رأى خبراء أمريكيون أن احتجاجات الولايات المتحدة إثر مقتل مواطن من أصل أفريقي نتيجة عنف الشرطة، هي عبارة عن انتفاضة ضد الرئيس دونالد ترامب، وسياساته المحرضة على ممارسة العنف.
وحمل خبراء الأوضاع المتدهورة في البلاد إلى شخصية ترامب التي لا تراعي المؤسسات والقيم والأيديولوجيات، وتضع البلاد في أزمة سياسية مدمرة. بحسب وصفهم.
كما اعتبر هؤلاء أن الهيكل التنظيمي لمؤسسة الشرطة الأمريكية منذ تأسيسها أواخر القرن الثامن عشر، وممارساتها عقب الحرب الأهلية في ستينيات القرن الماضي، جزء من المشكلة العنصرية القديمة المتجددة ضد السود.
وقال أستاذ قسم الإدارة العامة بجامعة هارفارد تيموثي مكارثي، إن المجتمع الأمريكي يواجه حاليًا أزمات متعددة.
وأضاف مكارثي: مقتل المواطن الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد، على يد الشرطة، كان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير والشرارة التي أشعلت الاحتجاجات.
وذكر أن تفشي الوباء خلق حالة من الرعب في صفوف الأمريكيين السود وسلط الضوء على المشاكل التي يعاني منها المجتمع.
ولفت إلى أن تذبذب موقف ترامب من مقتل فلويد والشخصية النرجسية التي يتسم بها، وتردده في إظهار التعاطف مع المواطن الأمريكي من أصل أفريقي، أجج حالة الاحتقان.
ووصف الأستاذ الجامعي إدارة ترامب بأنها نظام "يضع البلاد في أزمة سياسية مدمّرة"، مشيرًا إلى أن تفشي كورونا والتمييز الذي يعاني منه السود عمق الأزمات السياسية التي تعاني منها الولايات المتحدة.
وأكد مكارثي أن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد مرحلة تطفو فيها الأزمات الجديدة والقديمة على السطح، لاسيما وأن التمييز ضد السود يعد أبرز "المشكلات القديمة" التي يعاني منها المجتمع.
وذكر أن النزعة العنصرية والعنف في أقسام الشرطة بالولايات المتحدة كانت موجودة بالفعل منذ قيام الدولة.
واستدرك قائلا: إنشاء قوات الأمن الداخلي (الشرطة) في البلاد أواخر القرن الثامن عشر، تزامن مع إلغاء الرق في المقاطعات الشمالية واستمراره في المقاطعات الجنوبية.
ولفت إلى أن الشرطة في تلك الفترة كانت تلقي القبض على العبيد الذين فروا من الجنوب إلى المحافظات الشمالية، وأن الهيكل التنظيمي للشرطة في الولايات المتحدة لا يزال ينتمي لتلك الحقبة.
وذكّر مكارثي أن تطبيق القانون في الولايات المتحدة، منذ الحرب الأهلية الأمريكية في ستينيات القرن التاسع عشر وحتى حركات الحقوق المدنية في الستينيات، جرى استخدامه بطرق مختلفة، للضغط على المواطنين السود.
وقال: في الولايات المتحدة، لا يوجد يوم واحد لا يرتكب فيه تمييز ضد المواطنين من أصل أفريقي، وذلك من قبل الشرطة والمؤسسات الحكومية والقضائية.
أستاذ الفلسفة بجامعة نورث كارولينا، ستيفن فيرجسون، وافق مكارثي قائلا: إن عنف الشرطة ناتج بشكل رئيسي عن هيكلية هذه المؤسسة الأمريكية.
وأشار فيرجسون لـ"الأناضول"، "أن نقابات الشرطة وغيرها من المنظمات والجماعات المؤيدة للتسلح، لم تسمح بإجراء تغيير جذري من شأنه وضع حد لعنف الشرطة".
ولفت إلى أن "98 بالمئة من رجال الشرطة المتورطين في هجمات مسلحة في البلاد لم يعاقبوا، وأن المشكلة لا تتعلق فقط بسلوك عناصر الشرطة، بل في الهيكل التنظيمي لهذه المؤسسة".
وذكر مكارثي أن بعض البيض يضطلعون بدور فعال أيضًا في مكافحة التمييز.
وشدد على إمكانية تغيير هذا الواقع السيء في الولايات المتحدة من خلال تكاتف عدد كاف من المواطنين، وأن حركات اليوم تختلف تمامًا عن الحقوق المدنية وحركات الحرية في الماضي.
وقال إن مشاركة جميع تفاصيل الأحداث والمظاهرات الاحتجاجية عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي ساهم في إيصال مطالب المواطنين في التغيير.
ونوه مكارثي إلى أن العالم كان يراقب فلويد وهو يقتل ويعذب لمدة 9 دقائق من خلال صورة جرى التقطاها عبر هاتف محمول.
وأكد أنه شاهد الصورة 20 مرة على الأقل وأن تلك الصورة أحدثت فرقًا كبيرًا في إيصال حقيقة ما جرى، وأنه من الضروري العمل بجد لتحويل الاحتجاجات إلى حركة لمكافحة التمييز.
وعلق على استمرار الاحتجاجات قائلاً: هذه صرخة ألم تعبر عن خوف وقلق وصدمة المواطنين الأمريكيين وتطالب الدولة بفعل شيء.
كما انتقد مكارثي طريقة ترامب في التعامل مع الأحداث، واصفًا بأنه "واحدٌ من أسوأ الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة".
واتهم مكارثي ترامب بأنه شخصية تدمر المؤسسات والقيم والأيديولوجيات وحتى العواطف.
وأضاف: ترامب "نقيض" لجميع القيم العالمية مثل الحرية وحرية التعبير والمساواة وحقوق الإنسان.
وأكد على أن عقلية ترامب شجعت العنصريين البيض في الولايات المتحدة.
وقال: نحن الآن في حالة حرب بين ملائكة أمتنا وشياطينها، فالانتفاضة التي يشهدها الشارع الأمريكي هي ضد الرئيس دونالد ترامب في المقام الأول.
** خطوة نحو التغيير
من جهته أعاد "فيرجسون" التأكيد على أن الاحتجاجات المستمرة منذ عشرة أيام في الولايات المتحدة قد تكون خطوة نحو التغيير.
واستدرك قائلا إنه من الصعب حدوث تغيير خلال فترة إدارة ترامب، بسبب سياسات الأخير "الفوضوية" والافتقار للإرادة السياسية.
وأضاف: ترامب لا يستخدم المتحدثين الرئاسيين للتخلص من الأزمات التقليدية، كما لا يمتلك سياسة إصلاح واضحة.
وختم قائلا: بالنظر إلى ما رأيناه في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، نستطيع القول إن سياسات ترامب لم تكن مفاجئة بالنسبة لنا.
نورنيوز-الأناضول