نورنيوز : شكّلت أزمة الخدمة العسكرية للطلاب الحريديم شرخًا عميقًا في ائتلاف بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف؛ وهو ائتلاف هشّ يتألف من أحزاب دينية متطرفة مثل "ديجل هتوراه" و"أغودات يسرائيل" و"شاس". لم يُشكك الانسحاب المتتالي لأعضاء هذه الأحزاب في الأغلبية البرلمانية للحكومة فحسب، بل هدد وجودها السياسي أيضًا. إن انخفاض مقاعد الائتلاف إلى 61 مقعدًا، واحتمالية انخفاضها إلى 50 مقعدًا، دليلٌ واضحٌ على الوضع الحرج الذي تعيشه حكومة نتنياهو. هذا الوضع، إلى جانب إعادة استدعائه للمحكمة لمواجهة تهم الفساد، أضعف مصداقيته السياسية وسلطته بشكل كبير.
يحاول نتنياهو، الذي يواجه حاليًا تآكلًا حادًا في شعبيته وشرعيته السياسية، صرف انتباه الرأي العام عن الأزمة الداخلية بمواصلة الحرب والسياسات العدوانية. وفي إطار هذه السياسة المكلفة، حاول نتنياهو، خلال رحلة استغرقت خمسة أيام إلى واشنطن واجتماعه بالرئيس الأمريكي النرجسي دونالد ترامب، تقديم نفسه كأداة لنجاحه ودعايته، وجذب دعمه لتخفيف الضغوط الداخلية. إلا أن هذه الإجراءات عكست الأزمة الحكومية وتقاعسه الشخصي أكثر مما دلت على سلطته. بما أن الحريديم، باعتبارهم أحد الركائز الأساسية للائتلاف الحاكم، يعارضون بشدة المشاركة في الخدمة العسكرية، فإن نتنياهو يواجه معادلةً مُستعصية: إما أن يدفع فديةً سياسيةً ويدفع ثمنها في الساحة العامة وفي مواجهة معارضة شديدة من مختلف الشرائح الاجتماعية، أو سيفقد دعم الائتلاف الديني المتشدد وستنهار حكومته.
للبعد الاجتماعي لهذه الأزمة أبعادٌ عميقةٌ أيضًا. ففي ظلّ مواجهة المجتمع الصهيوني لحربٍ غير مسبوقة، فإن الطبقة الدينية الحريدية، وهي الشريحة الأكثر تأكيدًا على ادعاء "اليهودية النقية"، غير مستعدةٍ للقتال. وهذا ليس فقط دليلًا على أزمة التماسك الوطني في إسرائيل، بل دليلٌ أيضًا على أن الدوافع الدينية غير قادرةٍ على إنتاج ثقافة التضحية والتفاني في سبيل القضية. على عكس ما يدّعيه الصهاينة، أثبت الحريديم أنفسهم أنهم ليسوا فقط رافضين للحرب، بل يحاولون استغلال الأزمة للحصول على المزيد من التنازلات من الدولة.
دولة بلا شعب؛ نقطة ضعف إسرائيل الجوهرية
تُعدّ أزمة قانون التجنيد الإلزامي للحريديم دليلاً على غياب الأمة الحقيقية في بنية المجتمع الإسرائيلي. فالنظام الذي يفتقر إلى هوية وطنية متماسكة وتماسك اجتماعي لا يمكنه الصمود في وجه أزمات كالحرب أو العقوبات. إن تزايد الهجرة العكسية، والهروب من مناطق الحرب، وتنامي الاحتجاجات الاجتماعية، والأجواء المتوترة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي الصهيونية، كلها تُثبت أن النظام الإسرائيلي يفتقر إلى المقومات الأساسية لنظام مستقر. وهذا ما دفع إسرائيل، حتى في الحرب الأخيرة، إلى بذل جهود حثيثة لوقف إطلاق النار، لأنها أدركت أنها لم تعد تمتلك المرونة والقدرة الداخلية على تحمل الضغوط. إن تهيئة مثل هذه الظروف في النظام السياسي والبنية الاجتماعية للنظام الصهيوني هو التحدي الرئيسي لنظام ينوي إنشاء دولة مستقرة بالاعتماد على الدعم العسكري والمالي من الولايات المتحدة والغرب، من خلال اغتصاب أرض الفلسطينيين المستعدين للتضحية بحياتهم لحمايتها، والقضاء على أي تهديد محتمل أو فعلي بالنفوذ العسكري.
ومع أن استحالة تحقيق مثل هذا الهدف كانت واضحة للجميع منذ أكثر من 70 عامًا منذ تأسيس النظام الصهيوني الزائف، إلا أن حرب الـ 12 يومًا الأخيرة بين هذا النظام والجمهورية الإسلامية الإيرانية أظهرت للعالم أكثر من أي وقت مضى أن هذا النظام يشبه بئرًا جافًا لا يمكن أن نأمل في أن يغلي ويبقى على قيد الحياة بمجرد صب دلاء من الماء فيه.
نورنيوز