شمس الشموس لك الديار تزينت
والطير غرد والمدينة أعلنت
ولد الامام الثامن البر التقي
شمس الهداية بالرضا قد أشرقت
يصادف اليوم ذكرى ميلاد الإمام الرؤوف.. شمس الشموس وأنيس النفوس.. معين الضعفاء والمساكين، الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع)، فرائحة ذكرى ميلاده العطرة تخلد في الروح، وهو ملجأ كل مسكين ونفحة روح وملجأ كل من ضاقت به الدنيا، عندما تدخل الصحن الشريف تحس بالأمان وراحة في النفس وتنسى همومك، وهو قبلة آمال محبيه من جميع أنحاء العالم، ومرقده الشريف في ايران كقطعة درّ يتلألأ في سماء ايران، بل هي قطعة من الجنة في أرض ايران.
واليوم في ذكرى ميلاد الإمام الرؤوف لا نريد تكرار كلما قيل عن رأفته وكرامته وتاريخ ميلاده وغيره، لأنها كثيرة لا تُحصى، ولكننا نذكر نبذة عن مكارم الأخلاق عنده لكي تكون أنموذجا حياً لنا.
لقد ورث الجواد (ع) مكارم الاخلاق من ابيه الامام الرضا (ع) وهي نفحة من روح الله، وهي تضارع أخلاق جده الرسول الأعظم (ص) الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقد حدث إبراهيم بن العباس عن سموّ أخلاقه (ع) بقوله:
"ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (ع) ما جفا أحداً قطّ، ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردّ أحداً عن حاجة، وما مدّ رجليه بين جليسه، ولا اتّكى قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكه، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة في السرِّ، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة..".
وهذه الأخلاق كأخلاق جده رسول الله (ص) الذي طوّر حياة الإنسان، وأنقذ الأمم والشعوب من حياة التيه والتأخّر إلى حياة حافلة بالعزة والكرامة.
لقد روى المؤرخون صوراً رائعة من مكارم أخلاقه فقد رووا أنّه لما كان في خراسان وتقلد ولاية العهد، التي هي أرقى منصب في الدولة الإسلامية بعد الخلافة فلم يأمر أحداً من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وإنما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه.
ولم يكن في الدنيا شيء أحبّ إلى الإمام الرضا (ع) من الإحسان إلى الناس والبر بهم، فقد كان السخاء من عناصره ومقوّماته، وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من كرمه وجوده كان منها ما يلي:
إنّه أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان، وصادف ذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل وقال له: إنّ هذا لمغرم، فأجابه الإمام: "بل هو المغنم، لا تحدث مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً".
إنه ليس من المغرم في شيء صلة الفقير، والإحسان إلى الضعيف ابتغاء مرضاة الله، وإنما المغرم أن ينفق الإنسان أمواله بغير وجه مشروع، خصوصاً الإنفاق على ما لا يعود على المجتمع بفائدة.
إنّ مروءة الإمام (ع) لا تحدّ فلو أعطاه ما في الأرض فليس على قدر مروّته ورحمته التي هي امتداد ذاتي لرحمة الرسول الأعظم (ص).
هذه بعض البوادر من كرمه وجوده التي لم يقصد بها إلاّ إدخال السرور على القلوب البائسة الحزينة التي أثقلتها مرارة الحياة وبؤسها.
كان الإمام (ع) أعلم أهل زمانه وأفضلهم، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين، وقد تحدّث عبد السلام الهروي وهو ممّن رافق الإمام عن سعة علمه (عليه السلام) فقال: "ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ولا رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة، والمتكلّمين فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل، وأقرّ له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في (الروضة) والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا دعي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي المسألة فأجيب عنها.." (كشف الغمة: ج 3 ص 107).
لقد كان الإمام الرضا (ع) من عمالقة الفكر والعلم في الإسلام، وهو ممّن صنع للمسلمين حياتهم العلمية والثقافية، والتحدّث عن قدراته العلمية يستدعي دراسة خاصة ومطوّلة عسى أن نوفّق لها إن شاء الله.
وأدلى فريق من العلماء والمؤلّفين بكلمات عن الإمام الرضا (ع) وهي تعرب عن إكبارهم وتعظيمهم له وفيما يلي بعضها:
– إبراهيم بن العبّاس: وكان إبراهيم بن العباس ممّن رافق الإمام (عليه السلام) وقد تحدث عن معالي أخلاقه، وكان مما قاله فيه: "وكان كثير المعروف والصدقة في السرِّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى مثله فلا تصدّقه" (حياة الإمام الرضا (عليه السلام): ص 143).
– عارف تامر: يعتبر الإمام الرضا (ع) من الأئمة الذين لعبوا دوراً كبيراً على مسرح الأحداث الإسلامية في عصره.. (الإمامة في الإسلام: ص 125).
وكثير من أمثال هذه الكلمات التي عبّرت عمّا تميز به الإمام من الصفات الرفيعة التي لم يتّصف بها أحد سوى آبائه الذين رفعوا علم الهداية في الأرض.
مدح الشعراء
ونظم الشعراء الكثير من الشعر في معالي صفات الإمام الرضا (ع) ومكارم أخلاقه وفيما يلي بعضهم:
- الصولي: وهام الصولي إعجاباً بالإمام فراح يقول:
ألا أنّ خير الناس نفساً ووالداً
ورهطاً وأجداداً علي المعظّم
أتتنا به للحلم والعلم ثامناً
إماماً يؤدّي حجّة الله تكتم (مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 332).
- أبو نواس: وتنسب هذه الأبيات الرائعة إلى أبي نواس، وقد قالها حينما عوتب على تركه لمدح الإمام الرضا (ع) فقال:
قيل لي أنت أوحد الناس طراً
في فنون من المقال النبيه
لك من جوهر الكلام بديـــــــع
يثمر الدر في يدي مجتنبه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى
والخصال التي تجمعن فيه
قلت: لا أهتدي لمدح إمام
كان جبريل خادماً لأبيه
نرفع اسمى آيات التهاني واجمل التبريكات بمناسبة ذكرى مولد ثامن الائمة وسلطان العصر الامام علي بن موسى الرضا (ع).
رسالة معطرة بعطر محمدي... يفوح منها مسك علوي... كل عام وأنتم بخير.
الوفاق