نورنيوز: كانت تصريحات ترامب الأخيرة في احتفال عيد الأنوار (حانوكا) بالبيت الأبيض، ظاهرياً، دعوةً للوحدة العالمية ضد "قوى الشر" و"الإرهاب المتطرف"؛ لكنها في الواقع تكشف عن وضعٍ حرج في السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية. فالرئيس، الذي وصل إلى السلطة واعداً بإنهاء الحروب، يُطلق الآن مثل هذه المزاعم في ظلّ وضعٍ لم تنتهِ فيه الحروب فحسب، بل لا تزال الصراعات قائمةً في مناطق تمتد من غزة وأوكرانيا إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا. هذا التناقض حوّل مزاعم ترامب من مبادرة أمنية إلى مجرد ذريعة سياسية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر بفرض "حصار كامل" على ناقلات النفط المرتبطة بفنزويلا، وتصنيف حكومة البلاد كدولة إرهابية، يُظهر أن سياسة الضغط الأقصى والتدخل لا تزال على أجندة واشنطن. هذه الإجراءات لا تُحدد في إطار السلام، بل وفقًا لمنطق "السلام من خلال عدسة الحرب" نفسه؛ وهو منطق يكشف عن الطبيعة الحقيقية لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي خلال عهد ترامب.
فضيحة الوعد بإنهاء الحروب
ادعى ترامب مرارًا وتكرارًا أنه سينهي ثماني حروب في العالم؛ وهو ادعاء تحول استمرار الصراعات فيه إلى فضيحة واضحة. فالحرب في غزة، والأزمة الأوكرانية، والتوترات بين الهند وباكستان، والصراعات الأفريقية، والأزمات الإقليمية في جنوب شرق آسيا، كلها أدلة واضحة على فشل هذا الوعد. في ظل هذه الظروف، يصبح مفهوم "الوحدة ضد التطرف الإسلامي" أداةً لإسقاط المسؤولية عن الإخفاقات على أعداء وهميين أكثر من كونه استراتيجية حقيقية.
هذا النهج منطقي بشكل خاص تجاه الدول الإسلامية؛ حيث لا يزال دعم الكيان الصهيوني بالأسلحة والسياسة جزءًا لا يتجزأ من السياسة الأمريكية. من هذا المنظور، فإنّ الادعاء بتراجع التركيز على غرب آسيا يفقد مصداقيته عمليًا، لأنّ سلوك الولايات المتحدة وحلفائها على أرض الواقع يُظهر عكس ذلك.
نظام عالمي جديد وضرورة تعزيز القوة
وبناءً على ذلك، فإنّ مزاعم ترامب الأخيرة حول وجود إجماع عالمي ضد إيران وجبهة المقاومة لا تنبع من موقع قوة، بل هي نتاج سلبية وأزمة. مع ذلك، لا تعني هذه السلبية تراجع أمريكا عن العداء؛ فغرب آسيا لا تزال أولوية استراتيجية لواشنطن، وستستمر سياستها التدخلية. وقد أثبتت التجربة أنّ الاستجابة لوعود أمريكا ودبلوماسيتها المزعومة لن تؤدي إلا إلى زيادة الضغط.
الحل الفعال الوحيد هو تعزيز شامل في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، مع تعزيز التقارب بين الفاعلين المستقلين في الوقت نفسه. إنّ تشكيل نظام عالمي جديد يتمحور حول دول مثل إيران والصين وروسيا وأعضاء مجموعة البريكس هو ردّ هيكلي على أحادية الجانب الأمريكية؛ ردّ قادر على تغيير المعادلات المفروضة.
نورنيوز