معرف الأخبار : 233814
تاريخ الإفراج : 7/19/2025 4:15:01 PM
آلية الزناد أم الفرصة الدبلوماسية؟ إلى أين تتجه المفاوضات؟

آلية الزناد أم الفرصة الدبلوماسية؟ إلى أين تتجه المفاوضات؟

أرسلت محادثة الليلة الماضية بين سيد عباس عراقجي ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا رسالة واضحة مفادها: إيران مستعدة للتفاوض، ولكن ليس في ظل التهديدات وآليات الزناد. يبحث الأوروبيون، القلقون بشأن الجمود السياسي، الآن عن فرصة ثانية للدبلوماسية؛ فرصة قد تكون الأخيرة.

نور نيوز -  في مؤتمر عبر الفيديو عقده الليلة الماضية مع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بوضوح إلى حقيقة لم يعد من الممكن تجاهلها: الولايات المتحدة هي التي انسحبت من الاتفاق النووي لعام 2015، وليست إيران. واشنطن هي التي اختارت الخيار العسكري وغادرت طاولة المفاوضات في يونيو من هذا العام، بدلاً من العودة إلى مسار الدبلوماسية. أكد عراقجي في هذه المحادثة أن أي جولة جديدة من المفاوضات لن تكون ممكنة إلا عندما يكون الغرب مستعدًا لقبول اتفاق متوازن وعادل، بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على سياسات التهديد والضغط البالية.

لهذه التصريحات معنى خاص في الأجواء التي أعقبت العدوان الإسرائيلي على إيران، والذي أعقبه الدفاع المقدس لمدة 12 يومًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد النظام الصهيوني، إلى جانب الهجمات الأمريكية المباشرة على البنية التحتية النووية الإيرانية. لقد صرحت طهران بوضوح أن طريق الدبلوماسية مفتوح، لكن هذا الطريق لا يمكن أن يكون متناسبًا مع العدوان العسكري والهجوم على طاولة المفاوضات، ولا يمكن أن يكون مصحوبًا بتهديدات بآلية الزناد أو عقوبات من مجلس الأمن. لقد أظهرت إيران أنها لن تكون الطرف الضعيف أبدًا، سواء في ساحة المعركة أو على طاولة المفاوضات، وستنقل رسالتها بوضوح وبشكل لا لبس فيه في كل من ساحة المعركة وفي مجال الدبلوماسية.

الدفاع المقدس لمدة 12 يومًا؛ برهان على ضعف الردع الغربي

كشفت المقاومة الإيرانية المقدسة التي استمرت 12 يومًا ضد العدوان الإسرائيلي، رغم أنها انتهت بوقف إطلاق نار هشّ مؤقتًا، عن الوجه الحقيقي للأزمة. لم تتمكن واشنطن وتل أبيب من تغيير موازين القوى لصالحهما، في حين أظهرت إيران أن سعة الملاعب لديها قدرات كبيرة لتوجيه أهدافها في الميدان. ومع ذلك، يرى الخبراء الاستراتيجيون أن هذه الحرب ليست نهاية المطاف، بل بداية فصل جديد من التوترات الإقليمية، وأن وقف إطلاق النار الحالي ليس سوى استراحة قصيرة للتعافي.

ومن القضايا المهمة التي تُلقي بظلالها الآن على المحادثات المحتملة بين إيران والدول الأوروبية الثلاث، أن تنفيذ أخطر التهديدات التي وُجهت لإيران حتى الآن بهدف ثنيها عن مواصلة برنامجها النووي السلمي لم يُحقق النتيجة المرجوة للغرب. فُسِّرت الهجمات الأمريكية على منشآت إيرانية حساسة، بدلًا من أن تكون إجراءً رادعًا، على أنها مؤشر على ارتباك استراتيجي لدى البيت الأبيض في التعامل مع إيران. إن الهجوم على المنشآت النووية، دون تحقيق نتيجة سياسية ملموسة، لم يُسفر إلا عن تعميق الخلافات وتصعيد الأزمة.

رد فعل دول الخليج الفارسي: وساطة أم قلق عميق؟

على الرغم من أن الصراع لم ينتقل إلى الخليج الفارسي خلال عدوان الكيان الصهيوني على الأراضي الإيرانية، باستثناء الهجوم الإيراني الانتقامي على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، إلا أن التطورات الأخيرة وضعت دول الخليج الفارسي في موقف حرج، خوفًا من امتداد الصراع إلى هذه المنطقة الاستراتيجية. تُدرك هذه الدول جيدًا أن استمرار التوتر بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الخليج الفارسي الاستراتيجي. وقد دفع هذا القلق بعض هذه الدول إلى طرح أفكار أمنية مشتركة مع إيران، سرًا وخلف الأبواب المغلقة، في الأوساط الدبلوماسية. لقد وصل الخليج الفارسي إلى نقطة تجعل أي خطأ في التقدير منه الساحة الرئيسية للأزمة.

أوروبا ودبلوماسية التهديد: حل أم طريق مسدود؟

تحاول الدول الأوروبية الثلاث، إلى جانب مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الحفاظ على استمرار العملية الدبلوماسية. مع ذلك، فإن التهديد المتكرر بتفعيل آلية الزناد لم يُضعف الدبلوماسية فحسب، بل زاد من عدم ثقة طهران بصدق الغرب في عملية التفاوض. لقد أدرك الأوروبيون أن استخدام آلية الزناد قد يؤدي إلى تصعيد الأنشطة النووية بدلًا من إجبار إيران على التراجع، مما يُعيق فعليًا مسار الدبلوماسية.

الفرصة والوقت محدودان أمام جميع الأطراف

الوقت ليس في صالح أيٍّ من الأطراف. وقد زاد غياب مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران من قتامة احتمالات التوصل إلى اتفاق، وأوروبا تُدرك جيدًا أن المواعيد النهائية المصطنعة لن تُنهي الأزمة. إذا استمر هذا التوجه، فإن احتمال امتداد الأزمة إلى الخليج  الفارسي سيزداد بشكل كبير؛ وهي منطقة لا تحتمل حربًا جديدة.

عززت محادثات عراقجي مع الوزراء الأوروبيين إمكانية عقد جولة جديدة من المفاوضات بين إيران وأوروبا. كما أعلنت الدول الأوروبية أنها ستؤجل تفعيل آلية الزناد حتى نهاية الصيف لإعطاء الدبلوماسية فرصة أخرى. رغم أن محادثات الليلة الماضية مع وزراء خارجية الدول الأوروبية بدت دبلوماسية في ظاهرها، إلا أنها حملت رسالة عميقة: إيران مستعدة للتفاوض، ولكن ليس بلغة التهديد والضغط. إن حرب الأيام الاثني عشر، والهجمات الأمريكية، والتهديد بتفعيل آلية الزناد، كلها ناقوس خطر، وإذا تجاهلناها، ستقود المنطقة إلى أزمة لا يمكن السيطرة عليها. هذه اللحظة هي الوقت المناسب لمراجعة جادة للسياسات والعودة إلى دبلوماسية واقعية؛ قبل أن تُسلب القرارات من أيدي الأطراف الفاعلة.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك