معرف الأخبار : 49310
تاريخ الإفراج : 5/8/2020 5:27:44 PM
"داعش".. قنبلة واشنطن الموقوتة في العراق!

"داعش".. قنبلة واشنطن الموقوتة في العراق!

في مقال سابق تحت عنوان (حينما يتحرك داعش تحت غطاء كورونا ـ 24/4/2020)، انتهينا الى "أنّ اعادة تأزيم الساحة العراقية، سواء بأدوات داعشية او غيرها، يعدّ هدفا مهمّا ومحوريا من اجل بلورة المخططات والمشاريع ذات النطاق الاوسع والاشمل وتفعيلها، وهو ما يستدعي تكريس جزء من الجهد العسكري والاستخباراتي واللوجيستي لملاحقة عصابات داعش والجهات الداعمة والساندة لها، ووضع اليد على الخلايا النائمة، وتجنُّب التراخي والإهمال في هذا الجانب، لحساب التركيز على مواجهة وباء كورونا، لأن الأمر الخطير في الموضوع هو أن داعش يمكن ان يتحرك وينشط تحت غطاء كورونا وغطاءات اخرى، بعيدا عن دوائر الرصد والمراقبة واستغلالا لمظاهر الاضطراب والارتباك والفوضى".

ولم تمر سوى ستة أيام، حتى تعرضت قوات الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية في مناطق تابعة لمحافظة صلاح الدين الى هجوم داعشي من عدة محاور أسفر عن استشهاد وإصابة عدد من منتسبي الحشد والاتحادية. صحيح ان ذلك الهجوم لم يحقق أهدافه، بيد انه من اية زاوية نظرنا إليه فهو يعدُّ خرقاً امنياً خطيراً من حيث الزمان والمكان، فالاعتداء الداعشي جاء في خضم انشغال الجميع بكيفية مواجهة خطر وباء كورونا، واستمرار الانسداد السياسي، وتواصل التجاذبات والتقاطعات السياسية الحادة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، والمترافقة مع تهديدات اميركية متواصلة يراد منها خلط الاوراق وإعادة الامور الى المربع الاول، ان لم تجد املاءات وشروط واشنطن طريقها الى التنفيذ.

ولعلّ الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء الركن عبد الكريم خلف، كان دقيقا حينما ربط بين اعتداءات فلول داعش والمؤامرات الخارجية، بقوله "ان أبطال الحشد الشعبي مازالوا يقدمون التضحيات الغالية دفاعاً عن أمن الشعب وسيادة البلاد، وأنه في الوقت الذي يواجهون المؤامرات والاعتداءات الخارجية فإنهم يواجهون هجمات داعش الإرهابية".

ومما لا يقبل الكثير من الجدل والسجال هو ان الولايات المتحدة الاميركية التي اقدمت مؤخرا على سحب قواتها من بعض القواعد العسكرية العراقية، وشرعت بمباحثات مع الجانب العراقي لترتيب اجراءات سحب تلك القوات الى خارج العراق، لا يمكن ان تقتنع بفكرة المغادرة بهذه البساطة، لا سيما وان مجمل المشاريع والخطط الموضوعة للمنطقة من قبل دوائر صنع القرار ورسم السياسات في واشنطن، تتمحور حول تعزيز امن الكيان الصهيوني واضعاف ايران ومحور المقاومة، وهو ما يقتضي تعزيز الوجود الاميركي في المنطقة وتقوية ادواته وعناصره، وفي كل الأحوال فإن العراق يمثل احد الميادين والساحات الحيوية المهمة لتنفيذ تلك الخطط والمشاريع، وبقاء الارهاب الداعشي والقاعدي، يشكل ضرورة لا بد منها لأنه يُهيّئ الأرضيات ويخلق المبررات والذرائع للإقرار بفكرة بقاء الاميركان وعدم مغادرتهم، وهذا ما تدعو اليه وتروج له أطراف سياسية وغير سياسية عراقية في مقابل الرفض السياسي والشعبي الواسع له.

ولايختلف اثنان في ان ضعف الأداء الامني والعسكري، وتقاطع سياقات العمل بين المؤسسات والمفاصل الامنية المختلفة، والتجاذبات والخلافات السياسية، والفساد الاداري والمالي، ومن ثم تفشي وباء فايروس كورونا، كلها عوامل ساهمت وتساهم بشكل او بآخر في عدم القضاء على تنظيم داعش الارهابي بصورة نهائية، ولكن يبقى العامل الأكثر أهمية وحساسية وخطورة في بقاء ذلك التنظيم هو طبيعة ومستوى الدعم والإسناد والتمويل والتشجيع العسكري والإستخباراتي والسياسي والاعلامي الذي يتلقاه من اطراف دولية واقليمية تلتقي وتجتمع مصالحها واجنداتها عند نقطة محورية، تتمثل في الإبقاء على الوضع العراقي مرتبكا ومضطربا وهشا ومفتوحا على كل الخيارات. 

وارتباطا بذلك فإنّ هناك من أكّد على ان الخرق الأمني الأخير بحاجة لوقفة جادة وقراءة لحيثيات الملف الامني، تبلور استراتيجية امنية تضمن القضاء على جيوب الارهاب الداعشي، وذلك من خلال اتخاذ تدابير الحيطة والحذر وعدم التهاون والتراخي لا سيما في المناطق الرخوة امنيا" هذه خطوات اولية، ترتبط بها خطوة رئيسية وحاسمة أشار اليها الامين العام لحركة عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي في تعليقه على الاعتداءات الأخيرة في سامراء، بالقول "أن الهجمات الأخيرة لتنظيم داعش، هي حلقة ضمن مسلسل إعادة تفعيل التنظيم من قبل الإدارة الأميركية قبيل مفاوضاتها المزمعة في شهر حزيران مع الحكومة العراقية حول سحب قوّاتها من العراق"، مضيفا، "ان أميركا تحاول إيجاد مبرر لإستمرار إحتلالها لأرض العراق، لحسابات تتعلق بأمن الكيان الصهيوني والسيطرة على النفط العراقي، وهو أمر وعد بتحقيقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب".

ويعزز هذه الرؤية النائب عن تحالف سائرون رياض المسعودي بقوله، "أن نشاط داعش الأخير، وعملياته الإرهابية ما هي إلا خيوط مؤامرة أميركية لعرقلة العملية السياسية وإفشالها في العراق، وان الولايات المتحدة الاميركية تتعامل مع العراق كدولة محتلة من قبلها، وهي غير مهتمة بالمشروع السياسي للعراق وبسيادته، وبالتالي فهي تعمل على دفع مشاريع لإضعاف العراق من بينها القاعدة وداعش وغيرهما من المشاريع لضمان بقاء سيطرتها".

في ذات الوقت تتحدث أوساط ومصادر سياسية واستخباراتية واعلامية عن قيام واشنطن بإطلاق سراح اعداد لا يستهان بها من معتقلي الدواعش في السجون السورية ونقلهم الى داخل العراق، ناهيك عن توجهات ومحاولات لتحرير اعداد اخرى منهم قابعين في عدة سجون عراقية، وهو ما استدعى مؤخرا ارتفاع الاصوات المطالبة بتنفيذ احكام الاعدام بهؤلاء الارهابيين، لقطع الطريق أمام أية محاولات لاعادة الامور الى الوراء.   

بعبارة أوضح ان الخطوة الرئيسية والمحورية لتوجيه الامور بمساراتها الصحيحة، وإبطال مفعول القنابل الامنية والسياسية الموقوتة القابلة للإنفجار في اية لحظة، تتمثل بإنهاء التواجد الاجنبي ـ الاميركي من ارض العراق، علما ان مثل تلك الخطوة تنطوي على مصاعب ومعوقات وعراقيل عديدة، البعض منها سيتم افتعالها، كما هو الحال بالنسبة لاعادة تمكين داعش، ومن ثم تصاعد نبرة الأصوات الداعية الى بقاء الاميركان تحت ذريعة عدم زوال التهديد والخطر الداعشي، والبعض الآخر ربما تكون حاصل تحصيل للمأزق السياسي وانعكاساته وتأثيراته السلبية على مجمل المشهد العام في البلاد.


موقع العهد
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك