن من إعاقة تقدّم إرهابيي داعش في جزء كبير من البلاد.
ثالثاً: برهنت تجربة النضال المشترك للجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي القوتان اللتان تم تنظيمهما وتدريبهما بالاعتماد على القدرات الوطنية، أنه كما ذكر سابقاً في لقاء الكاظمي مع فالح فياض رئيس هيئة الحشد، أن العراق ليس بحاجة لأي دعم أو تدريب امريكي للحفاظ على أمنه.
لهذا، من الواضح أن إدراج بند "الحفاظ على عديد من القوات الامريكية في العراق" في اتفاق بغداد وواشنطن هو العذر الوحيد لتبرير الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وهذا الامر لن يخلّ بالسلام والأمن فحسب، بل يمكن أن يُفضي أيضًا إلى تأجيج الأزمات العسكرية والأمنية في المنطقة.
نورنيوز