نورنيوز- في واقعة مأساوية ليست الاولى من نوعها التي يبتلى بها شعب أفغانستان، وأثناء صلاة الجمعة، وبينما المصلون منشغلون بأداء واجبهم الديني، استهدف انتحاري مسجدا في منطقة خان آباد بولاية قندوز شمالي البلاد، مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المصلين، في حين تبنى تنظيم داعش الارهابي التفجير.
هناك بعض النقاط التي يجب وضعها في الاعتبار، فيما يتعلق بهذه الجريمة الوحشية بحق الشعب الافغاني المضطهد والعالم الإسلامي:
أولاً: لو ألقينا نظرة فاحصة على التطورات الاخيرة في أفغانستان منذ انجلاء المحتلين عنها، يتبيّن لنا أن التنظيمات الإرهابية على مايبدو بات لديها مهمة لاستغلال الثغرات الموجودة وإغراق أفغانستان في حرب عرقية - دينية، وبالتالي تبرير الحاجة إلى الوجود الأجنبي الذي لم يلبث ان انسحب من هذا البلد.
تجلى هذا السيناريو بوضوح عندما أفصح بعض المسؤولين والقادة الأمريكيين، بعد انسحاب قوات بلادهم وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، من أن الحرب في أفغانستان قد بدأت للتو!
ثانياً: من المؤكد أن ظهور الثغرات الأمنية وتعبيد الطريق لنشاطات الإرهابيين لإظهار قوتهم هي عواقب عدم وجود حكومة شاملة وفعالة في أفغانستان، بتعبير أدق، تقع كامل المسؤولية في الوقت الراهن على عاتق حركة طالبان، بصفتها القوّة المهيمنة في البلاد، حيث باتت المسؤول الاول عن أمن الشعب الأفغاني وإبعاد التهديدات الأمنية عن الدول المجاورة لهذا البلد، لذلك تلحّ الحاجة عليها أن تتّخذ تدابير عاجلة لتشكيل حكومة شاملة تضم جميع الاطياف والتيارات السياسية، وفي حال تحقّق ما سلف، ستتمكن حينها الحكومة المتمخّضة عن تعاضد الجميع من التعامل مع التهديدات والتحديات الراهنة.
ثالثاً: منذ انسحاب الأمريكيين وحلف شمال الأطلسي من أفغانستان تكثّفت هجمات داعش الارهابي بشكل غير مسبوق، يأتي ذلك فيما يستمر الغرب في رفض الإجابة عن السؤال الذي يبادر أذهان الجميع بشأن نتائج محاربة الارهاب في افغانستان على مدى 20 عاما التي كان يزعمها منذ احتلاله لهذا البلد؟ مزاعم فضحتها مجازر الارهابيين الاخيرة في جميع انحاء البلاد.
ولابد ان يجيب الغرب حول كيفية تعاظم قوة تنظيم داعش الارهابي في أفغانستان، رغم أنه تأسس في سوريا والعراق أول ظهوره. لم ينشأ داعش في أفغانستان، وهو مستمد من الأجواء والأهداف التي وضعها الغرب ضد هذا البلد، ويستخدمه كأداة لزعزعة استقرار هذا البلد بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.
رابعاً: في الواقع، لابد لنا من تناول تداعيات الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها اي شعب، ذلك لأنها يمكن أن توفر أرضية خصبة لإرغام المغرّر بهم للإنضمام الى الجماعات الإرهابية. حيث قدّرت الأمم المتحدة في آخر تقرير لها أن ما يقارب الـ 18 مليون أفغاني يعيشون في فقر مدقع ويحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، بينما وفقا لتقرير رسمي للأمم المتحدة، رفض الغربيون حتى الآن دفع مليارات الدولارات كمساعدات إنسانية ومالية لأفغانستان، بعد ان تسببوا بفوضى عارمة بها، والخطير بالامر ان التنظيمات الارهابية تنتهز هذه الظروف لضمّ اكبر عدد ممكن من الجنود الى صفوفها.
خامساً: أكدت دول المنطقة، بما في ذلك إيران وروسيا، اللتان لهما العديد من الأدوار والخبرات في مكافحة الإرهاب، مرارا وتكرارا على دعم الشعب الأفغاني ضد الإرهاب، وقدمت العديد من الحلول لتحقيق المصالحة الأفغانية –الأفغانية.
بهذا الشكل، ومن خلال تشكيل حكومة شاملة بمشاركة جميع الأطياف، يمكن لأفغانستان أن تواجه هذه التحديات وتستفيد من القدرات الإقليمية لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين ومحاربة الإرهاب الأمني والاقتصادي الذي خلفه 20 عاما من الاحتلال الاجنبي.
سادساً: إن الطريقة التي غطت بها وسائل الإعلام الغربية الحادثة الإرهابية ضد المصلين في ولاية قندوز مثيرة للاهتمام والاستغراب في ذات الوقت، حيث حاولت ماكنة الاعلام الغربية أن تنسب هذه الجريمة إلى الإسلام والمسلمين، فيما وضعت وسائل الإعلام ذاتها فضيحة الجرائم التي ترتكبها الكنائس الفرنسية بحق الأطفال على هامش نشراتها الاخبارية معتمدة التعتيم الدنيء عليها.
بناء على ماسلف، يمكن القول؛ أن الهجوم الإرهابي على المصلين في مسجد قندوز هو ثمرة 20 عاما من الاحتلال الغربي لأفغانستان، وما زالت نتائجه تعصف بشعب هذا البلد، ولن تنقشع هذه السحابة السوداء إلاّ بتشكيل حكومة شاملة في أسرع وقت ممكن بمشاركة جميع الاطياف والتيارات الأفغانية.