نورنيوز - تشكيل مجلس الدفاع بتدبير قائد الثورة والقائد العام للقوات المسلحة بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً المفروضة، لا ينبغي تفسيره في إطار رد فعل قصير الأمد على نزاع عسكري محدود. هذا القرار، أكثر من كونه رد فعل عاطفي على أزمة مؤقتة، هو إشارة إلى فهم عميق للتغييرات الأساسية في مستوى وطبيعة ومنطق التهديدات ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ تهديدات تشكلت في سياق نظام عالمي في طور الانتقال؛ نظام يبتعد تدريجياً عن القواعد القانونية ويعتمد أكثر من أي وقت مضى على منطق القوة العارية والأدوات الصلبة. في مثل هذا الجو، ليس الردع خياراً اختيارياً، بل شرطاً مسبقاً للبقاء والأمن الوطني.
التطورات في العقدين الأخيرين، من أوكرانيا وغزة إلى الهجمات المباشرة من قبل أمريكا والكيان الصهيوني على الأراضي الإيرانية خلال العام الجاري، أظهرت بوضوح أن التكاليف السياسية والقانونية للجوء إلى القوة انخفضت بشكل ملحوظ. عدم كفاءة مجلس الأمن، وتآكل مصداقية المؤسسات الدولية، وتصعيد المنافسات التسليحية، كلها تشير إلى عودة منطق القوة الصلبة إلى مركز صنع القرار العالمي؛ منطق إذا تم تجاهله، قد يؤدي إلى تكاليف استراتيجية ثقيلة لأي دولة.
في هذا الإطار، يجب اعتبار الحرب المفروضة التي استمرت 12 يوماً "إنذاراً استراتيجياً"؛ حدث أظهر أن التهديدات المستقبلية لن تكون تقليدية فحسب، بل مزيجاً من الهجمات النقطية، والعمليات الاستخباراتية، والحرب الإلكترونية، والمعركة المعرفية، والضغوط متعددة الطبقات. مواجهة مثل هذا النمط المعقد من التهديدات تتطلب قرارات هيكلية تفوق الردود الجزئية. أهمية تشكيل مجلس الدفاع تظهر بالضبط في هذه النقطة؛ مؤسسة لإنشاء تنسيق استراتيجي، وإصلاح الفراغات في صنع القرار، وتآزر القدرات الدفاعية والأمنية والاستراتيجية للبلاد.
من أهم إنجازات مجلس الدفاع، يمكن الإشارة إلى تسريع إعادة بناء وترقية القدرة الدفاعية للبلاد بالاعتماد على القدرات الموجودة، وإعادة تعريف بعض الأولويات الكبرى. تنسيق الجهات المسؤولة، وإعادة تنظيم برامج تطوير القدرة الدفاعية، والانسجام في صنع القرار، أدى إلى أن ترسل إيران في وقت قصير رسالة واضحة عن إحياء الردع؛ رسالة انعكست في سلوك وحسابات الطرف المقابل أيضاً، وأدخلت معادلات التهديد مرحلة أكثر تعقيداً.
إلى جانب هذه التطورات، تبرز ضرورة أساسية أكثر من أي وقت مضى: ضرورة تصميم آلية هادفة ودقيقة وذكية للإعلام الاستراتيجي. في ظروف أصبحت فيها حرب الروايات والعمليات النفسية جزءاً لا يتجزأ من النزاعات الحديثة، يُعتبر نقل الإنجازات الاستراتيجية بشكل مدروس ومُسيطر عليه جزءاً من الردع نفسه. الردع الفعال ليس نتاج القدرة الصلبة فقط؛ بل يتطلب إقناع الرأي العام، وتعزيز الانسجام الاجتماعي، وتثبيت الثقة العامة في كفاءة النظام في توفير الأمن الوطني.
في النهاية، يجب اعتبار تشكيل مجلس الدفاع خطوة ضرورية في طريق تكييف هيكل الأمن الوطني الإيراني مع واقع النظام العالمي الجديد؛ نظام يظل فيه القوة الناعمة أحد أعمدة السلطة الإيرانية الرئيسية، لكن دون تعزيز ذكي للمكونات الصلبة وإدارة الرواية، سيواجه استدامة الردع تحديات. التأثير النهائي لهذا المجلس يعتمد على الربط الدقيق بين القوة الصلبة، والدبلوماسية النشطة، وإدارة الرأي العام؛ ربط يمكنه ضمان الأمن الوطني الإيراني بشكل مستدام أمام التهديدات الناشئة.
نورنيوز