نورنيوز- صباح يوم الخميس (21 يناير/كانون الثاني الجاري) فجّر انتحاريان مطلوبان لدى القوات الأمنية نفسيهما في منطقة الباب الشرقي وسط العاصمة العراقية بغداد، ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من المدنيين.
عقب الهجوم أعلن وزير الصحة العراقي (حسن التميمي) سقوط 32 شهيداً و110 جريحا في التفجير، وذلك في اعتداء غير مسبوق منذ أكثر من سنة ونصف من غياب هذا النوع من العمليات الإرهابية في بغداد.
وعقب هذه الحادثة، أصدر مكتب آية الله السيستاني المرجع الديني الأعلى في العراق بيانا أعرب فيه عن تعازيه لأبناء وأسر الشهداء، ودعا القوات الأمنية إلى تكثيف جهودها لحفظ الأمن وإحباط مخططات الأعداء.
كما عقد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، اجتماعا حكوميا استثنائيا عاجلا، أعلن فيه اجراء سلسلة تغييرات في البنية الامنية والعسكرية، والعمل على وضع خطة امنية شاملة لمواجهة التحديات المقبلة، وتحدث عن وجود خلل يجب الاسراع بمعالجته، وأكد ضرورة بدء تحقيق فوري في التفجيرين.
أثار هذا الهجوم الارهابي، ردود فعل كثيرة، وكان الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ووزير الخارجية فؤاد حسين، وقائد الحشد الشعبي فالح الفياض، وزعيم تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، من بين الشخصيات المحلية التي أدانت التفجير المزدوج.
كما أدان كل من "إيراج مسجدي سفير إيران لدى العراق" وحزب الله لبنان، ومارتن هوث سفير الاتحاد الأوروبي، وسفراء كندا وتركيا ببغداد، وأحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعادل العصومي رئيس مجلس النواب العربي، ووزارة الخارجية المصرية والأردن ووفد الأمم المتحدة في العراق ووزارة الخارجية القطرية الهجوم الارهابي.
كما أدانت السفارة الأمريكية ووزارة الخارجية السعودية الهجوم الإرهابي الذي تبنّاه داعش، التنظيم الذي ولد من رحم التدخل الامريكي في المنطقة بحسب اعتراف الامريكي نفسه، وبتمويل آل سعود.
وهنا لابد أن نعيد للأذهان، الاتهام الذي وجّهه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مناظراته الرئاسية عام 2016، للحكومة الأمريكية في عهد سلفه أوباما، بشأن دورها في ظهور داعش، واستند ترامب في اتهاماته على وثائق كشفت عنها هيلاري كلينتون في مذكراتها.
بعد أن أطلقت دومينو الثورات العربية في العام 2011، أوجدت امريكا العديد من الجماعات الارهابية التكفيرية ودعمتها سرّاً، بما في ذلك داعش، درءاً لمخاوف أمنية تهدّد الكيان الصهيوني والدكتاتوريين العرب الذين جعلوا من بلدانهم "بقرة حلوب أتخمت بطون الغربيين".
نظراً للاستثمار الجاد والمكلف الذي اعتمده المحور الغربي-السعودي- الصهيوني لتحقيق أجنداته عبر استخدام أداة الارهاب، بذل هذا التحالف الخبيث جهودا كبيرة في الوقت نفسه، للحدّ من التهديدات المحتملة والجادّة التي يمكن أن تواجه تيار الدمى هذا، والقضاء عليها بأي شكل من الأشكال.
منذ ظهور الإرهاب التكفيري في المنطقة، كان الدور الحاسم الذي لعبته الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة في التصدّي الجاد والفريد للجماعات الإرهابية التكفيرية، على رأسها تنظيم داعش، إضافة الى قيادة وتوجيه قوات مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان من قبل الحاج الشهيد قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس، من أكبر المعوقات الرئيسية في تحقيق أهداف رعاة الإرهاب.
لا شك في أن اغتيال كبار قادة مكافحة الإرهاب من قبل الأمريكيين وفرض عقوبات على أفراد من قبيل فالح الفياض رئيس الحشد الشعبي، وأبو فدك المحمداوي خليفة شهيد المقاومة أبو مهدي المهندس، لا تأتي إلاّ في سياق دعم الإرهاب التكفيري.
وحتى نكون أكثر دقة؛ في خضمّ تقديرات مراكز الفكر الداعية للحروب والمناهضة لإيران على غرار تلك التي خرجت من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المنظمة الضاغطة الرازخة تحت ظلّ حكام واشنطن المتقلبين، يتكشف أمرّ جليّ واحد، أنه لولا حنكة وقدرات محور المقاومة وبسالة قادته، لكان السيناريو الصهيو-أمريكي لتفكيك المنطقة وضمان الأمن المستديم لإسرائيل قد تحقق دون أي متاعب. لهذا، ومن شدّة غيظ السعودية والإمارات وحليفتهما المقرّبة اسرائيل، أمر ترامب باغتيال كل من الشهيدين سليماني وأبو مهدي المهندس.
من ناحية أخرى؛ أدى الدور الخاص الذي لعبته قوات النخبة من قبيل "الحشد الشعبي" الى تخليص الشعب العراقي من شؤم الارهاب وإرساء الأمن في البلاد، مادفع الولايات المتحدة إلى استخدام تكتيكات مختلفة على مدى السنوات الماضية، تكلّلت في محاولات التقسيم والعمليات النفسية لتشويه سمعة الحشد ومهاجمة مواقعهم العسكرية وتحريض السياسيين على ذلك، إضافة الى ابتزاز واستغلال التيارات المؤثرة داخل هذا التنظيم الشعبي واتخاذ إجراءات ضده.
في الواقع ، تعتبر امريكا "محور المقاومة وفصائله من قبيل الحشد الشعبي" أهم عقبة تقف أمام استمرار تواجدها العسكري في العراق، ناهيك عن تلك الرغبة البادية على السعودية والكيان الصهيونية والمتعطشة للقضاء على فصائل المقاومة في المنطقة عن طريق تبرير وجوب التواجد الامريكي فيها، ومن خلال زعزعة الامن والاستقرار فيها، ولهذا تراهم يحاولون إحياء التنظيمات الارهابية مجدّداً.
وبالتزامن مع وصول الديمقراطيين الى البيت الأبيض، تصاعدت تحركات داعش الارهابي بشكل ملحوظ في المنطقة لاسيما في العراق وسوريا ولاحت بوادر الفوضى وانعدام الأمن في العراق، إلى جانب هجمات شعواء لإضعاف الحشد الشعبي، بغية استكمال المشروع الغربي-العبراني-العربي لتبرير التواجد الأجنبي في العراق، وبهدف التأثير على الانتخابات المقبلة في هذا البلد.
وتجدر الإشارة إلى أنه، كما يظهر من تاريخ الديمقراطيين، فإن تعطشهم للوجود في غرب آسيا لا يقل عن تعطش الجمهوريين، بل وربما يفوقهم في ذلك.
إن التفجيرات الأخيرة في بغداد وتزايد اعتداءات الكيان الصهيوني على مواقع الجيش السوري وقوات مكافحة الإرهاب في هذا البلد، هي بالتأكيد تحركات تأتي في إطار استراتيجية موحدة بهدف إعادة إحياء الارهاب في المنطقة، ومحاولة عسيرة لتنفيذ مخططات جديدة تقوم على زعزعة الاستقرار وخلق ثغرات أمنية في الدول التي تشكل تهديدا على العدو الصهيوني، ما يستدعي في هذا المنعرج الخطر، زيادة وعي الدول والفصائل المتمركزة على الخطوط الأمامية في مكافحة الإرهاب.
نورنيوز