نورنيوز- منذ حوالي ثلاثة أسابيع، أفادت بعض وسائل الإعلام الأفغانية بأن "حرس الحدود الإيراني ضبط حوالي 50 مواطناً أفغانياً خلال عبورهم الحدود ثم ألقوا بهم في نهر هريرود، وزعمت أن بعضهم غرق" وأُنقذ البقية.
وعقب تداول هذه الأنباء، دعا مسؤولون حكوميون أفغان سلطات الجمهورية الإسلامية الايرانية إلى متابعة هذه القضية والتحقيق فيها، كما أعلن وزير الخارجية الأفغاني محمد حنيف أتمر على صفحته على فيسبوك، عن تشكيل لجنة تحقيق خاصة بالحادثة لكشف حقيقة ماجرى.
وتعقيباً على موقف الحكومة الأفغانية، أعربت وزارة الخارجية الايرانية وحرس الحدود الايراني عن تعازيهما بالضحايا الأفغان، وفنّدا حصول أي اشتباك مع هؤلاء المهاجرين وحدّدوا بوثائق واضحة موقع هذا الحادث المأساوي، حيث أنه لم يقع داخل الأراضي الايرانية وإنما على الجانب الآخر من الحدود الأفغانية.
في هذا الصدد، أدى الموقف الذي اتخذته الحكومة الأفغانية متأثرة بحملات جهات انتهازية مغرضة الى تعكير صفاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين، وهنا لابد من ذكر نقاط هامة بهذا السياق:
أولا قبل كل شيء؛ تشترك إيران على الحدود مع افغانستان بنهر هريرود بطول 160 كيلومترًا ويتحمل كلا البلدين مسؤولية متساوية في حماية هذه الحدود، لذلك يجب النظر في أي حادث حدودي من خلال تقييم دور ومسؤوليات البلدين.
بناء على ذلك، فإن حرس الحدود الأفغاني يتحمّل مسؤولية العبور غير القانوني للضحايا من خلال الحدود الأفغانية، ولابد أن يخضعوا للمساءلة. حتى الآن، لم تشر أي من وسائل الإعلام التي غطت الحادث إلى أدنى حد على انتهاك الحدود الأفغانية لواجباتها في حماية الحدود.
على مدى السنوات الثلاث المنصرمة، قامت قوات الحدود الأفغانية بإخلاء ما لا يقل عن 54 معبر حدودي (تم بناء العديد منها من قبل الحكومة الإيرانية في السنوات الأخيرة)، مما أدى للأسف إلى نشر الجماعات الإرهابية والمهربين في المنطقة. على الرغم من الاحتجاجات المتكررة من قبل الحكومة الإيرانية بشأن الأوضاع السيئة على الحدود المشتركة بين البلدين، لم تتخذ الحكومة الأفغانية أي إجراء فعّال حتى اليوم.
ثانيا؛ ووفقًا لقانون حرس الحدود، فإن الجمهورية الإسلامية الايرانية ملزمة بإعادة المشتبه بهم غير القانونيين إلى بلادهم، وفي هذا الصدد، لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد القوانين الحالية فحسب، بل تنازلت إيران أيضًا عن حقها القانوني في القبض على هؤلاء الأفراد ومعاقبتهم.
من جانب آخر، في الوقت الحالي ازداد عمق المياه وسرعتها في نهر هريرود بسبب زيادة هطول الأمطار وافتتاح سد سلمى من قبل أفغانستان، مما جعل عبور هذا النهر خطيرا وصعبا جدا وهو ما أسفر عن هذا الحادث المؤسف. وبناءً على ذلك، فإن المجازفة بعبور النهر الحدودي بين ايران وافغانستان غير الآمن يتحمله أولئك الذين اتخذوا هذا القرار.
وتضاعفت حالات اللجوء غير الشرعي من افغانستان الى ايران في ظل تفشّي وباء كورونا المستجد، وذلك لأن الجمهورية الاسلامية تعالج المصابين الأفغان بالمجان، وعلى الرغم من تكثيف الضوابط الحدودية، ازدادت الهجرة غير الشرعية للمواطنين الأفغان في شرق ايران وجعلت الحاجة إلى المزيد من الضوابط الحدودية أمرًا لا مفر منه.
في هذا السياق، كما جاء في تقرير حرس الحدود الايراني، كُشفت معلومات اللاجئين الأفغان دون أي نزاع أو عنف أو إطلاق نار، وكان دخولهم إلى الأراضي الإيرانية غير شرعي ولم يكن بحوزتهم الأوراق القانونية اللازمة، وبالتالي كان عليهم العودة إلى وطنهم.
ثالثاً، بسبب عدم وجود أي علامات ووثائق تشير إلى غرق مواطنين أفغان في منطقة الحدود، اقترح المسؤولون الإيرانيون بشكل عاجل لتغطية الحادث المزعوم إعلامياً، في مذكرة رسمية للحكومة الأفغانية، وتشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في أبعاد ما حصل. ولكن للأسف لاقت محاولاتهم رد فعل بارد وغير مسؤول من قبل الجانب الأفغاني.
وهذا يوضح قضيتين على الأقل: الأولى، لو لم تكن إيران متأكدة من عدم تقصيرها في هذه الحادثة، لما كانت قد قدمت عرضًا من هذا القبيل، وثانيًا، إذا فشل حرس الحدود الإيراني في إثبات ذلك للحكومة الأفغانية، فلن يكون هناك سبب لردها المتأخر على العرض الرسمي.
لهذا، إن مبادرة حرس الحدود الإيراني للتحقيق في الواقعة بالاعتماد على وثائق ومستندات تفنّد مزاعم الجانب الأفغاني، ومماطلة كابول بالرد على اقتراح الجمهورية الإسلامية الايرانية الصريح بشأن تشكيل لجنة تحقيق مشتركة بين الجانبين لن تحلّ المشكلة.
رابعاً، حدثت التطورات الأخيرة، التي لم تحاول الحكومة الأفغانية إخمادها، في وقت أعلنت فيه إيران رسمياً أن جميع المهاجرين (بمن فيهم اللاجئون الأفغان) يعيشون في هذه الظروف الصعبة من تفشي وباء كورونا في إيران سيتم علاجهم مجاناً على غرار المواطنين الإيرانيين.
من الواضح للحكومة والشعب الأفغاني أن الاهتمام الذي تولّيه الجمهورية الإسلامية الايرانية للّاجئين الأفغان لا مثيل له في العالم، وأنهم يتمتعون بجميع التسهيلات داخل ايران، مثل المواطنة الايرانية. علاوة على أن أوامر قائد الثورة الاسلامية بتوفير التعليم المجاني لأطفال اللاجئين الأفغان، الذين يتمتع الكثير منهم حتى بوجود غير شرعي في ايران، هو مجرد مثال واحد على ما أردنا إثباته.
مما لا شك فيه، تفنيد المزاعم القائلة بأن مجموعة من المواطنين الأفغان غرقوا في النهر الحدودي مع إيران لن يكون ممكنًا إلا من خلال لجنة تحقيق مشتركة ومن خلال التعاون والتنسيق بين البلدين الجارين للوصول الى الحقيقة.
يجب ألا يتأثر موقف الحكومة الأفغانية في مزاعم مقتل مهاجرين أفغان على الحدود مع إيران، الإدعاءات التي فبركتها عناصر انتهازية متمرّدة تعمل لصالح وسائل الإعلام المعادية، يمكن أن تعكّر صفو العلاقات الدافئة بين البلدين الجارين.
نورنيوز