ناصر خسرو قبادياني (1004 - 1088 م) رحالة وشاعر وفيلسوف فارسي، اعتنق المذهب الشيعي الإسماعيلي وعمل داعيًا له. له كتاب الأسفار أو السفرنامة، الذي دوّن فيه أخبار أسفاره في أرجاء العالم الإسلامي، وامتاز بوصف دقيق لبيت المقدس ووصف نادر لأحوال وسط الجزيرة العربية وشرقها أيام القرامطة والأخيضريين في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي). الكتاب باللغة الفارسية ويتمتع بقدر من الشعبية في إيران، إلا أنه مترجم أيضًا إلى العربية.
حياته
ولد أبو معين حميد الدين ناصر بن حارث القبادياني المروزي، والذي يعرف بشكل عام بناصر خسرو عام (1004 - 1088 م) من أسرة تضم مسؤولين حكوميين في (قباديان) فيما وراء النهر قرب ترمذ، وعاش في مرو، ونال فيها ثقافة واسعة، والتحق بخدمة السلطان محمود بن سبكتكين، ثم ابنه السلطان مسعود، ولما نجح السلاجقة في القضاء على الدولة الغزنوية، التحق ناصر خسرو بخدمة جغري بك داود السلجوقي حاكم خراسان وتولى أمر خزانته في مرو مدة طويلة حتى نسب إليها.
وتحول ناصر خسرو دينيا في حوالي سن الأربعين و إثر هذا الاهتداء الواعي والحيوي، تخلى ناصر خسرو عن منصبه الإداري وانطلق من موطنه في ولاية خراسان ليؤدي ظاهرياً فريضة الحج إلى مكة .لقد سار به طريقه باتجاه الغرب عبر شمال إيران، وعبر أرمينيا وأذربيجان، مروراً بسورية إلى القدس والخليل وغيرها من مدن المنطقة .وقد أمضى ثلاث سنوات من رحلته التي دامت سبع سنوات في القاهرة،وقد حج إلى مكة أربع مرات .ومن حجته الأخيرة، تابع سيره شمالاً عبر الجزيرة العربية، ثم قطع إيران، لينعطف شرقاً عائداً إلى موطنه بلخ.
ويمكن أن تقسم حياة ناصر خسرو إلى أربع مراحل :السنوات المبكرة من حياته ولغاية تحوله الديني في حوالي سن الأربعين، وهذه الفترة لا نعرف عنها إلا القليل؛ ثم رحلة السبع سنوات، التي منها حصلنا
على كتابه ’سفرنامه ‘وبعض الشواهد من شعره؛ ثم عودته إلى موطنه خراسان كداعي دعاة للإسماعيليين في المنطقة؛ وأخيراً، منفاه في جبال بامير في بدخشان في مقاطعة يومغان، ومنها حصلنا
على أشعاره وبعض من أعماله الفلسفية وإهدائها إلى الأمير الذي منحه اللجوء.يصور ناصر أكبر نطاق من مشاعره وأعمقها في المنفي .ويغص شعره باليأس والمرارة، ولا يهدأ إلا عند الانسجام مع اقتناعه الثابت بصواب أعماله وتأكده من خلاصه النهائي أمام الله يوم الحساب .كما ويغتلي صدره غضباً من مواطنيه لأنهم أبعدوه عن أرضه ولأنهم جاهلون لدرجة عدم إبصار حقيقة رسالته .
ناصر خسرو شاعر ورحالة وفيلسوف ايراني
ادبه
وظل ناصر خسرو على مدى تسعمائة سنة، يجذب انتباهاً مثيراً من المعجبين به والنقاد على حد سواء .جعلت مهاراته في صياغة الشعر وتعابيره الناطقين بالفارسية أن يصنفوه بين أفضل الشعراء الفرس
على مدى قرون من الزمن .إضافة إلى ذلك، فقد تمت دراسة سجله الشخصي لرحلة السبع سنوات التي قام بها من آسيا الوسطى إلى ساحل المتوسط، فمصر، فالجزيرة العربية، ثم عائداً ثانية إلى موطنه،كلمة كلمة لما احتوته من وصف مفصل للمدن، والمجتمعات، والعادات .لقد وقف الباحثون الفرنسيون والألمان في القرن التاسع عشر في المكان الذي وقف فيه في القدس واستطاعوا أن يحصوا الخطى التي أحصاها قبل قرون .إن تقييم المضمون الفكري العظيم الموجود في كتاباته، الشعرية والنثرية، في وقت، مبكر قد أكسبه لقب ’الحكيم ‘والذي يعني شخصاً مبجلاً لمعرفته العلمية ومقدرته التحليلية . ومن ناحية أخرى، أدّى نجاحه كداعيةللعقيدة الإسماعيلية إلى اتخاذ مواقف عدائية ضده من قبل الرأي العام الرسمي، مما اضطره للهربوالنجاة بحياته .لقد أمضى الخمس عشرة سنة الأخيرة من عمره في المنفى تحت حماية أمير صغير،في مكان ناء يربع في جبال بدخشان، إلى الشمال قليلاً من كوش الهندوسية .
لقد كتب ناصر خسرو في ثلاثة من الأصناف الأدبية – الرحلات والشعر والفلسفة - وكل منها تشكل نافذة لنا إلى شخصيته .إضافة إلى ذلك، هنالك مجموعة من الكتب في الأدب الثانوي من السير الذاتية ،
والمقتطفات الشعرية والجغرافيات التي تتعرض له ولأعماله.
ناصر خسرو شاعر ورحالة وفيلسوف ايراني
شعره
ظهر شعر ناصر خسرو في عدة أعمال، والمجموعة الرئيسية منها قد جمعت في الديوان، الذي يبلغ الآن بمجمله أكثر من 17 الف و 222 بيتاً شعرياً .كتبت أشعار ديوانه على شكل قصائد غنائية، مصورة عواطف نبيلة وأفكار سامية بأسلوب رسمي رفيع .تتميز ’القصيدة‘ بقافية موحدة في كل الأبيات .كل ’بيت‘ يتألف من شطرين متساويين .
يضم الديوان إضافة إلى القصائد الغنائية قصائد أصغر ورباعيات .والقصائد التي في الديوان قد تلقت، حتى الآن، معالجتين رئيسيتين باللغة الإنكليزية : ترجمت أربعون قصيدة من قبل ب .ل .ويلسون، و ج .ر أفاني عام 1455،4 ومؤخراً ترجمت أنيماري شيمل وشرحت المضامين الرئيسية في عدد من الأشعار المختارة.
كتابته
ككاتب، كتب بشكل موسع باللغة الفارسية .فناصر خسرو يستحق الإعجاب، ليس لإخلاصه للغته الأم فحسب، ولكن لمهارته البلاغية والتصويرية، ومقدرته على خلق كلمات جديدة، بالإضافة لتكوين
معاني جديدة لتعابير القديمة .وكرحالة، فقد زار الكثير من العالم الإسلامي، يستمر تسجيله الشخصي لرحلته التي دامت سبع سنوات، عرضة للتمحيص من أجل كل الأدلة التي يحتمل أن تعطيها للتاريخ،
والسياسة، وعلم الآثار، والإدارة، والمجتمع، والدين، والعادات والدفاعات العسكرية في المنطقة وخلال تلك الفترة من الزمن .وكداع، لم يعط في أعماله مبادئ العقيدة فحسب، بل أيضاً حجج العقيدة، ونصائح للعيش في أخلاقيات العقيدة .وكأخلاقي، يحذر من مخاطر كثرة الانهماك في آلام الدنيا ومسراتها.
رحلاته
يترك ناصر خسرو في كتاب سفرنامه سجلاً لرحلة دامت سبع سنين من موطنه في خراسان إلى مصر والعودة5 .لقد تبنى أسلوباً شخصياً، وغالباً ما كان يشير إلى نفسه بعبارة :’أنا ، ناصر ‘عندما يشرح
شيئاً قام به أو رآه في مكان ما .من الدليل الداخلي، نستطيع أن نستنتج أنه كتب سفرنامه في فترة متأخرة وذلك من الملاحظات التي قد أخذها على طول الطريق .ولأنه كان يكتب نثراً فارسياً بسيطاً
نسبياً، فقد فاز ناصر خسرو بثقة القارئ بوصفه الأمين للمدن والبلدات .لم يكن يحاول أن يؤثر على أحد بمهاراته اللغوية بل بالأشياء الغريبة والعجيبة التي شاهدها أثناء ترحاله .