نور نيوز- تُظهر الهجمات الروسية المكثفة وغير المسبوقة على أوكرانيا، والتي أُطلقت خلالها مئات الطائرات المسيرة والصواريخ على كييف والمراكز العسكرية الأوكرانية، أن موسكو تخلت فعليًا عن مسار الدبلوماسية. اتُخذ هذا القرار الاستراتيجي في الوقت الذي بذلت فيه روسيا سابقًا محاولات عديدة في شكل مفاوضات مع الولايات المتحدة وأوكرانيا، لكن فشل هذه المحادثات واستمرار المساعدات العسكرية الغربية لكييف دفعا روسيا إلى استنتاج أن القوة وحدها هي القادرة على تغيير المعادلات على الأرض. لم تستهدف الهجمات الأخيرة البنية التحتية العسكرية لأوكرانيا فحسب، بل أرسلت أيضًا رسالة واضحة إلى الغرب بخسائر فادحة مفادها أن عصر الاسترضاء قد ولّى.
ترامب، الذي قدّم نفسه يومًا ما مؤيدًا لإنهاء الحرب، لعب دورًا محوريًا في تصعيد الصراع بدعمه تعزيز الدفاعات الجوية الأوكرانية والضغط على أوروبا لإرسال مساعدات عسكرية. إضافةً إلى ذلك، تُعدّ التحركات الأمريكية داخل الناتو وزيادة حصة ميزانيات دفاع الدول الأعضاء دليلًا على عزم الغرب على مواصلة تطويق روسيا عسكريًا. تُدرك موسكو جيدًا أن مؤسسات مثل الناتو ليست سوى أدوات أمريكية للضغط وتوسيع النفوذ الغربي. من وجهة نظر روسيا، تُعتبر الشحنات الضخمة من الأسلحة من أوروبا إلى أوكرانيا محاولةً لمواصلة الحرب بالوكالة والتآكل التدريجي للقوة العسكرية لموسكو.
راقبت روسيا عن كثب المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية، وشهدت على نقض واشنطن لوعدها، وخداعها، وعدوانها على طهران. بدءًا من دعم الولايات المتحدة لهجمات النظام الصهيوني على إيران، ووصولًا إلى قصف المنشآت النووية، اتضح لروسيا تمامًا أن الولايات المتحدة لم تكن ملتزمة بأي اتفاق. أظهرت هذه التجربة المشتركة بين إيران وروسيا أن الدبلوماسية الأمريكية كانت غطاءً لمواصلة الضغط والأعمال العدائية. لذلك، خلصت روسيا إلى أنه كما تضمن إيران أمنها بالاعتماد على قوتها الداخلية وردّها الحاسم، ينبغي على موسكو أيضًا اتباع نهج مماثل وتعزيز استراتيجيتها الميدانية من خلال زيادة الهجمات على أوكرانيا.
كشف الصمت الكبير للمؤسسات الدولية تجاه جرائم الكيان الصهيوني ضد إيران والإبادة الجماعية في غزة، إلى جانب الإدانة السريعة للهجمات الروسية على أوكرانيا، مرة أخرى عن الوجه المزدوج لهذه المنظمات وفقدانها للمصداقية. برز الأمين العام للأمم المتحدة، الذي رفض إدانة العدوان على إيران، الآن كمدافع عن السلامة النووية لأوكرانيا. دفعت هذه المعايير المزدوجة الدول المستقلة إلى الاعتقاد بأن المؤسسات العالمية تفتقر إلى الاستقلالية ولا يمكن الاعتماد عليها لضمان السلام العالمي. وقد أدى هذا التشهير إلى طرح فكرة الانسحاب من الوكالات وإعادة تعريف معادلات الأمن خارج الأطر الغربية بجدية أكبر من أي وقت مضى في الأوساط السياسية.
نورنيوز