نورنیوز- طغى على معظم المحللین المحلیین والأجانب تشاؤماً متسرعاً بشأن احراز تقدم واعد فی جولة المفاوضات النوویة الجدیدة عقب استئنافها بین إیران ومجموعة 4 + 1 فی 29 نوفمبر الماضی، بعد تعلیق المحادثات لمدة خمسة أشهر بین إیران والقوى الکبرى.
الحقیقة هی أن السبب الرئیسی لخیبة الأمل هذه من مخرجات المفاوضات، ولیس المکونات السیاسیة والدبلوماسیة المؤثرة، تعود الى الاجواء المشحونة غیر الواقعیة التی تختلقها وسائل الإعلام الغربیة والعبریة حول نهج الحکومة الایرانیة الثالثة عشرة فی العلاقات الخارجیة وفریق التفاوض الایرانی، ما دفعها لإطلاق استنتاجات بشأن عدم القدرة على التوصل إلى تفاهم مشترک تلتقی فیه المصالح الدائمة للأطراف المفاوضة.
کانت موجة هذا التیار المدمر قویة جدًا لدرجة أنه حتى على عکس الممارسة السابقة، فإن الأسواق الرئیسیة، بما فی ذلک سوق العملات والبورصات وما إلى ذلک، لم تکتفی بعدم التفاعل بشکل إیجابی مع بدء المفاوضات، بل تعرضت أیضًا لصدمات سلبیة مغایر للواقع الاقتصادی للجمهوریة الاسلامیة.
أدى الدخول القوی والمخطط له من قبل فریق التفاوض الإیرانی إلى المفاوضات، فضلاً عن الإدارة الذکیة لعلاقات إیران مع الوکالة الدولیة للطاقة الذریة، والتی أصبحت ذریعة لتهدید برنامج إیران النووی السلمی والضغط على المفاوضین الإیرانیین، إلى استشراء النفوذ النفسی المصمم لقیادة الحرب على ایران، لکن لا یمکن أن یکون للحرب النفسیة والإدراکیة فی الفضاءین المحلی والدولی الکفاءة اللازمة، کما أن المنحدر السلبی الذی تم إنشاؤه لم یکن متوازنًا.
فی غضون ذلک، یجب أن یکون دور ووظیفة الدبلوماسیة الإعلامیة والأداء المقبول والمنسق نسبیًا لوسائل الإعلام الإیرانیة فی الدعم المنیر والمعقول والموثق للفریق المفاوض فی تغییر معادلات ساحة اللعب التی أنشأها الجانب الغربی من المفاوضات، أکبر بکثیر مما هو متوقع.
المؤشر الاکبر على وجود توازن نسبی على جانبی طاولة المفاوضات هو اتفاق الأطراف على التفاوض على مسودة جدیدة، وهی مزیج من مسودة الجولة السادسة والتعدیلات والمقترحات الإیرانیة الجدیدة.
وبناءا على المسودة الجدیدة، أقرت بها جمیع أطراف المفاوضات، وُلد نظام تفاوضی محدد، یمکن للأطراف استخدامه للمضی قدمًا فی المفاوضات على أساس المبادئ المتفق علیها فی عام 2015.
یمکن اعتبار مرور هذه المرحلة من المفاوضات أهم وأصعب مرحلة لما لها من أهمیة کبیرة فی تحدید سیاق ومبادئ الحوار، ذلک لأنه فی حال لم یتفق الطرفان على النص الجدید، کان من المستحیل عملیاً مواصلة المفاوضات، وسیستمر عندها الجمود السابق وسیظل الاتفاق النووی فی حالة الموت السریری التی ادخلته به امریکا.
بالنظر إلى حقیقة أن فشل المفاوضات فی الجولات الست السابقة کان بسبب عدم قبول إیران لاعتبارات إضافیة وتصحیحیة وإبقاء مطالب إیران بین قوسین، یمکن أن یکون علامة موثوقة على الاتجاه الصحیح للمفاوضات الراهنة.
ورغم أنه لم یتم الإعلان بعد عن موعد عودة المفاوضین إلى فیینا لمواصلة المحادثات، یبدو أن جولة جدیدة من المحادثات ستبدأ بمزید من الجدیة وبکثیر من الجهود.
الجدیر بالذکر هو أنه إذا تم تقلیل تأثیر المکونات السیاسیة ورکز المفاوضون الغربیون على المبادئ الفنیة للتفاوض، فسیکون من الممکن أن یکون الطریق للوصول إلى اتفاق أکثر انسیابیة.
فی الواقع ان هذه الشروط، إضافة الى استثمار أکبر لعنصر الوقت فی المفاوضات، والذی له قیمة استراتیجیة للأطراف، هی أیضًا اختبار جید لتحدید إرادة کل طرف من الأطراف المفاوضة للتوصل إلى اتفاق جید بأسرع ما یمکن.
لم یحصل الجانب الغربی من المفاوضات حتى الآن على نتیجة مقبولة من حیث صبّ جهوده على طاولة المفاوضات، وحاول فی الغالب الالتفاف على المسار المنطقی للمفاوضات لتحقیق أهدافه باستخدام أدوات سیاسیة - نفسیة والضغط على إیران.
لکن ومن دون التسرّع بإلقاء الاحکام، سیتضح فی القریب العاجل مع بدء جولة جدیدة من المحادثات، ما إذا کانت الظروف الجدیدة ستؤثر على رغبة الغرب فی النأی بنفسه عن المراوغات السیاسیة والإعلامیة، أو ما إذا کان سیستمر فی التملّص من التزاماته.
نورنیوز