وكان بايدن وقبل شهر من الانتخابات الرئاسية قد وعد بمحاسبة قتلة صحافي “واشنطن بوست”الذي استدرج قبل عامين إلى القنصلية السعودية في اسطنبول حيث قتل وقطعت جثته على يد عملاء سعوديين. وكانت الهدف من الجريمة الشنيعة هو إسكات ناقد بارز لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولكن النتيجة كانت تحويل كل واشنطن لمدافعين عن دعوات خاشقجي للإصلاح وإلى ضبط جديد للعلاقة الأمريكية السعودية، وبمن فيهم الرئيس القادم.
وقال المرشح بايدن: “يستحق خاشقجي والأعزاء عليه تحقيق المحاسبة” من قتلته. و”في ظل بايدن- هاريس فإننا سنعيد تقييم العلاقة مع المملكة ووقف دعم الولايات المتحدة للحرب السعودية في اليمن والتأكد من عدم تخلي الولايات المتحدة عن قيمها لبيع السلاح وشراء النفط”.
وقضت الولايات المتحدة العامين الماضيين وهي تحاول إخفاء ما تعرفه عن مرتكبي الجريمة. وأصدر الرئيس دونالد ترامب بيانا في 2018 قال فيه إن محمد بن سلمان ربما كان متورطا مباشرة بالقتل ولكنه، أي ترامب لا يهتم ولا يريد إرباك صفقات السلاح أو النفط. وفي 2019 مرر الكونغرس قانونا يطلب من مكتب مدير وكالة الأمن القومي تقديم وثائق صريحة تحتوي على أسماء أفراد تعتقد المخابرات الأمريكية أنهم على علاقة بالجريمة، لكن المكتب قدم للنواب في الكونغرس وثائق سرية أخفت المعلومات عن الرأي العام.
وبعد أسابيع من تنصيب بايدن، فستكون وعوده بإنهاء التستر محلا للامتحان وفي أكثر من ميدان. والفضل في هذا يعود إلى إصرار المشرعين والمحامين المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل لم يوقف الرغبة للضغط على الحكومة الأمريكية حتى تكشف ما تعرفه عن جريمة قتل خاشقجي. ولو أوفي بوعده فإن بايدن سيقدم الحقائق الضرورية ويكشفها للعلن. وستكون الفرصة الأولى للإدارة أثناء جلسة المصادقة على أفريل هينز، التي وعدت عندما اختارها بايدن لتولي منصب مدير الإستخبارات الوطنية “بقول الحقيقة أمام السلطة”.
ونقل الكاتب عن عضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ رون هايدن، السناتور الديقراطي عن أوريغان إنه يخطط لتوجيه سؤال لهينز، وإن كانت ستطبق القانون وتكشف عن تقرير غير سري يوضح المسؤول عن جريمة قتل خاشقجي. وقال هايدن: “دفن دونالد ترامب الحقيقة من أجل حماية السعودية المجرمة والديكتاتورية” و”فترة حكم بايدن ستكون فرصة للابتعاد عن إدارة ترامب الآبقة والمتسترة”.
وفي شهر شباط/ فبراير سيطلب من محامي الحكومة الأمريكية تقديم مناقشة قانونية في قضيتين منفصلتين وتتعلقان بمقتل خاشقجي وقدمتهما مبادرة عدالة المجتمع المفتوح وبناء على قانون حرية المعلومات. ورفض محامو الحكومة الأمريكية حتى هذا الوقت الكشف عن الوثائق الضرورية أو حتى الاعتراف بوجودها، بذريعة الأمن القومي. إلا أن بايدن وهينز قد يعيدان تقييم هذه المواقف وإنهاء التصلب الذي تمسكت به إدارة ترامب. وتطلب الدعوى القانونية الأولى من “سي آي إيه” الكشف عن تقييمها للجريمة والذي تحدث بدرجة عالية من الثقة حول تورط محمد بن سلمان بالجريمة، بالإضافة لتسجيل صوتي قدمته تركيا على ما يعتقد للإدارة الأمريكية.
وقال ترامب “لدينا الشريط” ولكنه زعم أنه لم يستمع إليه. أما الطلب الثاني فهو لمكتب مدير المخابرات الوطنية، بإصدار تقرير غير سري وهو ما طلبه هايدن.
وقدمت مبادرة “عدالة المجتمع المفتوح” دعوى ضد وزاتيْ الخارجية والدفاع في محاولة لإجبارهما على الكشف عن معلومات قد تظهر ما تعرفه الولايات المتحدة وطريقة تعامل الإدارة مع الجريمة في ذلك الوقت. وتقوم هاتان الوزارتان ببطء بتقديم سلسلة من الوثائق التي ظللت فيها المعلومات المهمة وغير المتعلقة.
وحسب محامي الدعوى أمريت سينغ، الذي يمثل مبادرة عدالة المجتمع المفتوح: “يمكن لبايدن وإدارته إظهار التزامهما بالقيم الديمقراطية من خلال الإفراج عن تقارير مكتب مدير وكالة الأمن الوطني وسي آي إيه وكذا السجلات الأخرى الرئيسية التي حجبت عن الرأي العام بناء على هذا التقاضي”. و”سيكون هذا خطوة ضرورية للتأكد من المحاسبة في هذه الجريمة والتستر الذي مارسته إدارة ترامب”.
ويعترف الكاتب أن العلاقات الأمريكية- السعودية معقدة. ويحتاج فريق الإدارة المقبل لمراجعة حذرة والتعامل مع مصالح عدة متنافسة، كما تفعل كل ادارة جديدة. وعادة ما تكون وعود الانتخابات سهلة لكن الحكم صعب، وتأخير العدالة يعني الحرمان منها. وسيجبر بايدن وسريعا على الاختيار بين الوفاء بوعده والوقوف مع القيم الأمريكية، أو تأكيد التستر الذي منح حصانة زائدة لمحمد بن سلمان والمتواطئين معه.
ولو تحقق الوعد فسيكون الخيار الصحيح ورسالة لكل الطغاة ومن يطمح أن يكون طاغية، وهي أن البطاقة المجانية التي منحها لهم ترامب قد انتهت صلاحيتها.
نورنيوز/وكالات