وفقًا لتقرير رسمي صادر عن إدارة البيئة البشرية التابعة لوكالة حماية البيئة، فإن الهجمات الصاروخية والحرائق والانفجارات في البنية التحتية للنفط والغاز، والدمار الحضري الواسع النطاق في طهران وبعض المحافظات الجنوبية، قد تسببت في أضرار غير مسبوقة للبيئة الإيرانية، ذات أبعاد إنسانية واقتصادية واستراتيجية.
مزيج من الموت والدخان والتلوث
لعلّ أكبر صدمة بيئية لهذه الحرب كانت انفجار مستودعات الوقود في ري وكين بطهران. ووفقًا لوكالة حماية البيئة، أتلفت هذه الهجمات أكثر من 19.5 مليون لتر من الوقود. وكانت النتيجة إطلاقًا مباشرًا لـ 47 ألف طن من غازات الاحتباس الحراري وأكثر من 578 ألف كيلوغرام من الملوثات الكيميائية في هواء طهران؛ وهو رقم سُجِّل وأُعلن على الفور عن آثاره على جودة الهواء الذي يتنفسه المواطنون، وخاصة الأطفال وكبار السن ومن يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي.
حدث هذا التلوث الشديد في وقتٍ شهدت فيه طهران حالة طوارئ متكررة بسبب تلوث الهواء في الأشهر الأخيرة، كما أن بنيتها التحتية الصحية مُنهكة بشدة من حيث رصد الملوثات والتعامل مع آثارها التنفسية. وقد أظهر انتقال الجسيمات وأكاسيد النيتروجين والكربون الأسود من جنوب طهران إلى المناطق الوسطى والشرقية أن حرب المدن ليست مجرد قضية عسكرية؛ بل هي أيضًا تهديد مباشر لأمن الصحة العامة.
بالإضافة إلى تلوث الهواء، أُنتج حوالي 150 ألف طن من النفايات ومخلفات الحرب في طهران؛ وهي مشكلة واجهت إدارة المدن في طهران بواحدة من أكبر التحديات البيئية في العقدين الماضيين. تُقدر الأضرار المباشرة الناجمة عن هذه النفايات بحوالي 750 مليار تومان، وتبلغ تكلفة تنظيف النفايات الصناعية والعسكرية والإلكترونية حوالي 300 مليار تومان. تُقدر هذه التكاليف دون مراعاة الآثار البيئية طويلة المدى على طبقات المياه الجوفية والغطاء النباتي وصحة التربة الحضرية.
كارثة في الجنوب: الغاز والحرائق وتهديد النظام البيئي في الخليج العربي
إلى جانب طهران، كانت مقاطعة كنغان في محافظة بوشهر إحدى المناطق الحرجة في حرب الأيام الاثني عشر، حيث استُهدفت مصفاة بارس الجنوبية - المرحلة 14. وفقًا للتقارير الرسمية، تسبب الانفجار في المصفاة في احتراق حوالي 5.5 مليون متر مكعب من الغاز، مما أدى إلى إطلاق ما يعادل 12 ألف طن من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وإنتاج حوالي 437 ألف كيلوغرام من الملوثات الكيميائية. لم يقتصر تأثير هذه الكمية من الملوثات على التأثير المباشر على جودة الهواء في محافظة بوشهر والمناطق المجاورة فحسب، بل غيّر أيضًا نمط الرياح وهجرة الجسيمات العالقة، مما رفع جودة الهواء في العديد من المحافظات، بما في ذلك فارس وخوزستان وهرمزغان، إلى مستوى ينذر بالخطر.
ومع ذلك، فإن الجزء الأكثر إثارة للقلق في هذه القصة هو خطر تسرب مياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية والغازات السامة داخل النظام البيئي للخليج العربي. يُعد الخليج العربي أحد أكثر النظم البيئية البحرية هشاشة في العالم، ويتميز بتنوع كبير في الأنواع. يمكن أن يؤدي أي تسرب للهيدروكربون والمواد الكيميائية في هذه المنطقة إلى انقراض الأنواع الحساسة، واستنزاف الثروة السمكية، وهجرة أو موت الكائنات المائية. بالإضافة إلى الغازات السامة، تُعدّ الآثار "الحرارية" للانفجارات بالغة الأهمية. كما يُؤدي ارتفاع درجات الحرارة المحلية في المناطق الصناعية الساحلية إلى اختلال الدورات البيولوجية للعوالق والشعاب المرجانية والأنواع المهددة بالانقراض مثل السلاحف البحرية؛ وهو تهديد لم يُرصد بدقة ميدانيًا بعد، لكن نشطاء البيئة في المنطقة وصفوه بـ"الصمت المميت للخليج العربي".
تدمير البنية التحتية البيولوجية؛ من الماء إلى التربة
بالإضافة إلى الهواء، تضررت أيضًا الموارد البيولوجية الأساسية لإيران، وهي الماء والتربة والنظم البيئية الحيوية. ووفقًا لمنظمة البيئة، فإن تسربات مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية، وحرائق الخزانات، وانبعاثات المواد الكيميائية، وتدمير خطوط النقل خلال الحرب، قد تسببت في تسرب الملوثات إلى المياه السطحية والجوفية. وتُعتبر هذه المشكلة حرجة بشكل خاص في جنوب طهران، وشرق أصفهان، والمناطق النفطية في خوزستان، وحول عسلوية.
يُشكل تلوث التربة أيضًا تهديدًا صامتًا وخطيرًا للزراعة، وصحة الحيوانات الأليفة، وحتى المحاصيل الغذائية، وذلك بسبب تسرب المركبات البترولية والمعادن الثقيلة والوقود غير المحترق. في مناطق مثل رباط كريم، وشهريار، وكنغان، والأهواز، أفادت الدراسات الأولية بتدهور جودة التربة الزراعية واحتمال وجود عناصر سامة في المحاصيل المستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، أثّرت ضجيج الانفجارات العالية، واهتزازات الصواريخ، والحرارة المفاجئة، في أعقاب الهجمات، على الحياة البرية وموائل الطيور المهاجرة. وشهدت الأراضي الرطبة، والمراعي، والمناطق الجبلية، والحدائق المحمية القريبة من المناطق المستهدفة هروبًا مفاجئًا أو نفوقًا لبعض الأنواع، ولا يزال التسجيل الرسمي جاريًا.
ومما يزيد من خطورة الأزمة البيئية الناجمة عن الحرب على إيران الموقع الجغرافي البيئي الاستثنائي للبلاد وتنوعها البيولوجي العالي. وفقًا للإحصاءات الرسمية، تضم إيران 226 منطقة رطبة، وأكثر من 8600 نوع نباتي، و37 ألف نوع حيواني، و13 محمية للمحيط الحيوي، و9 أنظمة بيئية كبرى، و327 منطقة محمية. ولا يُعدّ تضرر أيٍّ من هذه المناطق مجرد خسارة محلية، بل يُشكّل تهديدًا عالميًا للبيئة الإقليمية.
نورنيوز