وأثارت تلك الصور مخاوف؛ ليس من الموت فقط بل من الموتى أنفسهم الذين كانوا ضحايا الفيروس، خشية انتشار الفيروس وانتقال العدوى من جثث المصابين به بعد موتهم.
فهل يمكن لجثة المتوفى جراء الإصابة بالمرض أن تكون مصدرا لنقل عدوى كوفيد-19؟ وهل سيكون إجراء طقوس جنازات لهم أمرا آمنا؟ وهل سيدفن هؤلاء الموتى أم تُحرق جثثهم؟
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، ليس ثمة مبرر للخوف من انتشار العدوى بكوفيد-19 من جثث الموتى، طالما اتخذنا الإجراءات الوقائية الاحتياطية اللازمة.
ففيروس سارس-كوف-2 المسبب للمرض ينتقل، في الغالب، عبر قطرات رذاذ يطلقها البشر، على سبيل المثال: عند حديث المصاب أو عطسه أو سعاله.
بيد أن الفيروس المسبب للمرض يمكن أن يظل حيا على سطوح صلبة معينة لعدة أيام.
وقال المتحدث باسم المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في القارتين الأمريكيتين، وليم أدو- كرو خلال مؤتمر صحفي في وقت سابق هذا الشهر "حتى الآن، ليس ثمة دليل على أن جثث الموتى تنقل المرض للأحياء".
هل يظل الفيروس حيا في جثث الموتى؟
وأضاف الخبير الصحي "إن قول ذلك لا يعني أننا نقول إن الجثث لن تكون معدية، فانتم تحبون موتاكم كثيرا إلى درجة أنكم ترغبون بتقبيلهم أو القيام بأشياء أخرى من هذا القبيل" يمكن أن تنقل العدوى.
وشدد على ضرورة منع مثل هذه السلوكيات وممارسة إجراءات الوقاية والسيطرة على تفشي المرض.
وتنص توصيات نشرتها منظمة الصحة العالمية في مارس-آذار الماضي على أن "جثث الموتى، على العموم، لن تكون مُعدية، باستثناء حالات الإصابة بالحمى النزفية (مثل أيبولا وفيروس ماربورغ) والكوليرا".
وتضيف" أن رئات الموتى المصابين بتفشي وباء الإنفلونزا يُمكن فقط أن تكون معدية إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح خلال عملية تشريح الجثة، وعدا ذلك، لا تنقل الجثث المرض".
وتظل جثث الموتى المتوفين جراء أمراض تنفسية حادة مأوىً لفيروسات حية تتركز في رئاتهم وأعضاء أخرى من أجسامهم.
ويمكن لهذه الفيروسات أن تخرج أثناء عملية تشريح الجثة، وتعلق في المعدات الطبية المستخدمة، أو خلال عملية غسل الأعضاء الداخلية في الجثة.
ويجب على أقارب وأصدقاء ضحايا كوفيد-19 التأكد من أن جثة المتوفى قد هُيئت للدفن أو الحرق على أيدي أشخاص محترفين أتخذوا كامل إجراءات الحماية والوقاية الاحترازية، من أمثال العاملين في تقديم خدمات جنازات الموتى.
هل تُجرى مراسم تشييع ودفن للمتوفى جراء المرض؟
في بعض الأماكن، أدى عدد الوفيات الناجمة عن كوفيد-19 الى أزمة في خدمات وكالات دفن الموتى.
ومُنعت إقامة مراسم تشييع ودفن الموتى في بعض البلدان تطبيقا لإجراءات التباعد الاجتماعي، وما زال بعض البلدان يسمح بها ولكن بعدد محدود جدا من الحضور.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن عوائل الموتى وأصدقاءهم يُمكن أن يلقوا نظرة الوداع على جثامينهم خلال مراسم الجنازة، مادام ذلك يجري تحت قيود مشددة ووفق أجراءات السلامة والوقاية الصحية.
وتشير تعليمات المنظمة إلى أنهم "يجب أن لا يلمسوا الجثة أو يقبلوها وأن يغسلوا أيديهم جيدا بالماء والصابون بعد إلقاء النظرة على الميت. كما يجب تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي ومسافة الأمان (البعد لمسافة متر على الأقل عن أقرب شخص)".
وتضيف أن الأشخاص الذين يعانون من أعراض تنفسية ينبغي أن لا يحضروا الجنازة، أو على الأقل، يجب أن يرتدوا كمامة لمنع انتشار العدوى".
ويجب أن يكون الأطفال والبالغين فوق عمر 60 سنة ومن يعانون من مشكلات في أنظمتهم المناعية بمنأى عن الاتصال المباشر مع جسد الميت.
هل تدفن جثث الموتى أم يجب حرقها؟
تقول منظمة الصحة العالمية إن كلا الإجرائين، الدفن أو الحرق، مقبولان.
وتضيف "ثمة أسطورة شائعة تشير إلى أن جثث الموتى جراء مرض قابل للانتقال من شخص إلى آخر يجب أن تحرق، ولكن ذلك ليس صحيحا. فحرق الموتى هو خيار ثقافي (وديني) ويتعلق بالموارد المتوفرة لذلك".
أما أولئك الذين يقتضي عملهم التعامل المباشر مع الجثث، أمثال من يقومون بدفنها في القبر، يجب عليهم ارتداء الكفوف وغسل أيديهم جيدا قبل ارتداء الكفوف وبعد خلعها.
وتشير منظمة الصحة إلى أنه لا حاجة للتخلص من جثث ضحايا كوفيد-19، بدفنهم أو حرقهم، بعجالة.
وليس من الضروري حرق متعلقات الميت، بل يجب التعامل معها بارتداء الكفوف وتعقيمها جيدا باستخدام سائل الإيثانول بتركيز 70 في المئة أو استخدام سائل التنظيف القاصر (مبيض الملابس).
ويمكن غسل ملابسه في الغسالة بالمنظفات بدرجة حرارة (60 - 90 درجة مئوية)، أو تغطيسها بالماء والصابون في برميل كبير مع استخدام عصا لتحريكها وتجنب اندلاق الماء خارجه.
حفظ كرامة الميت
تقول منظمة الصحة العالمية إنه "يجب احترام وحفظ كرامة الموتى وتقاليدهم الدينية والثقافية وعوائلهم" بيد أن الهلع والخوف من تفشي المرض أثبت أن ثمة صعوبات في تحقيق ذلك في بعض المناطق في العالم.
وقال ميروين تيران، رئيس رابطة وكالات خدمات جنازات الموتى في الأكوادور لبي بي سي: إن الوضع "خارج عن السيطرة تماما" في مقاطعة غواياس، حيث تجاوزت وفيات كوفيد-19 العشرة آلاف شخص في غضون أسابيع محدودة.
وتعد الأكوادور ثاني أكثر البلدان تضررا بالمرض في أمريكا اللاتينية بعد البرازيل. ولم يكن النظام الصحي فيها قادرا على تحمل الضغط الناجم عن تفشي الفيروس فتركت الجثث وتوابيت الموتى في الشوارع عدة أيام إثر امتلاء المقابر بالموتى.
وقد وضع بعض المستشفيات الجثث في مخازن لا تتوفر على أجهزة تكييف أو بنى تحتية مناسبة لحفظ جثث الموتى.
ويقول تيران "حتى بالنسبة لنا، نحن من اعتدنا على رؤية واقع الموت، كان من الصعب علينا الدخول (إلى هذه المخازن) للتعرف على هوية أصحاب الجثث. وقد انبجست السوائل من الجثث بعد مرور 24 ساعة".
وفي أماكن أخرى، علت عناوين الصحف ووسائل الإعلام صور مقابر جماعية في نيويورك ومدينة ماناوس البرازيلية واسطنبول التركية.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن هذا الواقع القاسي للموت في زمن وباء كورونا يجب أن لا يحول دون توفير توديع مناسب يحفظ كرامة الموتى وتوفير مكان لإحبائهم للتعبير عن حزنهم.
وتضيف "يجب أن تتعامل السلطات بناء على قاعدة تقييم كل حالة على حدة، بما يكفل الموازنة بين حقوق عوائل الضحايا والحاجة الى التحقيق في أسباب الوفاة، ومخاطر التعرض للعدوى".
نورنيوز-وكالات