ومن الاسئلة التي تطرح نفسها في هذا المجال: ما هي الحاجة لامتلاك الطاقة النووية وهل الإصرار على امتلاكها له مبرراته رغم التكاليف الباهظة والضغوط الخارجية؟
وهناك تنافس بين مختلف دول العالم على نطاق واسع على إمدادات الطاقة والسبب يعود الى أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن ارتفاع أسعارها وعدم الاستقرار في سوق النفط والغاز، وكذلك الزيادة غير المسبوقة في الطلب على الطاقة وبينما الوقود الأحفوري ينفد فان البحث عن البديل يطرح نفسه كضرورة.
ولا شك ان التقنية النووية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال إمداد الطاقة سيسهمان في تحقيق التقدم وتعزيز مكانة إيران في سوق الطاقة والأمن في المستقبل.
وعشية قمة غلاسكو العام الماضي (2021)،أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي على أهمية الطاقة النووية في الاقتصاد وحل أزمة الطاقة في المستقبل وقال "بعد عقد من كارثة فوكوشيما ، بذلت جهود كثيرة في جميع أنحاء العالم لإرساء الأمن، لكن المشكلة لا تعود الى المراكز النووية بل هي ناجمة عن عدم الالتزام بالقوانين.
الطاقة النووية؛ موثوقة ونظيفة
ووهناك مخاوف متزايدة بسبب استخدام الوقود الأحفوري وظاهرة الاحتباس الحراري حيث الخبراء باستمرار من مخاطر الاحتباس الحراري.الاحتباس الحراري هو الاسم الذي يطلق على ظاهرة أدت إلى زيادة متوسط درجة حرارة الأرض وسطح المحيطات. يبدو أن الأنشطة الصناعية تركت تاثيرا كبيرا للغاية في خلق هذه المشكلة.
وقال رافائيل ماريانو غروسي ، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، لوسائل إعلام أرجنتينية: "بالنظر إلى أننا في خضم تغيير المناخ ، وفقًا لاتفاقية باريس ، يتعين على جميع الدول خفض الاحتباس الحراري إلى 1.5 أو 2 درجة مئوية". وهذا لا يمكن تحقيقه بدون الطاقة النووية. لأنه يقلل من آثار غازات الاحتباس الحراري إلى الصفر.
واضاف غروسي نقلا عن خبراء بالوكالة الدولية لتغيير المناخ "لتحقيق هذا الهدف في عام 2050 ، لا يمكننا تجاهل الطاقة النووية باعتبارها طاقة نظيفة. حتى أن العديد من دعاة حماية البيئة يعترفون بأن الطاقة النووية تمثل حلا للمشاكل الناجمة عن تغيير المناخ.
وفي الولايات المتحدة ، يوجد 100 مفاعل يوفر 20٪ من الكهرباء الذي تحتاج اليها كما ان هناك 30 دولة في العالم تتمتع بالطاقة النووية ويوجد 440 مفاعلا في جميع أنحاء العالم مما يشير الى استخدام هذه الطاقة بشكل متزايد. وفي الأرجنتين، على مدار الستين عامًا الماضية، كان هناك ثلاثة مفاعلات توفر حوالي 10٪ من الكهرباء فيها.
مشاكل الطاقة المتجددة
وسلطت وسائل الاعلام الضوء على استخدام الطاقة النظيفة كما لفت استخدام الطاقة النظيفة أو المتجددة لمكافحة الاحتباس الحراري انتباه الحكومات في السنوات الأخيرة وتم اقتراح استخدام االطاقة الحرارية الأرضية والشمسية وطاقة الرياح كبدائل للوقود الأحفوري .
ومع ذلك، فإن مصادر الطاقة هذه ليست متوفرة في كل مكان في العالم واستخدامها تتوقف على مدى توفر عدة شروط فعلى سبيل المثال يمكن انتاج الكهرباء من الرياح على اساس شدة وسرعة الرياح .بالإضافة إلى ان ما يسمي بالطاقة النظيفة تنتج المزيد من ثاني أكسيد الكربون مقارنةً بالطاقة النووية مما تثير الشكوك في نقائها كما ان عملية إنتاج الألواح الشمسية وتوربينات الرياح تؤدي الى انتاج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وبات من الواضح ان الطاقة النووية أنظف بكثير من الطاقات الأخرى على عكس الحركات المناهضة لها في جميع أنحاء العالم.
الملفت انه و رغم انتاج الطاقة النووية كباقي الطاقات ينتج نفايات ، إلا أنه يتم التحكم فيهها وعلى عكس محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري ، والتي تنبعث منها دخان من احتراق الوقود في الغلاف الجوي ، عندما ينفد الوقود من محطة الطاقة النووية ، تتم إزالة نفاياتها النووية من المفاعل أثناء التشغيل وتخزينها في مكان ما و لا تدخل أي مادة مشعة إلى الطبيعة.
بمعنى آخر، تعد الطاقة النووية حاليًا أنظف مصدر للطاقة نعرفه؛ ولكن بسبب المخاوف بشأن الكوارث النووية، فقد بذلت جهود للقضاء على هذه الطاقة على مدى السنوات ولكن ربما حان الوقت لكي تنظر البشرية اليها من زاوية اخرى.
فوائد وتطبيقات الطاقة النووية
على مدى نصف القرن الماضي ، وبفضل جهود العلماء في جميع أنحاء العالم ، لعبت هذه التكنولوجيا النووية السلمية دورًا مهمًا في تطوير الصناعة والزراعة والطب وغيرها من المجالات. الملفت ان التكنولوجيا النووية وبالإضافة إلى توفير الطاقة النظيفة، تساعد الانسان في مختلف شؤون حياته بما فيها تشخيص مختلف الامراض و لاجها وتحسين الزراعة وتعزيز جودة المنتجات الصناعية وتطوير العلوم البيئية و باختصار جلب الرخاء والسعادة لحياة الإنسان.
فعلى سبيل المثال ان التكنولوجيا النووية تسهم الى حد كبير في تشخيص مرض السرطان وانتاج الادوية الإشعاعية بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية الكبيرة لها للغاية.
وفقا للخبراء، ان هناك مصطلح يسمى "السياسة التقنية" تتعلق بأمن الطاقة النووية ، والتي بموجبها لن تتعرض الدول لتهديدات خارجية بقدر ما تستفيد من أبعاد مختلفة من الطاقة النووية والإرادة الحصول على مزيد من الأمن.
التكنولوجيا النووية السلمية الإيرانية
اتخذ برنامج إيران النووي السلمي، الذي بدأ عام 1950 ، طابعا جديًا مع انضمام إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1958 وتوقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968. ومع ذلك ، هناك أخبار متناقضة وملفقة عن أنشطة إيران النووية كما فرضت عليها عقوبات واسعة النطاق من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، على الرغم من تعاون إيران الكامل مع المؤسسات الدولية، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،و لازالت هناك عقوبات مستمرة و اتهامات ضد ايران بشأن الاسلحة النووية وهي لا اساس لها من الصحة.
وفي الوقت نفسه ، أكدت إيران دوما على الطابع السلمي لبرنامجها النووي واعلنت انها تستخدم هذه الطاقة لتحقيق الاهداف السلمية بما فيها توليد الكهرباء وتحقيق التقدم الطبي.
وفي السياق تحدث قائد للثورة الإسلامية الإيرانية أية الله على الخامنئي مرارًا وتكرارًا عن الحظر (الحظر الديني) على حيازة واستخدام الأسلحة النووية وكان آخرها خطابه في 25 مارس 2020 حيث شدد على أن "الجمهورية الإسلامية الايرانية تمتنع عن امتلاك السلاح النووي انطلاقا من المبادئ الإسلامية التي تحرم صنع أي سلاح نووي أو كيماوي يقتل الناس.
واخيرا تم الكشف عن تسعة إنجازات نووية جديدة في 10 أبريل الجاري بالتزامن مع الذكرى السنوية السادسة عشرة للتكنولوجيا النووية،برعاية رئيس الجمهورية اية الله السيد إبراهيم رئيسي في قاعة المؤتمرات في العاصمة طهران. وأكد رئيسي في كلمة له بهذه المناسبة ان الجمهورية الاسلامية الايرانية لن تتخلى عن امتلاك العلوم والتكنولوجيا النووية الإيرانية.
كما تمت ايضا ازاحة الستار عن ثلاث إنجازات في مجال الأدوية الإشعاعية، وإنجازين في مجال البلازما و اربع إنجازات في مجالات الصناعة والليزر وأنظمة التحكم والتصوير.
ويمكن الاستنتاج أنه ونظرا الى الفوائد الواسعة للتكنولوجيا النووية، بما في ذلك توليد الكهرباء وإمدادات المياه والتطبيقات الطبية والصيدلانية والزراعية، فإن تجاهل هذه الطاقة يعدخطأً استراتيجيًا للدول في المستقبل.
ارنا