لكن المفاجىء أكثر، كان رد حزب الله الصاروخي على خلفية تلك الاعتداءات، وعلى مناطق محتلة من مزارع شبعا والجليل الأعلى المحتل، فكيف يمكن مقاربة الموضوع؟ وهل يمكن القول إن الطرفين أو أحدهما، اختارًا أو اختار تغيير قواعد الاشتباك المعمول بها منذ ما بعد عدوان تموز2006؟ وكيف يمكن توصيف الوضع والى أين يمكن أن يتطور؟
رد حزب الله الصاروخي المحدود، مستهدفًا مناطق مفتوحة في محيط مواقع عسكرية عدوة، بحيث لم يستهدف تلك المواقع بشكل دقيق فعال، يحمل عدة رسائل وهي:
المقاومة غير معنية بتوتير الوضع وبفتح مواجهة واسعة.
المقاومة غير معنية بكسر قواعد الاشتباك المعمول بها منذ القرار 2006.
المقاومة ايضا، غير خائفة من الرد، ولا تخشى تداعياته، في حال أخذ رد العدو أحد أشكال الاعتداء، والتي هي غير بعيدة عن مفاهيم الاعتداء التي تقيدها أو تضبطها قواعد الاشتباك السارية المفعول حتى الساعة.
المقاومة أيضًا، جاهزة للتعامل مع أي تغيير تذهب إليه "اسرائيل" في قواعد الاشتباك أو في القيود المضبوطة للصراع أو للنزاع.
المقاومة أيضًا، وهذا هو المهم، غير معنية بما تحاول "اسرائيل" استغلاله فيما يحصل في لبنان لناحية الانهيارت الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وأنها (اي المقاومة) تفصل الصراع والاشتباك والمواجهة مع العدو عن الأزمة الداخلية في لبنان، والتي كانت "اسرائيل" المساهم الاساسي فيها، حين اعتبرتها (الازمة الاقتصادية والمالية اللبنانية) بديلًا عن المواجهة العسكرية التي تخشاها وتبتعد عنها.
من ناحية أخرى، ما أرادته "اسرائيل" من وراء التصعيد الأخير الذي لجأت إليه (الغارات الجوية على أراض لبنانية) يحمل أهدافًا عسكرية تكتية، وأهدافًا سياسية.
عسكريًا، "اسرائيل" تبحث منذ فترة طويلة عن عدة نقاط غامضة، نجح حزب الله في ابقائها غامضة:
ماذا يملك من قدرات وأسلحة جديدة؟
ماذا يحضر من تكتيكات جديدة، في الدفاع أو في الهجوم؟
ما هي نواياه تجاهها، في حال نفذت اعتداء أو في حال لم تنفذ اعتداء؟
وهذه النقاط الغامضة التي تبحث عنها "اسرائيل"، تريد الحصول عليها دون الذهاب إلى مغامرة المواجهة الواسعة، فاختارت جس النبض بعملية اعتداء جوي ومدفعي محدود، كانت حريصة على اظهارها في مناطق مفتوحة دون إحداث خسائر.
"إسرائيل" أيضًا، برهنت وبسرعة، سبقت الانتهاء الكامل للتبادل الصاروخي والمدفعي مع لبنان، أنها غير معنية بمواجهة واسعة، وأنها لا تريد الذهاب نحو توسيع الاشتباك أو العمليات القتالية.
انطلاقًا مما أظهره حزب الله، ومن اشاراته بدقة الى مكان ومستوى ما يريده بالتحديد في هذه المواجهة، وما هي القيود التي يلتزم بها، وفي نفس الوقت، ما هي النقاط أو الأعمال التي لا يقبل بها، والتي يعتبرها تغييرًا أو تطويرًا لقواعد الاشتباك لا يوافق عليه، وانطلاقًا من المسار المضبوط الذي أظهرت "اسرائيل" التزامها به، وعدم استعدادها لتجاوزه، وانطلاقا من اعترافها بعدم نيتها خلق قواعد اشتباك جديدة، لا يوافق عليها حزب الله، نستطيع أن نستنتج أن الجولة الأخيرة من التصعيد جنوبًا قد ذهبت إلى مربع الهدوء الحذر، بعد أن لمست "اسرائيل" أن أية مغامرة غير محسوبة، لن تكون آمنة، في الوقت الذي لا تبدو فيه مستعدة لتحمل تداعياتها.
العهد