وفي وقت ساد فيه الصمت الانتخابي منذ الساعة صفر من يوم السبت، كانت أبرز المواقف التي سُلطت عليها الأضواء للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الاحتفال الانتخابي في البقاع، والذي أكد فيه أن أصابع جمهور المقاومة في 15 أيار هي الضمانة للبنان ومستقبله.
وبعد إنجاز مرحلتي الاقتراع بالتوازي مع تحضيرات وزارة الداخلية لسير العملية الانتخابية أمنياً ولوجستياً وإدارياً لإدارة العملية الانتخابية، فنتائج انتخابات 15 أيار سوف تظهر حجم الاحزاب السياسية وحجم التغيّر في مزاج الناخب.
والأحد سوف تطوى صفحة الإستحقاق النيابي الذي استوطن في الارجاء اللبنانية لأشهر طويلة، تجاذبها شدّ عصب وتحضيرات وتوترات وانفعالات اختلطت فيها التحالفات بالشعارات والاتهامات سعياً الى حواصل التمثيل في مجلس النواب.
وعشية الاستحقاق دخل لبنان الصمت الانتخابيّ السبت تمهيداً ليوم الانتخاب الطويل يوم الأحد، حيث احتدمت المواجهة السياسية والإعلامية، التي تركزت عند عشرات اللوائح المتحدرة من رحم أحزاب بقيت عقوداً في السلطة وجمعيات ناشئة بات أغلبها على لوائح تمويل السفارات، على استهداف المقاومة وسلاحها.
*أجواء ما بعد الانتخابات!
وبعيداً عن الاستطلاعات والتقديرات المسبقة للنتائج التي ستحملها صناديق الاقتراع، والتي صارت على مرمى ساعات قليلة، فإنّ الانظار مشدودة الى ما بعد هذا الاستحقاق، حيث يفترض ان تعود الحياة السياسية وتنتظِم على الخط النقيض للحدة والانقسام والعدوانية التي حكمت مرحلة التحضير للانتخابات النيابية.
واذا كانت اجواء القوى السياسية المتخاصمة لا يبشّر تنافرها الحاد بمِثل هذا الانتظام، وهذا يعني في رأي مرجع مسؤول" انّ بقاء الحال على ما هو عليه من انقسام وتناقض بين المكونات السياسية بعد الانتخابات النيابية، لن يؤدي الّا الى تعميق الازمة اكثر"، فيما يؤكّد أنه« ليس متشائماً لمستقبل الوضع في لبنان، خلافاً لكل التهويلات التي تروّج من بعض الغرف السوداء التي تكمن للبنان وتسترزق على حسابه من بعض الصناديق المشبوهة المحلية والخارجية». وأضاف: وضعنا صعب بالتأكيد، ولكنه ليس وضعاً ميؤوساً منه، ومعطياتي ان وصفات العلاج موجودة في ايدينا نحن اللبنانيين.
ورأت مصادر سياسية ان لبنان سيمر بمرحلة انتقالية فاصلة بين الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية، وصفتها بالمرحلة شديدة الحساسية والخطورة، وتتطلب التعاطي معها بمسؤولية كبيرة وعدم تهور، لكي لا تؤدي الى انزلاق البلد الى وضع متوتر وفوضوي، في ظل تردي الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية.
وقالت ان توظيف نتائج الانتخابات النيابية في غير الاتجاه الوطني الصحيح، مهما كانت هذه النتائج، ومحاولة الزج بلبنان، بالصراعات والمصالح الاقليمية والدولية، ستكون له تداعيات ونتائج خطيرة يصعب التكهن بما ستؤول اليه.
مداخلات أمريكية في انتخابات لبنان
من جهة اخرى، قبل ساعات من انطلاق الانتخابات النيابية، تتكشّف اعترافات بالصوت والصورة عن الدور الأميركي في تسريع حصول الانهيار المالي في لبنان، والأخطر، حجم التعويل الذي كان لدى واشنطن، في مرحلة ما، على مجموعات 17 تشرين، سعياً إلى إضعاف حزب الله وحلفائه.
هذه الاعترافات لم يكشف عنها مقرّبون من دوروثي شيا ولا وسائل إعلاميّة نقلاً عن مصدر أميركي، بل أتت على لسان ديفيد شينكر، الأب الروحي لمشروع الاستثمار الأميركي في مجموعات «الثورة» والتغيير بعد 17 تشرين الأول 2019.
وخلال مداخلته في مواقع التواصل، بدأ شينكر باستعراض أداء إدارات الرئيس جورج بوش الابن ثم باراك أوباما، وصولاً إلى دونالد ترامب، معتبراً أنّ الأول كان الأكثر استعداداً لـ«استغلال الفرص الحيوية ضد حزب الله» عندما انحازت إدارته لأجندة فريق 14 آذار بعد اغتيال رفيق الحريري في عام 2005. لكن شينكر اتّهم إدارة أوباما بأنّها «ألغت برامج في لبنان كانت قائمة مع شخصيات شيعية مناهضة لحزب الله، الأمر الذي جعل الضغوط على حزب الله تتلاشى»، وقال إن أوباما فعل ذلك بحجة التوجّه حينها للتوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران. ثم ادّعى الدبلوماسي الأميركي السابق بأنّ إدارة ترامب «كانت تملك استراتيجية متعدّدة الأوجه»، متحدّثاً عن «أنشطة عديدة». أوّلاً والأهم، بحسب شينكر، محاولة «منع حصول المنظّمة (حزب الله) على المداخيل المالية».
*الغائب الأكبر في الإنتخابات
يشار إلى أن نسبة المتردّدين في إعلان موقفهم في انتخابات لبنان لا تزال مرتفعة في كل استطلاعات الرأي، بما فيها تلك التي جرت في الأسبوع الأخير.
المتردّد هذا لا يعني أن المستطلَع مقاطع حكماً، أو أنه ليس صاحب موقف. بل هو إمّا أنه لا يريد إشهار موقفه الآن، أو ينتظر تطوراً ما قبل اتخاذ قراره يوم الأحد. لكنّ ارتفاع هذه النسبة سيكون له تأثيره على النتائج وعلى مصير مقاعد كثيرة.
مع ذلك، يجدر بالجميع إدراك أن 15 أيار ليس الحدث الذي يقرر مصير لبنان، وأن هذه الانتخابات، على وجه التحديد، ليست الوسيلة لقلب الطاولة أو قلب النظام. بل هي مناسبة تتيح قياس المزاج العام الذي تبدّل كثيراً خلال الأعوام الأربعة الماضية.
إلى ذلك كلّه، ثمّة حدث مركزي يُعطي الانتخابات معناها السياسي اليوم، وهو يتصل بقرار سعد الحريري، أقوى الزعماء السُّنَّة في لبنان، العزوف عن المشاركة في الانتخابات. هو حدث الغياب الذي لم يظهر أن في إمكان أحد، من مريديه أو منافسيه أو خصومه، تعويضه. وكلّ الأصوات التي ستصبّ في مصلحة مرشحين ينطقون بلسان الحريرية التفافاً، لا تعني شيئاً قابلاً للصرف طالما تمسّك الحريري بقراره. لذلك، فإن العنوان المُنصِف لانتخابات يوم الأحد يبقى محصوراً في عبارة شديدة الصراحة: سعد الحريري الغائب الحقيقي!
الوفاق