نورنيوز- تغيير التركيبة السكانية لفلسطين كان الاستراتيجية الرئيسية للكيان الصهيوني خلال سبعة عقود من احتلال الأراضي المقدسة، لأن جيل اليهود بالنسبة لهم يضمن استمرارية الاستيطان وتطوير النظام والركيزة الأساسية لرؤية الكيان الأمنية.
ولمواجهة "كعب أخيل" الوجود الصهيوني هذا، وضع الاسرائيليون على جدول أعمالهم استراتيجية لتشجيع هجرة اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين المحتلة.
تشير الإحصائيات إلى أن النمو السكاني المسلم في الأراضي المحتلة عام 1948 هو الأعلى في العالم وحتى بين الدول العربية المجاورة للكيان الصهيوني.
يعتقد علماء الديموغرافيا أنه على الرغم من أن اليهود يشكلون 74 في المائة من سكان فلسطين المحتلة البالغ عددهم 9 ملايين نسمة، بالنظر إلى تزايد عدد السكان المسلمين في الأراضي المحتلة، فإن التركيبة السكانية ستتغير قريبا، وسيرتفع تعداد أصحاب هذه الأرض الأصليين 20.9 في المائة في فلسطين بسرعة، ولن تنجح الجهود الصهيونية لتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين.
لمواجهة هذا التنامي الهائل للسكان المسلمين في فلسطين، وضع الصهاينة خطّة تطوير المستوطنات الصهيونية نصب أعينهم، حيث يعتقدون ذلك من خلال مصادرة الموارد المائية وتقليل المنتجات الزراعية وتدمير الصناعات المحلية الفلسطينية كمصدر للدخل لآلاف العائلات الفلسطينية، ومن خلال تحجيم مكونات استمرار بقاء الفلسطينيين في وطنهم كانوا يعتزمون تهجير الفلسطينيين وإرغامهم على مغادرة أراضيهم طواعية، إلاّ أن هذا المخطط باء بالفشل.
لكن هذا ليس التحدي الديموغرافي الوحيد للصهاينة، لأنه في ظل انتشار ثقافة المقاومة بين الشباب الفلسطيني وتباطؤ النمو الاقتصادي للكيان الصهيوني، فقد المهاجرون اليهود دافع البقاء في أرض الميعاد لأسباب اقتصادية وأمنية. من ناحية أخرى، تضاءلت عوامل الجذب لوصول المهاجرين الجدد إلى فلسطين المحتلة.
وبحسب دراسة لمركز هرتسليا بعنوان "السلطة الوطنية"، فإن النمو السكاني السلبي للكيان الصهيوني يشكل تهديدا خطيرا لطبيعة وهوية هذا النظام الوهمي، وقد تسارعت وتيرة هذا التهديد، حتى أن السياسات العامة المتبعة حتى الآن كانت غير فعالة في التعامل مع هذا التهديد.
وتشير بعض الإحصائيات إلى أنه مقابل وصول المهاجرين اليهود إلى الأراضي التي يحتلها الصهاينة، يعود يهودي واحد إلى مسقط رأسه، ووفقًا لتقديرات الحكومة، ويصل معدل الهجرة اليهودية العكسية إلى 50٪ من معدل الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
ناهيك عن ماسبق، هذه ليست كل التحديات التي يواجهها الصهاينة في قضية الأزمة السكانية لأن وجهات نظرهم المختلفة حول المواطنين اليهود وغير اليهود وحتى التمييز العنصري بين المهاجرين اليهود هو تحدٍ آخر لهذا الكيان،إذ تتفشّى العنصرية كالمرض في اسرائيل منذ نشأتها المشؤومة، وانقشع الغبار اليوم عن هذه المعضلة لتكشف مدى وهن البيت الصهيوني.
تتجلى ذروة الفصل العنصري في الاحتلال في القانون المهم "للحرية والكرامة الإنسانية"، والذي بموجبه يعتبر الكيان الصهيوني دولة يهودية، وهو قانون غير متكافئ بحق الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.
وفقًا لتقرير حقوق الإنسان السنوي لوزارة الخارجية، هناك مجموعة من التمييز الاجتماعي والقانوني ضد المسيحيين والمسلمين وغيرهم من المواطنين الإسرائيليين التي لا تمنح العرب حقوقًا متساوية مع اليهود في التعليم والإسكان والتوظيف والخدمات الاجتماعية.
ورُصد ذات الرأي بشأن التمييز بين المهاجرين اليهود، بحيث توجد اختلافات كبيرة بين المجموعات العرقية المختلفة "الأشكنازي" ، "السفاردي" ، "المزراحي" ، "الفلاشيه" وغيرها في أبعاد اجتماعية مختلفة وفرص سياسية وإدارية.
التمييز الحاد بين مجموعات المهاجرين المختلفة تصل إلى حد أن المناصب الحكومية الحساسة تصل عادة إلى الأشكناز ، الذين انتخب منهم ثمانية رؤساء للكيان الصهيوني حتى الآن. ولكن في غضون ذلك، فإن الوضع أصعب بكثير بالنسبة للأمريكيين الأفارقة ذوي البشرة الملونة المعروفين باسم الفلاش، إذ رفضتهم البنية السياسية أساسًا باعتبارهم يهودا غير أنقياء.
بلغ الفصل العنصري المخيّم على المجتمع الصهيوني مرحلة تشهد فيها مدن مختلفة في فلسطين المحتلة، من وقت لآخر، احتجاجات المهاجرين اليهود ضد هذا التمييز، علاوة على تظاهرات واسعة عمّت الشوارع في الأشهر الأخيرة رفضاً للأوضاع المعيشية المتردية وعدم كفاءة الحكومة.
الحقيقة هي أنه على الرغم من أن المجتمع الذي يضم حوالي سبعة ملايين يهودي إسرائيلي يتجمع كوحدة "يهودية" بغض النظر عن العرق، إلا أنه ثقافيًا هو المجتمع الأكثر تغايرا وانقساما في العالم.
يتألف هذا المجتمع الجديد من مهاجرين من حوالي 100 دولة حول العالم من ثقافات مختلفة، وهو مصدر العديد من المشاكل الاجتماعية والسياسية والتحديات التي واجهها الكيان الصهيوني على مدى العقود السبعة الماضية، أزمات حاول الاحتلال الالتفاف عليها من خلال اللجوء إلى أساليب مختلفة، بما في ذلك صب اهتمام السكان على عدو الأجنبي، وقد نجح الى حدّ ما في منع تعاظم هذه الشروخ، إلا أنها سرعان ما ستتضخم وتبتلع المحلين الصهاينة من الداخل الفلسطيني.
نورنيوز