لم تتوقف الجهود الدولية -وخصوصا الطبية منها- منذ البوادر الأولى لانتشار المرض، عن البحث عن عقار أو لقاح يمكن أن يوقفه، ومع زيادة تفشي الفيروس وتحوله -وفق منظمة الصحة العالمية- إلى جائحة ووباء عالمي، تواصل دول العالم جهودها لاتخاذ تدابير من شأنها أن تحد من انتشاره.
لكن مع كل هذه الإجراءات الصارمة، لا يزال الوباء يتمدد في دول جديدة، ويطيح بمزيد من ضحاياه في دول أخرى استقر بها من فترة، بل إن عددا من الدول أعلنت عن شبه هزيمة واستسلام في مواجهة المرض، خصوصا مع تكشف ضعف الأنظمة الطبية حتى على مستوى دول متقدمة، وأعداد الضحايا تنبئ بهذا.
ويتردد السؤال مرة أخرى: هل من بوادر تلوح في الأفق لانتهاء الأزمة؟ ومتى تعود الحياة إلى طبيعتها؟
وقد حاول أكثر من خبير وأكثر من دراسة الإجابة عن هذه التساؤلات، في هذا التقرير نقدم بعضا من هذه السيناريوهات.
- البداية مع مقال للمسؤولة السابقة في وزارة الأمن الداخلي الأميركية جولييت كاييم، الذي نشرته مجلة ذي أتلانتك، وتوقعت فيه أن يطول أمد الأزمة الراهنة التي ألقت بظلالها على مختلف مناحي حياة الناس.
وقالت كاييم في مقالها الذي نشر تحت عنوان "الأزمة قد تستمر 18 شهرا.. استعدوا" إن نهاية الأزمة لن تكون سريعة بالقدر الذي اتخذت فيه قرارات الحجر والإغلاق، ولن تحدث في أي وقت قريب.
وأشارت إلى أن هناك سؤالين ملحين سيصر الناس مع مرور الوقت على معرفة الإجابة عنهما، وهما: متى سينتهي الوباء؟ ومتى ستتسنى لهم العودة إلى حياتهم الطبيعية؟
وأوضحت أن الإجابة عن السؤال الأخير المتعلق بموعد عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية، لا تخضع لمعطيات العلم فحسب، وإنما تخضع لحسابات أخلاقية وسياسية لا يرغب أحد في نقاشها جهرا.
وعن السؤال الأول المتعلق بانحسار الوباء، أشارت كاييم إلى أنه استنادا إلى معايير الصحة العامة، فإن القضاء على وباء كورونا لن يتسنى قبل مرور 18 شهرا أخرى، وأرجعت ذلك إلى أن الحل الوحيد للأزمة الراهنة يكمن في تطوير لقاح ضد الفيروس القاتل، مما يتطلب بعض الوقت.
إجراءات صارمة
- أما جامعة "إمبيريال كوليدج لندن" الإنجليزية، فقد أصدرت دراسة قالت فيها إن من الممكن أن تستمر مكافحة فيروس كورونا المستجد لمدة 18 شهرا.
وأكدت الدراسة أنه يجب اتخاذ إجراءات فورية وصارمة تستمر شهورا للتخفيف من حدة الكارثة، وأن الحياة بعد ظهور فيروس كورونا لن تكون أبدا مثل الحياة قبله.
وتؤكد الدراسة على سياسة "مناعة القطيع" لمواجهة الفيروس، وهي نظرية معروفة تقول بترك الفيروس ليصيب من يصيب من الناس، ثم تبدأ الأجساد بتشكيل مناعة ذاتية، بمعنى أن يقوم الفيروس بمواجهة نفسه.
وأشارت إلى أن الفيروس يشكل -في بعض النواحي- تهديدا للدول المتقدمة أكثر من التي لديها أنظمة طبية ضعيفة أو غير موجودة، وذلك لأن البلدان الأكثر ثراءً تكون أكثر عرضة للانهيار عندما تتغير الحياة ويطلب الناس مستوى معينا من العلاج.
إستراتيجية خروج
- وتوقع تقرير نشرته شبكة بي بي سي البريطانية أن تطول فترة المرض، لذا فمن الواضح أن الإستراتيجية الحالية القائمة على عزل أجزاء كبيرة من المجتمع ليست مستدامة على المدى الطويل، فالضرر الاجتماعي والاقتصادي سيكون كارثيا.
وما تحتاجه البلدان في هذه الحالة هو "إستراتيجية خروج"، أي طريقة لرفع القيود والعودة بالحياة إلى وضعها الطبيعي، رغم ما يعنيه ذلك من ارتفاع الإصابات بالفيروس.
ويقول أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في جامعة "إدنبرة" مارك وولهاوس "لدينا مشكلة كبيرة في ما يتعلق بإستراتيجية التخلص من المرض وكيفية تحقيق ذلك، ولا توجد دولة لديها إستراتيجية خروج، إنه تحد علمي واجتماعي كبير".
أولها: تطوير لقاح وعلاج لمواجهة الفيروس، وهو ما يعني البقاء على ما نحن عليه مدة عام إلى عام ونصف، وهذا وقت طويل إذا نظرنا إلى القيود الاجتماعية غير المسبوقة المفروضة حاليا.
وثانيها: تطوير ما يكفي من الأشخاص للمناعة من خلال الإصابة، وهو ما سبق طرحه آنفا في سياسة "مناعة القطيع"، وهنا يقول الدكتور نيل فيرغسون من جامعة إمبريال كوليدج بلندن "في النهاية، إذا واصلنا ذلك لمدة تزيد على عامين، فربما يكون جزء كاف من المجتمع في تلك المرحلة قد أصيب بالعدوى، بصورة توفر درجة معينة من الحماية المجتمعية".
والثالث: تغيير سلوك مجتمعنا بشكل دائم، بمعنى التعود والتكيف على الإجراءات المفروضة اليوم لمواجهة الفيروس، وهذا الخيار يرجحه البروفيسور وولهاوس، إذ يقول "الخيار الثالث هو التغييرات الدائمة في سلوكنا التي تسمح لنا بالحفاظ على معدلات انتقال منخفضة للعدوى".
وقد يشمل ذلك الإبقاء على بعض الإجراءات التي تمّ وضعها، أو إجراء اختبارات وعزل صارم للمرضى، من أجل محاولة احتواء أي تفشٍّ.
نورنيوز-وكالات