وفي إشارة إلى أن إيران تنتج يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المائة لأول مرة، شدّدت الدول الأوروبية الثلاث في البيان على أن قدرة إيران على إنتاج اليورانيوم المخصب وصلت إلى 60 في المائة، مُبديةً قلقها الزائف، وزعمت بأن طهران أحرزت تقدما نحو تصنيع سلاح نووي، وطهران ليس لديها حاجة أخرى ذات مصداقية لهذه الإجراءات!
بالتزامن مع بيان الترويكا الاوروبية؛ أعرب روبرت مالي، المبعوث الأمريكي الخاص بالشؤون الإيرانية، الذي انسحبت بلاده منذ أكثر من ثلاث سنوات دون سبب واضح بشكل أحادي من الاتفاق النووي، وكانت هي سبب دخول الاتفاق بحالة الموت السريري، عن شكوكه بشأن فحوى محادثات فيينا ومصير الاتفاق النووي.
وفي مقابلة مع صحيفة "بوليتيكو" أمريكية، خرج مالي بتصريحات يريد منها وضع طهران بقفص الاتهام، حيث قال: هناك متغيرات غير معروفة حول ما سيفعله الإيرانيون وما لن يفعلوه، لكننا لم نكن لنعلن استعدادنا إذا لم نعتبر الاتفاقية ممكنة، لكن، إذا استمر تطوير ايران لبرنامجها النووي، سيأخذ الموضوع منحى آخر.
هذه فحوى مواقف امريكا وأوروبا، مواقف صلفة تأتي بعد ست جولات من المفاوضات في فيينا لإحياء الاتفاق النووي، مفاوضات كان من المقرّر ان تتمحور حول رفع العقوبات الجائرة عن ايران، والتحقّق من مصداقية الطرف الامريكي المنتهك للاتفاق، لا أن تتجه أصابع الاتهام نحو طهران التي طالما التزمت بشكل مطلق بخطة العمل المشتركة، وما تزال مستعدة للعودة إليها في حال التزام الاطراف الاخرى بتعهداتها.
وللمضي قدماً بالمحادثات، ولإظهار حسن النيّة تجاه احياء الاتفاق النووي، أرجأت إيران مساعيها للحصول على تعويض من مُفتعل هذه الازمة أي الطرف الامريكي حتى إشعار آخر.
تصريحات المبعوث الأميركي الخاص لإيران، تشي بأن ما تصبو له امريكا من إحياء الاتفاق النووي هو "الحصول على امتيازات خارج نطاق الاتفاق" إلى جانب الإبقاء على العقوبات.
في المقابل، أعلنت إيران مرارا وتكراراً، أنها لن تتنازل بأي حال من الأحوال عن حقها الشرعي في رفع العقوبات والتحقق من تنفيذ هذا الامر على أرض الواقع، لا أن يكون مجرد حبر على ورق.
فالجولات الست الأخيرة من المفاوضات المكثّفة في فيينا، كشفت ماهية ما يصبو إليه الغرب من الاتفاق مع ايران، فهي بطبيعة الحال لا تشي بأنهم يودون رفع العقوبات مع إمكانية التحقق!
في الوقت نفسه، إيران لم تكتفي فقط بالتمسّك بطاولة المفاوضات، بل أوفت أيضا بالتزاماتها من خلال تحمل أشد العقوبات الاقتصادية غير القانونية التي فرضها ترامب عليها، بعد انسحاب ادارته من الاتفاق النووي واتباع سياسة الضغوط القصوى تجاه ايران، ورغم ذلك لا تنفك الجمهورية الاسلامية تؤكد إرادتها لمواصلة التنفيذ السلمي لبرنامجها النووي.
هذا ما بات عليه كعب أخيل الغرب، ما رأى أولئك الذين سعوا إلى تفكيك الهيكل الاقتصادي للجمهورية الإسلامية وإركاع الشعب الإيراني على ركبهم لقبول الإكراه والبلطجة الأمريكية، أن إيران لا يمكن أن تخنع لأحد ولا أن تُفرض عليها أي سياسة لا تنسجم مع مصالحها.
ومن الجلي الآن، أن أمريكا وبدلاً من تعويض الخسائر التي ألحقتها بالشعب الايراني، تواصل استخدام ما يسمى بإنجازات سياسة ترامب المتمثّلة بالضغوط القصوى خلف طاولة المفاوضات، وفي نفس الوقت تعلن في وسائل الإعلام أن إيران يجب أن تعود للمفاوضات!
في حين ما تزال سياسة ايران الراسخة، كما في السابق، هي استخدام جميع الوسائل الدبلوماسية والتفاوضية للتوصل إلى اتفاق يخدم المصالح الدائمة للشعب الإيراني.
قد تغدو طاولة المفاوضات في فيينا وسيلة لكسر الجليد الذي أوجدته امريكا إذا استبدلت هي وشركاؤها الأوروبيون التعنّت والإكراه لفرض مطالبهم السياسية بالاعتراف بالحقوق القانونية للشعب الإيراني، ولن يمرّ وقت طويل قبل أن تتضح الإرادة الحقيقية لواشنطن تجاه إزالة العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق، ويتضح المدى الذي تنأى به واشنطن بنفسها عن سياسة الضغوط القصوى التي كان ينتهجها ترامب.