ومن الجدير بالقول بان مسيرة الاربعين هي ثورة اسلامية في معانيها وتحمل رسائل معنوية الى العالم، فهي تضم النساء والرجال والشيوخ والاطفال والعلماء والمفكرين والكثيرين من احرار العالم يحدوهم الامل بان يكونوا في سجل المناصرين لحفيد الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) الذي قال عنه: "حسين مني وانا من حسين" ويا لها من عبارة خالدة تعبر عن مكانة سيد الشهداء واحقيّة ثورته على الطغاة، التي ضحى فيها بالغالي والنفيس والارواح والابناء والاحباء من اجل العقيدة السمحاء.
ان مسيرة الاربعين تمثل تحدياً كبيرا ً للطغاة، وذات طبيعة جوهرية تقضي ان تكون الجماهير فيها سيد الموقف وليس لها نظير على صعيد التنوع البشري والمذهبي في العالم، فهي مظهر عقائدي واخلاقي لمحبي أهل بيت الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله).
لقد استشهد الامام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف مع 72 من افراد عائلته واصحابه لوقوفه بوجه الطغمة الفاسدة التي كانت بصدد تفسير الاسلام حسب تصورها الباطل والمنحرف القائم على الظواهر. وظل اسم "الحسين" خالداً بينما ذهبت الطغمة الفاسدة الى الجحيم ولم يبق لها ذكر الا عند حفنة من الذين لازالوا يحقدون على أهل البيت (عليهم السلام). وعليه، فان المسيرة المليونية تعبر عن أرق الاحاسيس، وهي مظهر عظيم للطاقات الايمانية الصادقة للامة الاسلامية، وسيبقى احياء اربعينية ابي الاحرار وزيارة مرقده المطهر سيد الموقف أبد الدهر.
ونختم المقال بحديث من "كامل الزيارات" لابن قولويه، فقد روي بأسناد معتبر عن الثقة الجليل معاوية بن وهب البجلي الكوفي انه قال: دخلت على الصادق "صلوات الله وسلامه عليه" وهو في مصلاه فجلستُ حتى قضى صلاته فسمعته يناجي ربه ويقول: ((يا من خصّنا بالكرامة، وخصنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضى و ما بقي، وجعل أفئدةً من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني ولزوار قبر ابي الحسين "صلوات الله عليه" الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم، رغبة في بِرّنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله، وإجابةً منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدونا، أرادوا بذلك رضاك، فكافئهم عنا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخلف، واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك أو شديد، وشر شياطين الجن والإنس، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم.. اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، خلافاً منهم على من خالفنا.. فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبدالله "عليه السلام"، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الأنفس، وتلك الأبدان، حتى توافيهم على الحوض يوم العطش)).
علي جايجيان/الوفاق