يبدو أن بعض تصرفات ترامب تهدف إلى إرسال رسائل واضحة، مثل منح العفو العامل السابق في الحملة الانتخابية [لترامب]، الذي أدت نشاطاته في 2016 إلى تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي، والذي أدى بدوره إلى تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر، ولأربعة متعاقدين أمنيين مدانين بارتكاب مذابح ضد المدنيين العراقيين عام 2008، بما في ذلك متعاقد يقضي عقوبة بالسجن المؤبد؛ بتهمة القتل العمد من الدرجة الأولى.
كانت إشارة رفض ترامب لتحقيق مولر في العلاقات بين حملة ترامب وروسيا واضحة للعيان. كما أن العفو الذي أصدره عن المتعاقدين وعن اثنين من ضباط حرس الحدود يتماشى أيضا مع نمط استخدام ترامب لسلطته الدستورية؛ لكبح جهود مراقبة سلوك أفراد الجيش والأمن في الخطوط الأمامية.
كما أن قائمة العفو الخاصة التي أصدرها ترامب التزمت بتقليد قديم يتبعه العديد من الرؤساء بتفضيل حلفائهم السياسيين. فكان من بين الحاصلين على أحدث عفو لترامب أول شخصين من مؤيديه في الكونغرس، النائب السابق كريس كولينز (نيويورك)،أدين بتهم تتعلق بالتداول من الداخل، والنائب السابق دنكان هانتر (كاليفورنيا)، الذي أقر بارتكاب انتهاكات لتمويل الحملات الانتخابية.
كما خفف ترامب الحكم الصادر بحق النائب السابق ستيف ستوكمان (جمهوري من تكساس)، الذي أدين عام 2018 بعدة تهم احتيال وغسيل أموال. وكان ستوكمان قد قضى عامين من عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات.
ولم تشمل قائمة يوم الثلاثاء سوى عدد متواضع من قرارات العفو والتخفيف للمدانين الذين تمت متابعة قضاياهم من قبل دعاة إصلاح العدالة الجنائية البارزين. بينما أصدر سلف ترامب، الرئيس باراك أوباما، المزيد في تلك الأنواع من القضايا، وسعى بنشاط للحصول على مثل طلبات العفو تلك.
وأعرب بعض المنادين بالمزيد من استخدام العفو الرئاسي وصلاحيات التخفيف عن خيبة أملهم؛ لأن قائمة يوم الثلاثاء لم تتضمن مجموعة من المتقدمين للعفو من خلال مكتب وزارة العدل الذي يقدم مثل هذه الطلبات.
قالت مارغريت لوف، التي عملت كمحامية عفو في عهد الرئيسين جورج بوش الابن وبيل كلينتون: "يبدو أن الرئيس يعتمد كثيرا على توصيات أعضاء الكونغرس والأشخاص الذين يعرفهم شخصيا، وليس على آلية العفو لوزارة العدل التي خدمت الرؤساء جيدا لمدة 150 عاما".
وقالت لوف إنها تأمل في ظهور المزيد من العفو لمن ليس لديهم علاقات رفيعة المستوى من الآن وحتى أداء الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين في 20 كانون الثاني/ يناير.
وقالت: "إنني متفائلة بأنه سيكون هناك المزيد من المنح قريبا، وأنها ستشمل الأشخاص العاديين الذين تقدموا بحسب الترتيبات النظامية من خلال الآلية المعمول بها وانتظروا بصبر، أحيانا لسنوات".
وجاء قرار ترامب بالعفو عن جورج بابادوبولوس، الذي دفعت تفاعلاته في أوائل عام 2016 مع أستاذ مرتبط بروسيا بمكتب التحقيقات الفيدرالي إلى إطلاق تحقيق استخباراتي مضاد في حملة ترامب، في أعقاب تقلبات عديدة في التحقيقات مع بابادوبولوس.
فقد تعاون بابادوبولوس في البداية مع المحققين، وألمح إلى أنه سيلعب دور المخبر. أقر بأنه مذنب في عام 2017 في إدلاء كاذب، وانتهى به الأمر بقضاء 12 يوما في السجن.
واختلف، في وقت لاحق، علنا مع المحققين، زاعما أنه كان هدفا لعملية مناهضة لترامب. وكتب كتابا بعنوان "Deep State Target" وهو ما حوله إلى أكبر محبوب لترامب في العالم.
وقال بابادوبولوس في رسالة موجزة إلى بوليتيكو ردا على سؤال حول العفو عنه: "كلانا سعيد للغاية!"، في إشارة إليه وإلى زوجته سيمونا مانجيانتي بابادوبولوس، التي لعبت أيضا دورا مختصرا في تحقيق مولر.
كان ترامب قد رفض بابادوبولوس ابتداء، واعتبره "متطوعا منخفض المستوى.. أثبت أنه كاذب". لكن تحول بابادوبولوس إلى مساعد لترامب غيّر حظوظه. كما أصدر ترامب عفوا عن لاعب صغير في تحقيق مولر، وهو أليكس فان دير زوان، الذي أصبحت تفاعلاته مع مستشاري ترامب بول مانافورت وريك غيتس محل اهتمام المحققين.
أقر فان دير زوان، محامي مع شركة سكادين آربس، بالذنب في عام 2018، في تهمة الإدلاء ببيان كاذب. واعترف بأنه كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي ومحامي مكتب مولر أثناء استجوابه بشأن تورطه في تقرير أعدته الشركة في عام 2012 بناء على طلب من الحكومة الأوكرانية. وقضى فان دير زوان حكما بالسجن 30 يوما في 2018 قبل مغادرته البلاد.
يأتي العفو بعد أقل من أسبوعين من عفو ترامب عن شخصية مركزية أخرى في التحقيق الروسي ، مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين.
ويكافئ عفو ترامب عن إجناسيو راموس وخوسيه كومبيان اثنين من ضباط الدوريات الحدودية السابقين، الذين أدينوا بجرائم الاعتداء والأسلحة النارية ضد مهرب مخدرات ليس معه وثيقة كان يفر عائدا عبر الحدود الجنوبية. وبدلا من الإبلاغ عن إطلاق النار، اتخذوا خطوات للتستر على الحادث، وفشلوا في تقديم التقارير المطلوبة، ما أدى إلى إدانتهما بتهمة التلاعب بالأدلة أيضا. وأصبح الرجلان، اللذان خفف الرئيس جورج بوش الابن عقوبتهما في عام 2009، محل اهتمام المعارضين للهجرة مثل لو دوبس مقدم برامج فوكس نيوز، الذي كان له تأثير كبير في فلك ترامب.
وقد تؤدي مجموعة من قرارات العفو التي أصدرها ترامب يوم الثلاثاء إلى تداعيات كبيرة في الخارج. فقام ترامب فعليا بإلغاء إدانات أربعة متعاقدين مع شركة الأمن السابقة بلاك ووتر العالمية، متورطين في مذبحة ساحة النسور ببغداد التي خلفت 17 قتيلا عراقيا و 20 جريحا.
كان نيكولاس سلاتن، أحد المقاولين السابقين في شركة بلاك ووتر، الذي منح عفوا كاملا من ترامب يوم الثلاثاء، يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة؛ بتهمة القتل العمد من الدرجة الأولى. ويقضي الثلاثة الآخرون، وهم داستن هيرد وإيفان ليبرتي وبول سلاو، أحكاما تتراوح بين 12 و15 عاما في السجن؛ بتهمة القتل الخطأ.
أدى الغضب العراقي من المجزرة والإفلات من العقاب للمقاولين الأمنيين إلى محاولة البلاد حظر المتعاقدين العسكريين المسلحين كليا، والمطالبة بإعادة الرجال الأربعة وزميل لهم -المعروفين باسم خماسي بلاك ووتر- إلى العراق لمحاكمتهم .
توسط الرئيس جورج بوش الابن في النهاية في صفقة وعدت بمحاكمة المتعاقدين في أمريكا، وسمحت للمقاولين الأمنيين بمواصلة العمل في العراق.
بعد تعثر قانوني مبكر أدى إلى رفض لائحة الاتهام الأولى في القضية، زار نائب الرئيس بايدن العراق في عام 2010، وأعرب عن "أسفه الشخصي" لعمليات القتل، ووعد بالاستئناف. أعيدت القضية في نهاية المطاف، لكنها كانت مشادة قانونية معقدة.
كان بإمكان ترامب ببساطة تخفيف الأحكام الصادرة على الرجال الأربعة، لكنه منحهم عفوا كاملا، ما يعني أنه يعتبر إدانتهم غير عادلة.
تعاون أحد مقاولي بلاك ووتر، جيريمي ريجواي، مع المدعين، وأدلى بشهادته ضد زملائه في المحاكمة. حُكم عليه بالسجن لمدة عام ويوم واحد، وأفرج عنه في عام 2016، ولا تزال إدانته بجرائم القتل العمد ومحاولة القتل غير العمد سارية، على الرغم من أن إدانات الرجال الذين شهد ضدهم قد تم إلغاؤها عمليا.
نورنيوز/وكالات