نورنيوز- دخلت الحرب المحتدمة في أوكرانيا شهرها الثالث، وإضافة إلى ما يحدث على الأرض بين روسيا وأوكرانيا، أعطت تصرفات بعض الدول الغربية، خاصة أمريكا وبريطانيا، وكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، أبعادا كبيرة لهذه الحرب.
ذكرت مجلة نيوزويك مؤخرا أن واشنطن كانت تعد خطة لتدمير الأسطول الروسي في البحر الأسود، مشيرة إلى أن البيت الأبيض كان يعمل على خطة لنقل صواريخ متقدمة مضادة للسفن إلى الجيش الأوكراني، بهدف تدمير الأسطول الروسي وإنهاء الطوق البحري الذي يفرضه على أوكرانيا.
بالتزامن مع إصدار هذه التقارير، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي، في خطوة شبه نادرة، يوم الخميس المنصرم على حزمة مساعدات بقيمة 40 مليار دولار لأوكرانيا.
مشروع القانون في مجلس الشيوخ الأمريكي أيده 86 عضوا وعارضه 11 عضوا جمهوريا، كما وقعت الحكومة الأمريكية على حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 100 مليون دولار لأوكرانيا، وقعها الرئيس الأمريكي، بما في ذلك المدفعية والرادارات والمعدات العسكرية الأخرى.
وفي نفس الوقت الذي وافق فيه مجلس الشيوخ على طلب بايدن، استضاف البيت الأبيض رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون والرئيس الفنلندي سولي نينيستو، وكلاهما قد تقدم مؤخرا بطلب رسمي للإنضمام الى الناتو.
من ناحية أخرى، بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الجمعة جولة تستغرق خمسة أيام في شرق آسيا تشمل زيارات لدول مثل كوريا الجنوبية واليابان، "على الرغم من أن بعض هذه الحركات يمكن تفسيرها على أنها تحرك إقليمي أمريكي ضد الصين، يبدو أن الهدف النهائي من هذه الجولة هو جرّ هذه الدول الى مستنقع الحرب وضمان وقوفها الى التكتل الغربي ضد روسيا.
خصوصاً أن طوكيو أعلنت مؤخرا أنها ستدعم العقوبات ضد روسيا رغم الصعوبات الماثلة.
على خلفية التحركات العسكرية الغربية المتكاثرة ضد روسيا، ألمحت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس أيضا إلى إمكانية تسليح مولدوفا لمواجهة الروس.
ووفقاً لصحيفة الغاردين؛ قالت الوزيرة البريطانية "إنها تجري مباحثات مع حلفائه الدوليين لإرسال أسلحة حديثة ومتقدمة من حلف شمال الأطلسي إلى مولدوفا للتحضير لمواجهة الغزو الروسي للمنطقة، وزعمت تراس أن مولدوفا، على الرغم من أنها ليست عضوا حاليا في الناتو، تشعر بالقلق من أن هدف بوتين التالي سيكون مهاجمة الدولة الواقعة في جنوب غرب أوكرانيا.
تأتي جملة هذه التحركات، في وقت تسلّط المكنة الاعلامية الامريكية والغربية على كلمة مفتاحية جديدة تحمل شعار "الأمن الغذائي العالمي" في إشارة إلى حرب أوكرانيا، وتقييد إنتاج وتصدير الغذاء من قبل روسيا وأوكرانيا.
في هذا الصدد وفي شرح للحاجة إلى تكثيف العمل العسكري ضد روسيا، كتبت نيوزويك: بالإضافة إلى توفير ميزة تكتيكية لمساعدة المجهود الحربي الأوكراني، سيكون لتوريد المزيد من الأسلحة عواقب عالمية ويمهد الطريق لاستئناف شحنات الحبوب وغيرها من المنتجات الزراعية.
في غضون ذلك؛ اتهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تصريح مؤخراً، روسيا باستخدام الغذاء كسلاح واحتجاز ملايين الأشخاص حول العالم كرهائن لإركاع أوكرانيا على ركبتيها، وهو ما قد يكون محاولة لتأجيج الرأي العام العالمي بشأن دور روسيا في تهديد الأمن الغذاء العالمي.
وقال بلينكن في اجتماع لمجلس الأمن الدولي في واشنطن محملاً روسيا مسؤولية ما يحدث: شلّت الحرب التجارة والنقل البحري في منطقة واسعة من البحر الأسود، وجعلوا (الروس) الملاحة في المنطقة غير آمنة، وقيدوا تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية، ووضعت سلسلة الإمداد الغذائي العالمية تحت رحمة تهديدات عديدة.
وأكملت حلقة الإعلام والدعاية الغربية تصريحات جوزيف بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، حيث حذّر في بيان مماثل يوم الجمعة، في وقت يعاني فيه الأوروبيون من وضع اقتصادي لا يحسدون عليه، وفي خطاب له لون ورائحة استفزاز الرأي العام العالمي، حذّر مرة أخرى من أن الغذاء حول العالم أصبح محدودا جداً بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال بوريل بعد اجتماع مع وزراء التنمية في الاتحاد الأوروبي للنظر في نقص الغذاء والتضخم: إذا اضطر المواطنون والحكومات إلى دفع المزيد مقابل الغذاء، فسيتعين عليهم عدم إنفاق الأموال على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية الأخرى، وسيفضي ذلك إلى تفاقم حالة الفقر وانعدام العدالة.
وشدد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي على أن السبب الرئيسي لهذا الموقف هو الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، وليس العقوبات الغربية ضد روسيا.
علاوة على ماسلف ذكره، زعم خبراء من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية في الأيام الأخيرة، أن روسيا تمنع تصدير الحبوب الأوكرانية، التي تتمثل وجهاتها الرئيسية في آسيا وشمال إفريقيا، وأن هذا أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية عالمياً.
مجمل التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الغربيون ضد روسيا في الأيام الأخيرة، والتي تمحورت حول مصطلح "أزمة الغذاء"، على الرغم من أنه يمكن استخدامها لأغراض مثل تبرير شحن الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، مما يبرر عدم مسؤولية الغرب تجاه تدفق اللاجئين من أوكرانيا أو دول أخرى، بخلاف أفغانستان وإفريقيا، أو تبرير زيادة الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا، لكن هناك هدف مهم يقف خلف هذه التحركات، وهو كفاح الغرب لتحويل حرب أوكرانيا إلى أزمة عالمية، ووضع تكاليف هذا الصراع على كاهل العديد من الدول.
تنسجم مثل هذه الإستراتيجية بشكل أكبر مع الادعاءات التي أدلى بها المسؤولون البريطانيون في الأيام الأولى من الحرب، والتي أشارت إلى احتمال تحول حرب أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة.
في الآونة الأخيرة، تحدث بعض المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين مرارا وتكرارا عن طول أمد الحرب، والذي ربما كان يُنظر إليه في ذلك الوقت على أنه تحليل لعملية الحرب، ولكن السلوك العملي للغربيين وإصرارهم على استخدام الكلمة المفتاحية أزمة الغذاء وتأجيج الرأي العام العالمي نحو تهديد روسي للأمن الغذائي العالمي، يشير إلى أن الخطاب الغربي السابق حول إمكانية تحول الحرب الروسية الأوكرانية الى أزمة عالمية لم يكن تحليلاً بل هدفًا منذ أن تم خلق الصراع بين أوكرانيا وروسيا وإذكاء نيرانه.
بتعبير أدقّ؛ سعت بعض الدول الغربية، مثل أمريكا وبريطانيا، منذ فترة طويلة للهروب من أزماتهما المحلية والعالمية من خلال إغراق العالم في الأزمات والحروب.
إن تحويل حرب أوكرانيا إلى حرب عالمية تحت ذريعة أزمة الغذاء العالمية، هو مصدر قلق جديد يمكن رؤيته بشكل جليّ في سلوك وتصريحات المسؤولين الغربيين هذه الأيام بشكل غير مسؤول ومدروس.
نورنيوز