معرف الأخبار : 234467
تاريخ الإفراج : 7/23/2025 3:40:11 PM
ممر  زنغزور؛ هل سيكون بوابة الناتو إلى الحدود الشمالية لإيران؟

ممر زنغزور؛ هل سيكون بوابة الناتو إلى الحدود الشمالية لإيران؟

يبدو أن إنشاء ممر زنغزور مشروع اقتصادي لربط نخجوان بأذربيجان، ولكنه في الواقع يُنظر إليه كأداة لإعادة تشكيل النظام الجيوسياسي للقوقاز، وإقصاء إيران عن طرق النقل، وتعزيز نفوذ الغرب على الأطراف الشمالية لإيران.

نورنيوز: في منطقة هشة للغاية كجنوب القوقاز، لا يُعتبر أي مشروع تنموي أو ربط للبنية التحتية اقتصاديًا بحتًا. يُعد ممر زنغزور، الذي يهدف إلى ربط الأراضي بين جمهورية أذربيجان ونخجوان عبر الأراضي الأرمينية، مثالًا واضحًا على هذا الواقع الجيوسياسي. ظاهريًا، يُمثل هذا الممر خطة لتسهيل التجارة والنقل، ولكنه في الواقع جزء من استراتيجية أوسع تُنفذ بدعم مباشر من الولايات المتحدة وتركيا؛ استراتيجية لإضعاف موقع إيران الإقليمي وإعادة تشكيل خريطة النفوذ في المناطق المحيطة بالجمهورية الإسلامية.

يُعتبر مشروع زنغزور استراتيجيًا إحدى الأدوات الجديدة للولايات المتحدة لتعزيز حضورها في جنوب القوقاز بعد حرب كاراباخ الثانية. ويتمثل الهدف النهائي لهذا المشروع في إبعاد إيران وروسيا عن الطرق الرئيسية لنقل الطاقة من آسيا الوسطى إلى أوروبا، وفتح طريق جديد يمتد من الأراضي التي تسيطر عليها باكو، مرورًا بنخجوان وتركيا، إلى أوروبا. ولا يقتصر هذا الطريق على تعزيز خطوط أنابيب الغاز مثل "تاب" و"تاناب"، بل يتماشى أيضًا مع السياسة الغربية طويلة المدى لتقليل اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية. في غضون ذلك، تُهمّش إيران، باعتبارها طريقًا تقليديًا وآمنًا للنقل بين الشرق والغرب، وهو تهميشٌ ستكون له عواقب أمنية واقتصادية واسعة النطاق على طهران.

من منظور جيوسياسي، لا يعني تعزيز ممر زنغزور سوى تقويض الدور الاستراتيجي لإيران في المعادلات الإقليمية. إيران، التي حاولت في الماضي تعزيز مكانتها في العبور الأوراسي بمبادرات مثل الممر الشمالي الجنوبي، تواجه الآن مشروعًا قد يقضي عمليًا على نفوذها في جنوب القوقاز. في غضون ذلك، يوسع المحور الغربي المكون من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل وباكو نطاق عملياته؛ وهو محور يسعى، بالإضافة إلى الأهداف الاقتصادية، إلى تحقيق أهداف استخباراتية وأمنية أوسع.

في مقابل هذه الكتلة الجديدة، يقع المحور الأوراسي التقليدي المكون من إيران وروسيا والصين. من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، تحاول الصين إعادة تعريف طرق التجارة العالمية من شرق آسيا إلى أوروبا؛ ولا تزال روسيا، على الرغم من الضغوط الناجمة عن الحرب الأوكرانية، ترى نفسها لاعبًا فعالًا في القوقاز. في غضون ذلك، تُعد إيران نقطة الوصل بين القوتين الشرقيتين وضامنة التوازن الإقليمي. لكن زانجيزور يهدد بكسر هذا التوازن. إذا تم تنفيذ هذا الممر دون مراعاة مخاوف إيران، فسوف يقطع فعليًا النفوذ الجغرافي لإيران في شمال القوقاز. تطورٌ سيحرم إيران من جوارها الاستراتيجي مع أرمينيا، ويمهد الطريق أمام جهاتٍ أجنبية لدخول حدودها الشمالية الغربية.

تُظهر المواقف الأخيرة لرئيس أذربيجان، وتأكيده على استكمال ممر زانجيزور بحلول الربيع المقبل، عزم باكو الجاد على تنفيذ هذه الخطة؛ وهي خطةٌ تُنفَّذ بوضوح دون تنسيق مع طهران، وتتعارض مع مصالح إيران الجيوسياسية. ويتحدث إلهام علييف صراحةً عن الدور الواصل لهذا الممر على حدود إيران وأرمينيا؛ وهو تصريحٌ ينطوي على تهديدٍ ضمنيٍّ لدور إيران التاريخي في المنطقة.

من جهةٍ أخرى، فإن موقف وزارة خارجية إيران، وإن كان يتضمن تحذيراتٍ دبلوماسية وتشديدًا على وحدة أراضي الدول، إلا أنه يحتاج إلى الارتقاء من مستوى التصريحات العامة إلى استراتيجياتٍ عملية. فقد أظهرت تجربة التطورات الإقليمية أن التصريحات الدبلوماسية وحدها دون دعمٍ ميداني لا تكفي. ينبغي على إيران، بالتزامن مع تعزيز تعاونها السياسي مع أرمينيا وروسيا، تطوير البنية التحتية للنقل على طرق بديلة، مثل طريق نوردوز-يريفان-تبليسي، وربطها المباشر بالبحر الأسود. كما يُمكن أن يكون الحضور الأكثر فاعلية في المشاريع الإقليمية متعددة الأطراف، والاستفادة من قدرات مؤسسات مثل منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أدواتٍ مناسبة لمواجهة هذا السيناريو.

يُمثل ممر زنغزور، في الواقع، نقطة التقاء تنافسات متعددة الأوجه بين كتل القوى العالمية والإقليمية. في هذه المعركة الجيوسياسية، إذا لم تتحرك إيران في الوقت المناسب وبطريقةٍ حازمة، فلن تُستبعد من طرق التجارة فحسب، بل سيزيد تهميشها الجيوسياسي أيضًا من الضعف الأمني على حدودها الشمالية.

يُمثل هذا المشروع اختبارًا خطيرًا للسياسة الخارجية الإيرانية في عصر إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية؛ اختبارٌ لا يُمكن حلّهُ بالوسائل الدبلوماسية وحدها، بل يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا ووجودًا ميدانيًا وتحالفاتٍ متعددة الأوجه.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك