نورنيوز - الهجوم على القوات الأمريكية في تدمر، حسب اعتراف البنتاغون، أسفر عن خسائر مباشرة لواشنطن؛ ومع ذلك، كان رد البيت الأبيض لا يسير في اتجاه التوضيح، بل في اتجاه تطهير الجناة الحقيقيين للهجوم. إصرار ترامب وماركو روبيو وتوم باراك على دور داعش، جاء في الوقت الذي تم فيه سابقاً تأكيد دور القوات الأمنية التابعة للجولاني. يجب فهم هذا التحول في السرد في إطار الاستخدام الأداتي لداعش لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والعراق. داعش في هذا النموذج ليس عدواً حقيقياً، بل ذريعة دائمة للاحتلال، والحفاظ على القواعد، والضغط الأمني على حكومات المنطقة، وفرض التكاليف الأمنية على الآخرين. أمريكا، من خلال إبراز "التهديد المستمر لداعش"، تعيد إنتاج مبرر وجودها، وتحافظ على سوق بيع الأسلحة وفوترة الأمن للحلفاء العرب.
الجولاني؛ نموذج لا يجب أن ينهار
في العام الماضي، استثمرت أمريكا سياسياً وإعلامياً بشكل كبير في إعادة تعريف الجولاني؛ من إرهابي غير مرغوب فيه إلى "إرهاب مصالحة". تم متابعة هذا المشروع بتعليق عقوبات قانون قيصر، والتحركات الدبلوماسية، وحتى الاستضافة في البيت الأبيض، لتقديم سوريا الجديدة كنموذج للتطور في ظل التوافق مع الغرب. كشف دور القوات التابعة للجولاني ـ التي يعود الكثير منها إلى عضوية سابقة في داعش ـ في هجوم تدمر، يضع هذا النموذج على حافة الانهيار. مثل هذا الكشف لا يضعف موقف ترامب أمام الكونغرس فحسب، بل يجعل كل سرد "سوريا الناجحة بعد التوافق" غير موثوق. لذلك، تجاهل هذا الدور ليس دعماً لحليف بقدر ما هو محاولة لاحتواء فضيحة استراتيجية.
سوريا؛ أداة التدخل الإقليمي الأمريكي
سياسة أمريكا في سوريا لا تقتصر على دمشق. تسعى واشنطن إلى استخدام ملف سوريا لتبرير تدخلاتها في لبنان والعراق، وتوظيف نموذج الجولاني كأداة ضغط على الهياكل السياسية في المنطقة. لكن تقسيم سوريا، واستمرار الأزمة الأمنية، وعجز الحكومة المؤقتة عن فرض السيادة، كلها دليل على فشل هذه الاستراتيجية. في مثل هذه الظروف، تطهير الجولاني وإلقاء اللوم على داعش، هو محاولة للحفاظ على الحد الأدنى من التماسك الظاهري لهذا المشروع؛ مشروع بدون هذا الغطاء السردي، سيصبح سريعاً رمزاً لفشل سياسات أمريكا في غرب آسيا.
التوافق الكامل مع أهداف الكيان الصهيوني
الحفاظ على الجولاني بالنسبة لأمريكا، له ارتباط مباشر بمصالح الكيان الصهيوني. جعل سوريا بلا دفاع، والاحتلال التدريجي للأراضي، والتقدم من الجولان إلى ريف دمشق، والسعي لتحقيق "ممر داود" حتى حدود العراق، كلها أصبحت ممكنة في ظل هذه المعادلة. التصريحات الصريحة لتوم باراك حول ضرورة توافق دمشق مع إسرائيل، ومواقف نتنياهو حول عدم الانسحاب، تشير إلى هذا التوافق. في هذا الإطار، أمريكا مستعدة حتى لإغض الطرف عن هجوم القوات التابعة للجولاني على عسكرييها؛ لأن بقاء هذه الحكومة ضامن لمصالح الصهاينة. ومع ذلك، يظهر التاريخ أن هذا الدعم ليس من الولاء، بل مبني فقط على المصلحة؛ مصير قد يتكرر للجولاني أيضاً، مشابه لأدوات أخرى تم استهلاكها.
نورنيوز