1- الركن الأول من المقاربة المزدوجة يتعلق بمحاولة طرح حلول ومخارج ومساع وأفكار ترتبط بتشكيل الحكومة الجديدة، مع دعم للمبادرات التي يتولى تقديمها رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري من جهة، وحث الحكومة المستقيلة على تفعيل بعض أعمالها وابتكار المخارج التي من شأنها أن لا تتعارض والدستور في ما يتعلق بصلاحيات الوزراء خلال فترة ما يسمى بتصريف الاعمال، علمًا أن جزءا هاما من المطلوب القيام به يرتبط بعمل الوزارة نفسها لا عمل مجلس الوزراء مجتمعاً، ما يسمح للوزير المختص بممارسة صلاحياته ضمن القوانين المرعية الإجراء، لا سيما في الشق الرقابي بالتعاون والتعاضد مع القوى الأمنية والجهات الرقابية، خاصة في مكافحة الفساد المرتبط بالإحتكار واخفاء السلع ورفع أسعارها.
2- أما الركن الثاني فيرتبط بإطلاق تحذيرات من عدم قدرة المقاومة على السكوت طويلًا أمام التصرفات اللامسؤولة للمحتكرين والفاسدين، وتقاعس الدولة عن القيام بمسؤولياتها في تأمين السلع الأساسية للمواطنين. ومن هذا المنطلق أطلق سماحته في كلمته الأخيرة تحذيرا مفاده أنه في حال وصلت الأمور الى حد أن الدولة باتت غائبة عن القيام بمسؤولياتها، وأظهرت عجزا واضحا في تأمين الأساسيات، لا سيما المشتقات النفطية، فإن المقاومة ستضطر للذهاب الى الجمهورية الإسلامية في إيران لتأمين هذه المادة وشحنها الى مرفأ بيروت.
يمثل هذا الموقف الأخير تطورًا لافتًا في خطاب حزب الله، لكنه لا يشكل طفرة مفاجئة، بل جاء في سياق ما يمكن تسميته بـ"زيادة الجرعات الذكية" في عملية مواجهة التجويع التي تخوضها الإدارة الأمريكية على لبنان.
ففي إطلالة سابقة للأمين العام لحزب الله، ألمح سماحته إلى أن الحزب يتعامل حتى الآن على أن الدولة موجودة، ومن مسؤولياتها تأمين السلع الأساسية، وأنه عندما يشعر الحزب بأن الدولة باتت غائبة وعاجزة عن القيام بمهامها فسيكون للحزب تصرف آخر، دون الإفصاح عن ماهية ردة فعل الحزب وما ينوي القيام به.
كما كان قد سبق هذا الموقف، إطلاق السيد نصر الله شعاره المعروف بأن الحزب لن يسمح بتجويع اللبنانيين.
هي مواقف متدحرجة اذًا، بدأت من شعار "لن نجوع" ووصلت الى التحذير من إمكانية قيام الحزب باستجلاب المشتقات النفطية بنفسه من الجمهورية الإسلامية في إيران.
وفي الواقع، لم يكن بمقدور الحزب، ولا هو من الحكمة، أن يطلق تحذيرات على شاكلة استيراد البنزين دون أن تكون هذه التحذيرات مشفوعة بمبادرات تحثّ السياسيين على القيام بمسؤولياتهم، سواء ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة الجديدة، أو تفعيل عمل الحكومة المستقيلة، وقد ذهب السيد نصر الله الى ما هو أبعد من الحثّ، حيث شرح مطولًا كيفية معالجة الازمات المستجدة دون ربطها بالحلول الجذرية للأزمة الاقتصادية، بل يمكن تفكيك هذه الأزمات ومعالجتها موضعياً، بانتظار تشكيل حكومة فاعلة وقادرة على ابتداع واجتراح الحلول، وتقديم خطط وتصورات تمهّد لحلول جذرية لن تكون سهلة ولا سريعة، من منطلق أن حاجة الحلول الجذرية للوقت الطويل لا تعفي من محاولة مواجهة الأزمات بحلول مؤقتة تخفف من الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطنين.
ومهما يكن من أمر، فقد تساءل الكثيرون عن كيفية قيام حزب الله باستجلاب المشتقات النفطية، ومكان تخزينها، ومن سيتولى توزيعها، وكيفية تسعيرها، وغير ذلك من الأسئلة. والحقيقة أن هذا النوع من الأسئلة يرتبط بالآليات، وهي تفاصيل لا شك أن للحزب اجاباته وحلوله لها، وليس معنياً بتوضيحها وشرحها أمام الجمهور في الوقت الحالي.
وعلى أي حال، يبدو الخيار الذي طرحه الحزب بمثابة العمل وفق مقولة: آخر الدواء الكي، وهو جدي بطرحه، لكنه في نفس الوقت رسالة لمن يعنيهم الأمر، لا سيما المسؤولون عن استيراد هذه السلع وتأمينها، ومفاد هذه الرسالة: إذا كنتم حريصيين على تأمين مصالحكم واستمرارها، فعليكم تأمين ما تعهدتم بتأمينه، وإلا فإننا نتعهد بالقيام بهذه المهمة، وسنقوم، كما نفعل دائما، بالوفاء بتعهداتنا.
موقع العهد