نورنيوز- يسارع الديمقراطيون الخطى بقيادة جو بايدن، لاسترداد المواقف التي تبنّوها قبل أربع سنوات قبل الولاية الكارثية لترامب.
على الرغم من فوز الديمقراطيين بانتصار ساحق، وإضافة رئيس جمهوري آخر لفترة ولاية واحدة إلى التاريخ السياسي الامريكي، إلا أنهم سيواجهون صعوبات جمّة في الأسابيع والأشهر المقبلة، وستعترضهم أزمات قادرة على خلق أزمة وزارية معقدة لكل مؤسسة حكومية، في الوقت نفسه، ستمثّل الفترة القادمة اختبارا جاداً للديمقراطيين وبايدن ذو الـ80 عاماً.
في الأثناء، استلمت الإدارة الجديدة دفّة حكم امريكا، التي تواجه من نواحٍ عديدة ملفات تُعيق بناء القوة، من قبيل، العنصرية والمشاكل الاقتصادية المحلية، إلى جانب انعدام ثقة الحلفاء والقوّة المتنامية للمنافسين الدوليين في مجال السياسة الخارجية، جميع هذا القضايا تشكل عقبة كبيرة تُعيق امريكا لاستعادة مكانتها الضائعة كقوة عالمية كبرى، كما ستكون ملفات شائكة من هذا القبيل شوكة في حلق بايدن وإدارته طوال فترة ولايته المُتعِبة.
المشهد الذي لايغيب عن الأذهان وسيظل وصمة عار على جبين الديمقراطية الامريكية، عندما كان الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة يؤدي اليمين الدستورية في واشنطن، بينما كانت شوارع المدينة مكتظة بقوات الحرس الوطني، والتي حولتها إلى ثكنة عسكرية ضد ما يسمى بالإرهابيين المحليين.
الأجواء الأمنية المشدّدة التي خيّمت على مراسم تنصيب بايدن، تعود لقوة ودوافع اليمين المتطرف وتعاظم قدراته في الولايات المتحدة هذه الأيام، فقد أظهر الفصيل الموالي لترامب، الذي حصد نحو 80 مليون صوت خلال فترة السباق الرئاسي، إمكانات كبيرة للتأثير في مجريات الامور.
أدى وجود مثل هذه القاعدة الاجتماعية القوية إلى زيادة آمال ترامب في استعادة السلطة، وستكون هذه القاعدة إلى جانب الثروة الهائلة التي يمتلكها، الرافعتان الرئيسيتان للعبة ترامب السياسية في المستقبل.
كان اليمين المتطرف وبعض المحافظين الجدد داخل الحزب الجمهوري في البداية من المؤيدين الرئيسيين لترامب عام 2016، لكن دعمه الضمني والمثير للجدل للعنصريين في احتجاجات شارلوتزفيل المميتة عام 2017 والتصاعد الحاد في التطرف اليميني العنيف خلال فترة رئاسته، خصوصاً بعد أن أصبح في نظر العديد قائدا لهذه الفئة من المجتمع الأمريكي، دفع أولئك الذين دعموا ولايته الاولى الى العدول عن موقفهم.
لليمين دور خاص يلعبه في الأزمة العرقية في هذا أمريكا، وهذه الأزمة هي الكابوس المحلي الأكثر قلقاً للأمريكيين في التاريخ المعاصر.
الآن، بالنظر إلى محاولة ترامب الاستقلال عن الحزب الجمهوري والتحرّر من سلطة النقاد الأقوياء المهيمنين عليه، قد يستغل ترامب في المستقبل الانقسام الداخلي للجمهوريين لدخول الساحة السياسية الأمريكية بمساعدة الجناح اليميني للحزب، وهو اتجاه يمكن أن يُأزم الحساسيات العرقية في المجتمع الأمريكي الملتهب.
أمريكا اليوم تشبه إلى حدّ كبير الحقبة التي تولى فيها أوباما السلطة في عام 2009 بعد بوش الابن، لا تواجه أمريكا ما بعد ترامب منافسة حادة متفاقمة فقط من الحكومات الغريمة لها في جميع أنحاء العالم، إنما تواجه علاقاتها مع حلفائها الغربيين أيضا تحديات خطيرة بسبب الأحادية التي انتهجها ترامب.
لقد أثبت ترامب خلال السنوات الأربع الماضية أنه لا يحبّذ حلفاء أمريكا التقليديين، لأنهم أرادوا الالتزام وتحمّل المسؤولية، وهو ما لم يتفق مع ترامب، ويعتقد منتقدوه أن هذا النهج يخدم فقط مصالح الولايات المتحدة بشكل مؤقت.
من وجهة نظر ترامب، فإن المخاوف الأمنية لحلفاء امريكا في أوروبا وأماكن أخرى أقل أهمية، ويجب عليهم تحمل المسؤولية للدفاع عن أمنهم أو دفع ثمن ذلك بمبالغ طائلة، الأمر الذي تحقّق مع حلف شمال الأطلسي وكوريا الجنوبية والسعودية والإمارات.
هذا الرأي، المعروف باسم "العقيدة القارية"، والذي يُطلق عليه خطأً "الانعزالية" في إيران، له تاريخ طويل في امريكا، وفكرته الرئيسية هي تقليص الالتزامات الدولية للولايات المتحدة (خارج الأمريكتين).
تم الاعتراف بهيمنة العقيدة القارية على السياسة الخارجية الأمريكية وعدم مشاركتها في الأنظمة الدولية بعد الحرب العالمية الأولى كأحد أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية، جاء ترامب إلى السلطة حاملاً شعار تخفيف عبء الالتزامات الدولية عن كاهل الولايات المتحدة، وحافظ على وعده قدر استطاعته.
على مدى السنوات الأربع الماضية، أدت هذه السياسة إلى صعود خصوم امريكا في مناطق مثل غرب آسيا، إذ سارعت تلك القوى الى تولي السلطة والاشراف على مسارها بعد انسحاب القوات الأمريكية من أي بلد، وبهذا أضعفوا مكانة امريكا كقوة دولية عظمى في المجال العسكري والأمني على مستوى العالم، من ناحية أخرى، بات موقف امريكا كحليف موثوق به لحلفائها موضع تساؤل.
مع هذا التفسير، سيرى بايدن نفسه خلال فترة ولايته، أمام أزمات خطيرة في الخارج علاوة على تلك البلايا التي تهدّد الهيكلية الاجتماعية في الداخل، وهنا سيكون بايدن مرغماً على قيادة مجتمع مقسّم بمكوناته، أضف الى ذلك سيحاول بيأس إعادة النفوذ العسكري والدبلوماسي الأمريكي في مناطق الأزمات عالمياً، وستكون إعادة ثقة الحلفاء الرئيسيين للبلاد صعبة للغاية، كما على الإدارة الأمريكية الجديدة التعامل مع صعود قوى عالمية جديدة على رأسها "روسيا والصين".
على هذا النحو، ورغم مغادرة ترامب البيت الأبيض، لن يكون بايدن غير مبالٍ بإرثه داخل الولايات المتحدة وخارجها، ويجب عليه أن يفي بتعهدات وإلتزامات الحكومة الأمريكية وأن يدفع ضريبة ما خلّفه سلفه.
بايدن الآن لا يحكم قوّة عظمى، وعليه البت في مختلف القضايا طبقاً لهذا المُعتقد، ولنكون أكثر دقة، لا شك أنه يجب عليه تقديم تنازلات كبيرة في ملفات هامة من قبيل الاتفاق النووي، حتى يتمكن من تجبير الكسور التي تسبب بها ترامب لجسد الاتفاق الموقّع مع ايران والذي إلتزمت به طهران حتى آخر رمق.
نورنيوز