في خضمّ هذه التطورات، وبينما يحتدم الصراع بين طالبان والحكومة الافغانية، اعترفت الولايات المتحدة بطالبان خلافاً لالتزاماتها ومنحت في اتفاق الدوحة حصّة كبيرة للحركة من السلطة دون وجود ممثلي كابول.
يبقى السؤال الأهم هو لماذا لم يستتبّ الأمن والاستقرار في أفغانستان بعد 20 عاما من التواجد الأمريكي فيها؟
-العنصرية الممنهجة: تبلورت "العنصرية الممنهجة" السائدة في امريكا في سياسة واشنطن الخارجية بشكل واضح أمام الجميع، حيث غالباً ما تكون السياسة الخارجية للدول مستمدة من سياستها الداخلية، ولو أجرينا نظرة متمحّصة على الهيكل الداخلي للولايات المتحدة لنضح لنا كما هائلا من العنصرية الممنهجة السائدة في هذا البلد، ينعكس هذا المفهوم الذاتي أيضًا في بُعد أوسع للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث قدر الأمريكيون تكلفة دماء كل أفغاني قُتل في عملياتهم بنحو 46 ألف دولار، بينما دفعوا 11 مليون دولار كتعويض عن كل أمريكي قُتل في الحرب في حادثة لوكربي.
مثل هذه النظرة العنصرية لا يمكن لصاحبها أن يؤدي دور " المنقذ ومُرسّخ السلام والاستقرار" في دول العالم.
-السبب الآخر لانعدام السلام والاستقرار في أفغانستان هو هيمنة الايديولوجيا "الصليبية" على السياسة الخارجية الامريكية، خير دليل على ذلك "المجازر الجماعية سواء العلنية منها أو بالوكالة بحقّ المسلمين" في البوسنة وأفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين واليمن.
حيث قتل الآلاف من مسلمي البوسنة في حرب البلقان بصمت على جرائم الصرب، وقتل آلاف المسلمين في احتلال أفغانستان والعراق دون أن يحرّك أحد ساكناً، إضافة الى دعم جماعة إرهابية منافقة أيديها ملطخة بدماء 17 ألف إيراني، علاوة على تنظيمي القاعدة وداعش الارهابيين وعشرات الجماعات الإرهابية الأخرى التي انولدت جراء السياسات الامريكية التخريبية في المنطقة، بالاضافة الى دعم الكيان الصهيوني في جرائم الابادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني المظلوم، ودعم السعودية في عدوانها على الشعب اليمني، كل هذه الوقائع هي مظهر واضح للايدولوجيا اللاإنسانية التي تهيمن على الهيكل الأمريكي.
-الهيمنة والتسلّط: حجر الاساس لنظام الهيمنة هو "تفوق المصالح الأمريكية"، حسب تفكير نظام الهيمنة الذي يتجلى في شكل الاستعمار والاستغلال، يتحقق المبدأ الأساسي للمصالح الأمريكية والتفوق عن طريق إضعاف الدول الأخرى والتدخل بها، لهذا يعد انعدام الأمن في أفغانستان جزءًا لا يتجّزأ من سياسات نظام الهيمنة لخلق الفوضى وانعدام الأمن في المنطقة والعالم، وبهدف منع ظهور قوى اقتصادية وسياسية وأمنية جديدة، وللحفاظ على الطبيعة المهيمنة للنظام الرأسمالي.
في حقيقة الامر، باتت هذه الايديولوجيا العنجهية تُثقل كاهل الارض، وباتت العديد من الدول تشتكي صلافة التدخل الامريكي في شؤونها وزعزعة الامن فيها، ولكن الأهم من كل ذلك، هو أنه على دول العالم أن تدرك أنها لن تحقّق السلام والاستقرار بتاتاً عندما تستعين بامريكا، "فلن يُنظّف المنديل المتسخ الزجاج".
نورنيوز