نورنيوز- تصاعدت في الأسابيع الاخيرة السلوكيات الاستفزازية لجمهورية أذربيجان، سلوك قوبل حتى الآن بالصبر والمواقف الودية والسلمية من قبل ايران، إلاّ ان تحركات باكو الاستفزازية ما تزال مستمرة بطريقة غريبة، ترافقت معها بعض الخطوات الميدانية المتوترة خلقت اجواء مشحونة وباتت أشبه بالحرب النفسية ضد ايران.
شرعت هذه التحركات التصعيدية بالتزامن مع إيقاف شاحنات تجارية إيرانية على الحدود بين ايران وجمهورية اذربيجان لمدّة ثمان وأربعين ساعة، أعقبتها تصريحات تدخلية عدائية من قبل بعض أعضاء البرلمان الأذربيجاني ضد إيران، وشتائم وهجمات من قبل وسائل الإعلام الأذربيجانية استهدفت المسؤولين الإيرانيين، بما في ذلك آية الله عاملي ممثل قائد الثورة الاسلامية في محافظة أردبيل.
دخلت هذه التحركات العدائية التصعيدية مؤخراً مرحلة جديدة مع التصريحات الصادمة للرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف"، وخلقت أجواء مشحونة غير مرغوب فيها خيّمت على العلاقات الودية والأخوية بين طهران وباكو.
حيث وجّه علييف في مقابلة له مع وكالة أنباء الأناضول التركية، اتهامات ضد ايران دون أن يتطرّق الى التحركات التصعيدية المذكورة سالفاً معتمداً على معلومات مغايرة للواقع، بشكل يُظهر أنه إما غير مدرك لعواقب مثل هذه السلوكيات والمواقف، أو أنه أراد إسعاد بعض الدول التي لاتريد للعلاقات بين ايران وجمهورية اذربيجان ان تكون طيبة.
تتعارض هذه السلوكيات بشكل جلي مع سياسات إيران الودية تجاه أذربيجان، وطهران على دراية بمصدرها والعقل المدبّر لها، وفيما ادناه سنخوض ابعاد هذه التطورات:
في العديد من التحوّلات التاريخية ومنذ أيام انهيار الاتحاد السوفياتي، أثبتت الجمهورية الإسلامية الايرانية أخوتها وصداقتها مع جمهورية أذربيجان بأشكال مختلفة، مع رعاية قواعد حسن الجوار، لكن لم تفتأ بعض الدول المعادية والاجنبية من خلق شرخ في العلاقات بين البلدين الجارين، ولم تأل جهدا هذه الجهات الخبيثة لتحريض قادة باكو على اتخاذ خطوات تصعيدية ضد ايران.
تتجلّى نوايا طهران الحسنة تجاه باكو في ظلّ الصراع الذي اشتعل بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا على أراضي ناغورنو قره باغ المحتلة قبل بضعة أشهر، وسارعت الجمهورية الاسلامية حينها من خلال اعترافها بحق أذربيجان في استعادة هذا الجزء من أراضيها المحتلة، الحؤول دون إراقة الدماء وتصعيد التوترات، وبذلت جهودا حثيثة لدفع البلدين الى طاولة الحوار، لإنهاء الصراع، لكن يبدو أن هذه المواقف الإيرانية الودية ضللّت سلطات باكو.
حيث أعلن قائد الثورة الاسلامية خلال حرب قره باغ، بكل وضوح عن ضرورة إعادة الأراضي الأذربيجانية المحتلة إلى هذا البلد وضرورة إخلاء المنطقة وتسليمها إلى باكو، وشدد في خطابه خلال النزاع على أن يريفان يجب أن تفهم أنه ليس من مصلحتها الاستمرار في الاحتلال، رغم ذلك، يبدو أن السلطات الأذربيجانية سرعان ما نسيت كل شيء.
ايران على دراية كاملة أن أمريكا والكيان الصهيوني كان لديهما منذ سنوات عزيمة جادة لدقّ اسفين في العلاقات بين ايران وجمهورية اذربيجان، وبعض الدول الطموحة في المنطقة، وأرادوا من خلال ركوب موجة التطورات في المنطقة وعدم رعاية الضرورات الجيواستراتيجية في تطوير نفوذهم على حساب الآخرين.
من ناحية أخرى، يعدّ موقع إيران الاستراتيجي على الطريق السريع بين الشرق والغرب، والذي دخل مؤخرا مرحلة جديدة مع انضمام إيران الدائم إلى منظمة شنغهاي للتعاون، الورقة الرابحة التي دفعت بعض دول التنمية الإقليمية إلى استفزاز واشنطن وتل أبيب لتبرير أخطاء باكو الاستراتيجية، ومواكبة القوة العسكرية والتغيير الجيوسياسي في المنطقة، بهدف حرمان الجمهورية الإسلامية من موقعها الصاعد، وذلك عن طريق ممر "زنغزور".
حُضر لهذه اللعبة الخطيرة ، التي تُشنّ من خلال إثارة التوترات العرقية والدينية وإساءة استخدام صبر إيران الاستراتيجي، منذ فترة طويلة من خلال مركز أبحاث أمريكي صهيوني مشترك يعتمد على أمثال "برندا شيفر"، العضو في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية (FDD)، وللأسف، استسلمت باكو لهذه اللعبة رغم تحذيرات الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ما يثير الاستغراب؛ هو تعليق مسؤولون في باكو بشأن تمرينات القوات الإيرانية "فاتحو خيبر" في المناطق الشمالية للبلاد، في محاولة لاتهام إيران بزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
لكن ما تمّ التغاضي عنه، هو أنه يحقّ لكل دولة اتخاذ أي إجراء داخل حدودها لتعزيز قدراتها الدفاعية، كما أن إجراء التدريبات العسكرية الإيرانية في شمال البلاد يتبع نفس القاعدة ويأتي في هذا السياق.
فإذا كانت جمهورية اذربيجان تشكو بشأن التدريبات العسكرية الايرانية، فإن مناورات باكو المشتركة مع دول خارج المنطقة مشكوك فيها بشكل كبير، تمرينات لم تنتقدها ايران فقط، بل هناك أيضا بعض الدول الأخرى المطلة على بحر قزوين، وجّهت انتقادات جدية لمثل هذه التدريبات المثيرة للتوتر.
من الواضح أن التدريبات المشتركة الأخيرة لباكستان وتركيا وأذربيجان هي خطوة استفزازية غير مسبوقة تذكرنا بتقديم أجهزتها إلى قوى أخرى في المنطقة.
في الأيام الأخيرة، رأى العديد من المحللين السياسيين والعسكريين إجراء التدريبات المشتركة بين باكو وإسلام آباد وأنقرة في بحر قزوين كرسالة تحذيير لروسيا الجار الشمالي لهم.
على أي حال، نظرا للميول الأمريكية نحو باكستان وعلاقات باكو وأنقرة مع الكيان الصهيوني والحكومات الغربية الأخرى، لا يمكن اعتبار هذا العمل الاستفزازي الذي قامت به باكو بأي حال من الأحوال تحركاً يأتي في إطار تحقيق الاستقرار في المنطقة.
ربما ليس سيئا أن ينصت المسؤولين في جمهورية آذربيجان لوجهات نظر الخبراء السياسيين في بلدهم، وليس عيباً ان يحذروهم من أن تنامي العلاقات بين جمهورية أذربيجان والكيان الصهيوني في مناطق مبوذ فيها هذا الكيان المزيف هو أكبر تهديد للأمن الإقليمي وشرخ يزعزع العلاقات بين دول المنطقة.
تاريخ التعاون العسكري الأذربيجاني مع الكيان الصهيوني واستغلال تل أبيب لإرادة الجمهورية الإسلامية لتوسيع العلاقات مع أذربيجان، لا ينبغي أن يدفع باكو إلى الاعتقاد بأن إيران غير مبالية بما يهدد أمنها في المنطقة.
لطالما بادرت ايران لتحسين مستوى العلاقات مع شعب جمهورية أذربيجان، مع مراعاة قواعد حسن الجوار والعلاقات الثقافية والماضي المشترك والانتماء إلى نفس الدين، وعلى باكو ان تدرك هذا الامر، وتعمل على درء شرور امريكا والكيان الصهيوني عنها، وعدم تصعيد التوتر في المنطقة بما يتناسب مع تلك الدول الخبيثة.
إيران وعبر تاريخها، أظهرت بوضوح أنها لا تضع عينها على أراضي الدول الأخرى، لكنها ستراقب أدنى إجراء تتخذه الدول الأخرى فيما يتعلق بوحدة أراضيها وأمنها القومي، وسترد بشكل حاسم في الوقت المناسب وفي ظل الإطار القانوني على اي تحرك معاد لها بالقرب من حدودها.
كان لابد ان تدفع هذه السحابة السوداء من التوتر في منطقة القوقاز في الأسابيع الأخيرة السلطات الأذربيجانية لإدراك الدور المدمر لأصدقائها السيئين، وضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام لمتطلبات جيرانها واعتبارات الأصدقاء الحقيقيين لها.