الاستراتيجية الأمريكية المعلنة هي احتواء الصين وتقليل التركيز على منطقة غرب آسيا، ولتحقيق ذلك لا بد من تحقيق مستوى من خفض التوتر في المنطقة حتى لا تكون هناك حاجة لوجود عسكري كبير في غرب آسيا لاسيما الخليج الفارس.
لكن رغم مساعي واشنطن إلى تقليص وجودها العسكري في المنطقة، إلاّ أنها لا تريد التنازل عن فوائد مبيعات الأسلحة لدول الخليج الفارسي، لذلك تسعى للحفاظ على مستوى التهديد والتوتر الذي يتطلبه اعتماد المنطقة العسكري على الولايات المتحدة.
كما تحرص أوروبا، خاصة بريطانيا وفرنسا، على ملئ الفراغ الذي سيخلّفه الامريكان في المنطقة وتحاول إعادة بناء اقتصاداتها المتضررة من خلال الوصول إلى سوق أسلحة مربحة في المنطقة.
وخير دليل على ذلك، هو الاتفاق العسكري الفرنسي الأخير مع الإمارات واستمرار مبيعات الأسلحة من قبل بريطانيا وفرنسا للسعودية، وتجاهل ضغوط حقوق الإنسان، وما إلى ذلك خصوصاً في حالة العدوان على الشعب اليمني.
فمن جهة؛ يشعر الكيان الصهيوني بقلق بالغ إزاء الانسحاب الأمريكي من المنطقة ويحاول إبقاء شركائه الغربيين فيها بأي طريقة ممكنة، خوفاً من أن يظلّ وحيدا في مواجهة جبهة المقاومة.
ومن جهة أخرى؛ مع انسحاب ترامب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتلاه رد إيران القانوني لتقليص التزاماتها النووية تجاه الوكالة الدولية والاستمرار في إحراز تقدم في برنامجها النووي السلمي، تشعر الولايات المتحدة وأوروبا والكيان الصهيوني بالقلق من التخلي عن سياسة الضغوط الاقتصادية المفروضة على ايران، ويشعرون بالانتصار ولا يريدون تغيير مثل هذه الظروف بسهولة.
تسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى تقييد إيران من تطوير الأنشطة النووية السلمية، وبالتالي تنظران إلى محادثات فيينا على أنها منصة لتحقيق هذا النهج، مع العلم تمامًا أنه إذا كان الاتفاق النووي الموقع في عام 2015 يوفر الحد الأدنى من الفوائد الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص، فإن رفع العقوبات سيعبّد الطريق للانفتاح الاقتصادي على إيران، وستكون النتيجة الأولى والأكثر سهولة هي استئناف التعاون الاقتصادي والتجاري الشامل لإيران مع الدول المجاورة، وهي نفس القدرات التي تتمتع بها أوروبا والولايات المتحدة لتحقيق منفعة متبادلة أكبر.
للمخاوف الأمريكية والأوروبية بشأن إزالة العوائق أمام التعاون الاقتصادي الإيراني مع الدول المجاورة جانبان رئيسيان يشتركان فيهما:
أولا؛ القلق من تهيئة الظروف للحد من انعدام الأمن وزيادة الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي سيعبّد الطريق بالتأكيد لازدهار القدرات الاقتصادية الغنية في المنطقة وتقليل التبعيات عبر الإقليمية.
ثانيا؛ استحالة اتباع سياسة إيرانوفوبيا، وهي مفتاح بيع الأسلحة والمعدات العسكرية، وانتشار وجود المستشارين والجنود الغربيين في المنطقة.
في غضون ذلك، فإن الكيان الصهيوني، الذي يسعى إلى ترسيخ موطئ قدم له في المنطقة من خلال الاستفادة من سياسة الترهيب من ايران في الغرب، اتخذ الخطوات الأولى في هذا الاتجاه، حيث يشعر بقلق عميق من تغيير الوضع وفقدان أسباب توسع احتلاله واضمحلال تواجده الاستخباراتي المخرّب في المنطقة.
خلقت مجموعة العوامل المذكورة أعلاه وضعاً ، على الرغم من أن الحاجة إلى التفاوض للحد من أنشطة إيران النووية السلمية أصبحت مبدأً حتمياً للولايات المتحدة وأوروبا، إلا أنهم لا يريدون تقديم تنازلات اقتصادية، حتى على المستوى المتفق عليه في اتفاق 2015، للأسباب المذكورة فيما سلف، خوفا من تعاظم إمكانيات ايران الاقتصادية والسياسية على المستويين الإقليمي والدولي.
نورنيوز