تمسّك ماكرون بالصحيفة المسيئة للنبي محمد (ص) تسبب بموجة من الانتقادات من قبل سلطات وشعوب الدول الاسلامية وأجّجت مشاعر الغضب في صفوف المسلمين في جميع أنحاء العالم، إذ سارعت الدول الاسلامية لانتقاد الرئيس الفرنسي ودعته للتراجع عن موقفه بشأن السماح للصحيفة الفرنسية بالاساءة للرسول محمد (ص).
والأربعاء، قال ماكرون، في تصريحات صحفية، إن فرنسا لن تتخلى عن "الرسوم الكاريكاتورية" (المسيئة للإسلام والنبي محمد)، ما أشعل موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي.
وأضاف "نحترم كل أوجه الاختلاف بروح السلام. لا نقبل أبدًا خطاب الحقد، وندافع عن النقاش العقلاني. سنقف دومًا إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية".
وقبيل ذلك، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا قالت فيه إن الأيام القليلة الماضية شهدت دعوات في العديد من دول الشرق الأوسط لمقاطعة المنتجات الفرنسية، لا سيما المنتجات الغذائية، فضلا عن دعوات للتظاهر ضد فرنسا بسبب نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
ودعت حكومات الدول المعنية إلى "وقف" الدعوات لمقاطعة السلع الفرنسية والتظاهر، معتبرة أنها تصدر من "أقلية راديكالية".
وقالت الخارجية الفرنسية في بيانها إن "الدعوات إلى المقاطعة عبثية، ويجب أن تتوقف فورا، وكذلك كل الهجمات التي تتعرض لها بلادنا والتي تقف وراءها أقلية راديكالية".
وانتقد نشطاء ومغردون على مواقع التواصل الاجتماعي، بيان الخارجية الفرنسية الذي طالب دول الشرق الأوسط بوقف مقاطعة المنتجات، واصفا المقاطعة بأنها دعم للتطرف الذي تحاربه فرنسا.
وردا على تصريحات ماكرون، قال رئيس وزراء باكستان عمران خان اليوم الأحد إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "هاجم الإسلام" عندما شجع على عرض الرسوم التي تسخر من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وجاءت تصريحات خان بعد أيام من إشادة ماكرون بالفرنسي مدرس التاريخ، الذي قطع شاب شيشاني رأسه ردا على قيامه بعرض الرسوم التي تسخر من النبي الكريم في فصل دراسي خلال درس عن حرية التعبير.
ولاحقا عُرضت الرسوم يوم الجمعة على أبنية حكومية في فرنسا، مما أثار ضجة في العالم العربي والإسلامي.
وقال خان على تويتر "المؤسف أن الرئيس ماكرون اختار أن يتعمد استفزاز المسلمين، ومنهم مواطنوه (المسلمون)، من خلال تشجيع عرض الرسوم المسيئة التي تستهدف الإسلام ونبينا عليه الصلاة والسلام".
وقال خان إنه كان بإمكان ماكرون التصرف بحكمة لحرمان المتطرفين من أي ذرائع، لكنه بدل ذلك "اختار تشجيع رهاب الإسلام من خلال مهاجمة الإسلام وليس الإرهابيين الذين يرتكبون العنف أيا كانوا: مسلمين أو من دعاة تفوق البيض أو دعاة الفكر النازي".
وتأتي تصريحات خان بعد انتقاد مماثل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لماكرون استدعت بعده فرنسا سفيرها في أنقرة.
وفي السياق ذاته، قالت الحكومة الباكستانية اليوم الأحد إن رئيس الوزراء كتب رسالة إلى الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ يطلب فيها حظر أي محتوى ينطوي على التخويف من الإسلام على موقع التواصل الاجتماعي.
وقال خان في الرسالة -التي نشرتها أيضا الحكومة على تويتر- إن "تزايد رُهاب الإسلام" يشجع التطرف والعنف "في أنحاء العالم"، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك.
وكتب خان "أطلب منك فرض حظر مماثل على رُهاب الإسلام وكراهيته على فيسبوك مثلما فرضته من أجل المحرقة".
من جهته دان المغرب -الأحد- "الإمعان" في نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام وللرسول، و"التي تعكس غياب النضج لدى مقترفيها".
ولفت بيان لوزارة الخارجية إلى أن "المغرب يدين بشدة الإمعان في نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام وللرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام".
وأعربت المملكة عن "استنكارها لهذه الأفعال التي تعكس غياب النضج لدى مقترفيها".
وأكد البيان أن "حرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين ومعتقداتهم"، وتابع "لا يمكن لحرية التعبير -لأي سبب من الأسباب- أن تبرر الاستفزاز والتهجم المسيء للديانة الإسلامية التي يدين بها أكثر من ملياري شخص في العالم".
واكتسبت دعوات مقاطعة البضائع الفرنسية زخما في الدول الإسلامية؛ حيث انتشرت دعوات المقاطعة والوسوم المدافعة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بشكل كبير للغاية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي مصر، سخر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي من ماكرون، وتم تداول قائمة بالعلامات التجارية الفرنسية، ودعا المدونون إلى مقاطعتها.
وفي الكويت، أعلن اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية بالكويت مقاطعة المنتجات الفرنسية.
وقال رئيس الاتحاد فهد الكشتي لرويترز: إن الاتحاد طلب من كافة الجمعيات التعاونية بالكويت مقاطعة المنتجات الفرنسية في هذه الجمعيات "انتصارا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم".
وأضاف "تم رفع جميع المنتجات الفرنسية من جميع الجمعيات"، وخلت أرفف جمعيات تعاونية زارتها رويترز مساء السبت وصباح اليوم الأحد من المنتجات الفرنسية، وتم تعليق لافتات مكتوب عليها "مقاطعة المنتجات الفرنسية" أو "إلا رسول الله. بناء على دعم الرسوم المسيئة لنبينا الحبيب محمد.. قررنا رفع جميع المنتجات الفرنسية من السوق والأفرع حتى إشعار آخر؛ وذلك نصرة لنبينا محمد".
ويوجد في الكويت 75 جمعية تعاونية على الأقل، لها مئات الأفرع في مختلف مناطق البلاد، وتشكل المنفذ الرئيسي لبيع المواد الاستهلاكية اليومية، لا سيما الغذائية منها.
وفي قطر، قرر عدد من الشركات التجارية وخدمات البيع الإلكتروني إيقاف بيع وتسويق المنتجات الفرنسية، وعملت على حذفها من مواقعها الإلكترونية، استجابة لحملة المقاطعات العربية للبضائع والمنتجات الفرنسية.
وفي وقت سابق، أعلنت شركة الميرة القطرية، وهي إحدى أهم شركات بيع التجزئة في قطر، سحب المنتجات الفرنسية من جميع فروعها حتى إشعار آخر.
وغردت شركة ألبان الوجبة عبر تغريدة على حسابها الرسمي على تويتر "من مبدأ الرفض والاستنكار لما يُنشر من إساءة لنبينا الكريم ودفاعا عنه؛ فإننا نعلن انضمامنا لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، كما نتعهد بتوفير منتجات مماثلة وبديلة لمنتجات الألبان خلال فترة قصيرة".
وأكد عدد من حسابات شركات التوصيل إيقاف عمليات التوصيل للمنتجات الفرنسية.
وأعلنت جامعة قطر تأجيل فعالية الأسبوع الثقافي الفرنسي لأجل غير مسمى، وذلك بسبب المستجدات والأحداث الأخيرة والمتعلقة بالإساءة للإسلام والنبي محمد"، في حين أعرب المجلس التمثيلي الطلابي عن استيائه البالغ لاستمرارية نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي ثاني موقف رسمي للأردن، بعد وزارة الخارجية، اعتبر وزير الأوقاف محمد الخلايلة، أن الإساءة للنبي محمد وللأنبياء جميعا "ليست حرية شخصية وإنما جريمة تشجع على العنف".
وأضاف الخلايلة في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الأردنية الرسمية "بترا"، أن "هذه الإساءة غير المقبولة، تولد العنف وخطاب الكراهية (..) وهي اعتداء صارخ وجريمة بحق الأديان والمعتقدات والإنسانية جمعاء".
من جانبه، غرد مدير عام الوكالة، فايق حجازين، قائلا: "نمتلك مساحة كبيرة من الحرية والحوار والنقاش والاختلاف (..) لكن لا نمتلك أي مساحة من الإساءة للغير، خصوصا عندما يتعلق الموضوع بالرموز الدينية التي تخص المُعتقد".
وفي قطاع غزة، دعا رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، ماكرون إلى "التوقف عن سياسة الإساءة للإسلام والتحريض عليه".
كما طالبه في بيان، بـ"وقف التعرض للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم المساس بمشاعر المسلمين على مستوى العالم".
بدوره، قال القيادي بالحركة، موسى أبو مرزوق، في تغريدة، "الغرور الذي يمارسه ماكرون بتأييده الإساءة للرسول محمد ومهاجمة الإسلام، باسم حرية التعبير والدفاع عن العلمانية، يدل على ضعف وشعور بالهزيمة باستنهاض أحقاد دفينة".
وفي لبنان، استنكر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى (رسمي)، الإساءة الفرنسية للإسلام ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام.
وذكر بيان صادر عن رئيس المجلس، الشيخ عبد الأمير قبلان، أن "التعنت الفرنسي الرسمي بنشر رسوم مسيئة للنبي محمد، في موقف غير مسؤول يفتقر الى الحكمة ويغذي العنصرية وينافي كل التعاليم الدينية".
وأضاف البيان، أن هذه الإساءة "عدوان موصوف لا يقبله عقل ولا دين، فضلا عن معارضته حرية الرأي والتعبير التي تقف عند احترام حرية معتقدات الآخرين وتقديس رموزهم".
وفي الجزائر، دعا المرشح الرئاسي السابق، رئيس حركة البناء الوطني (إسلامية)، عبد القادر بن قرينة، السياسيين في فرنسا إلى "كبح تهور ماكرون وحكومته بشن حملات ضد الإسلام والمسلمين لتغطية الفشل الداخلي".
وحذر بن قرينة في بيان، من "أي مساس بمقدسات الأمة الإسلامية وما ينجر عنه من انعكاسات على مصالح فرنسا في ساحات الأمة الإسلامية، الاقتصادية والثقافية".
وفي اليمن، طالبت جماعة "الحوثي"، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا وطرد سفرائها من البلدان الإسلامية.
ودعا رئيس ما تعرف بـ"اللجنة الثورية العليا" للحوثيين، محمد علي الحوثي، في تغريدة، إلى اجتماع إسلامي، لإيصال موقف الرفض للأفعال المسيئة التي ترتكب (من قبل فرنسا) بتوجيهات رسمية".
وشهدت فرنسا خلال الأيام الماضية، نشر صور ورسوم مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، على واجهات بعض المباني.
وإضافة إلى الرسوم المسيئة، تشهد فرنسا، مؤخرا، جدلا حول تصريحات قسم كبير من السياسيين تستهدف الإسلام والمسلمين، عقب حادثة قتل مدرس في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، على يد مواطن فرنسي غضب من قيام الأخير بعرض رسومات كاريكاتورية "مسيئة" للنبي محمد على طلابه، بدعوى حرية التعبير.
واستنكرت العديد من الهيئات الإسلامية حادثة قتل المدرس، لكنها شددت على أن ذلك لا يمكن أن ينفصل عن إدانة تصرفه المتعلق بعرض الرسوم "المسيئة" للنبي.
نورنيوز/وكالات