معرف الأخبار : 225843
تاريخ الإفراج : 5/27/2025 3:29:44 PM
ظلال الثقة تخيم فوق الخليج الفارسي؛ خطوة بزشكيان على طريق دبلوماسية الجوار

ظلال الثقة تخيم فوق الخليج الفارسي؛ خطوة بزشكيان على طريق دبلوماسية الجوار

توجه الرئيس بزشكيان اليوم الى سلطنة عُمان تلبية للدعوة الرسمية من سلطان عُمان، ومن أجل تعزيز العلاقات مع هذا الجار المحترم والوسيط الموثوق دائما،والاعراب عن امتنان الشعب الإيراني للدور الخيري والملتزم والبناء للحكومة العُمانية في استضافة المفاوضات غير المباشرة، وبالتالي فإن هذه الزيارة ستكون نقطة تحول في تعميق العلاقات الشاملة بين البلدين.

ونظرا لدورها البناء والملتزم في لعب دور الوسيط في المفاوضات الايرانية-الامريكية غير المباشرة، اصبحت سلطنة عُمان في هذه الأيام، محل اهتمام ليس فقط الدبلوماسيين وخبراء السياسة الخارجية، بل أيضا الشعب الايراني الذي يأمل أن تكون نتيجة هذه المفاوضات رفع العقوبات وتحسن ملموس في سبل عيشهم اليومية.

تمتاز العلاقات العمانية الإيرانية بتاريخها الحافل بالتفاهم والإيجابية،وتعد سلطنة عُمان جارة مسالمة وصديقة لايران منذ زمن طويل، ورغم أن تاريخ هذه العلاقات الطيبة يعود إلى ما قبل الثورة الاسلامية، إلا أنه بعد الثورة ازداد عمق ونطاق هذه العلاقات بشكل ملموس، إلى الحد الذي أصبحت فيه هذه السلطنة اليوم بمثابة صديق محترم وشريك موثوق به للجمهورية الإسلامية.

وبعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية، وبينما كان العديد من جيران إيران، وخاصة الدول العربية، لا يزالون في خضم إعادة تعريف علاقاتهم مع النظام الايراني الجديد،كان يوسف بن علوي وزير الخارجية العماني آنذاك من أوائل المسؤولين العرب الذين سافروا إلى إيران والتقوا وتحدثوا مع مفجر الثورة الاسلامية الايرانية الإمام الخميني (رض)،وفي الوقت الذي قطعت فيه العديد من الدول الغربية علاقاتها مع إيران، وافقت سلطنة عمان على حماية مصالح الجمهورية الإسلامية في دول مثل بريطانيا وكندا.

دور عُمان المستمر والبناء في فض النزاعات

ومع اندلاع الحرب المفروضة (الحرب الإيرانية-العراقية /1980-1988)، كانت عُمان أول دولة عربية تتبع نهجا مغايرا عن الدول العربية الأخرى في المنطقة،بحيث انها لم تقدم أي دعم للعراق فحسب، بل لم تسمح أيضا لنظام البعث باستخدام أراضيها لمهاجمة الجزر الإيرانية تنب الكبرى وتنب الصغرى وابو موسى، كما لنها لم تستجب للدعوة التي وجهتها الدول العربية لفرض عقوبات وعزل دبلوماسي واقتصادي على إيران.

هذا، ولعبت ايضا سلطنة عُمان دور الوسيط في وقف هذه الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات، واستضاف السلطان قابوس محادثات سرية بين وفدين إيراني وعراقي في مسقط. علاوة على ذلك، وفي فترة احتجاز الدبلوماسيين الأمريكان كرهائن في إيران بعد الثورة، لعبت عمان دورا هاما في التوسط و ساهمت في حل أزمة الرهائن الأولية، التي كانت بمثابة بداية للعلاقات المتوترة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة.

واستمرارا لنهجها المحايد تجاه منطقة الشرق الأوسط المتقلبة،ظهرت عُمان ايضا كوسيط خيري وتمكنت من حل مسائل تتعلق بايران بطريقة مقبولة، مثل إطلاق سراح البحارة البريطانيين المحتجزين كرهائن في الخليج الفارسي، وتبادل الأسرى وقضايا مماثلة.

ولطالما اعتمدت سلطنة عُمان سياسة تجنب الدخول في المنافسات الإقليمية وتجنب الانحياز والصراع في هذه المنطقة التي تعاني من الأزمات،وهذا الامر لا يعني أبدا "اللامبالاة" تجاه القضايا الراهنة في المنطقة أو حتى على الساحة الدولية،فقد لعبت عُمان دائما دورا إيجابيا وبناء في حل مثل هذه الصراعات، ومنها استئناف وتحسين العلاقات الإيرانية-السعودية في آذار/مارس 2023.

عُمان؛ جارة تتوافق مع مصالح إيران وحلفائها الاستراتيجيين

وكما هو واضح، فإن سلطنة عُمان ، الجارة العربية لايران لم تدعم قط التوجهات العدائية لبعض العرب في المنطقة ضد إيران، ولم تتخذ قط موقفا معاديا للجمهورية الإسلامية في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، حتى انها لم تشارك في اجتماعات سادها اجواء معادية لإيران، بل أنها أثرت على الأجواء السائدة وكسرت الأجواء المعادية لإيران من خلال الاحتجاج وعدم دعمها.

ومن جهة اخرى،و بالإضافة إلى مراعاة مصالح إيران في الصراعات الثنائية وحماية حقوق ومصالح الجمهورية الإسلامية في المحافل الدولية والإقليمية، فقد كانت سلطنة عُمان هذا البلد الصديق دائما منتبها لمصالح الحلفاء الاستراتيجيين؛وأهم دليل على ذلك هو عدم انضمامها إلى التحالف الذي قادته السعودية في عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين وأنصار الله في اليمن عام 2015، ومن جهة اخرى لم تشارك في الحرب التي قادها الحوثيون، على الرغم من انضمام كافة دول مجلس التعاون الخليجي إليها. وبهذا الإجراء، أظهرت أن ليس الجمهورية الإسلامية ومصالحها المباشرة والفورية فحسب، بل وحلفاء إيران وعمقها الاستراتيجي مهمون بالنسبة لها، ولن تقدم على أي خطوة ضد مصالحهم.

وهنا تجدر الاشارة الى نقطة مضيئة أخرى في السجل السياسي العُماني، والتي تتوافق مع وربما تتفق تماما مع السياسات الأساسية للجمهورية الإسلامية، وهي رفض البلاد الانضمام إلى "الحلف الإبراهيمي" وخطة تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، في ظل وضع كانت فيه الدول العربية في المنطقة تتنافس مع بعضها البعص في هذا الصدد، على الأقل قبل "طوفان الأقصى"! ولم تنضم عُمان إلى هذه المعاهدة المشؤومة فحسب، بل إن برلمانها صوت على توسيع العقوبات ضد الكيان الإسرائيلي، ووافق على حظر العلاقات الرياضية والثقافية والاقتصادية مع هذا الكيان.

وعليه، فقد رفعت هذه المواقف من مكانة سلطنة الجارة العادية إلى صديق موثوق وحليف استراتيجي لإيران.وبناء على هذه الثقة التاريخية، فإن الجمهورية الإسلامية كانت وستظل دائما تضع سلطنة عُمان في مقدمة أولوياتها في الحالات التي تتطلب فيها قضاياها المعقدة والصعبة على المستوى الدولي وجود وسيط، وهذا ما نشهده في هذه الأيام حيث تلعب سلطنة عُمان دور الوسيط بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة في القضية البعيدة المدى المتمثلة في المفاوضات النووية.

والجدير بالذكر انه من المؤكد أن تاريخ الوساطة العُمانية في هذا الشأن يعود إلى عهد رئاسة الحكومة الايرانية العاشرة؛ حيث تناول قائد الثورة الاسلامية هذه القضية خلال لقاء رمضاني مع مسؤولي النظام في 23 حزيران/يونيو 2015، وفي معرض تقديمهم لتاريخ موجز لعملية التفاوض مع الأمريكان، وصف سماحته السلطان قابوس، سلطان عُمان آنذاك،و الذي سافر إلى إيران لغرض الوساطة، بأنه "أحد الشخصيات المحترمة في المنطقة".

وذكر قائد الثورة الاسلامية حينها :خلال رئاسة الحكومة الايرانية العاشرة، جاءت شخصية محترمة في المنطقة وقالت إن الرئيس الأمريكي طلب منها الحضور إلى طهران وعرض طلب أمريكا للتفاوض، ونقل رسالة مفادها أننا نريد الاعتراف بإيران كقوة نووية ورفع العقوبات خلال ستة أشهر؛ قلنا إننا لا نثق بأمريكا، ولكن بإصرار ذلك الوسيط، وافقنا على التفاوض مجددا."

وبعد ذلك، لعبت عُمان دورا مماثلا في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي (خطة العمل المشترك الشاملة)، بحيث انها قبل البداية الرسمية للمحادثات بين إيران ومجموعة 5+1، استضافت عُمان وفودا من هذه الدول ولعبت دورا مهما في صياغة المحادثات التي أدت إلى هذا الاتفاق النووي عام 2015.

وهكذا،كان دور سلطنة عُمان في هذه المفاوضات عظيما إلى درجة أنه حتى بعد انسحاب ترامب أحادي الجانب من الاتفاق النووي، كان كثيرون يتوقعون كلما سافر وفد عُماني إلى إيران أنه يحمل رسالة تدعم استئناف المفاوضات، وأن يبحث في أمتعته عن تذكار من إحياء الاتفاق النووي.

عُمان الوسيط الدائم والموثوق به في العلاقات الإيرانية-الأمريكية

ووفقا للمستجدات الاخيرة، وخلافاً للتقليد، كانت الإمارات هي التي حملت رسالة الرئيس الأميركي إلى إيران في اذار/ مارس الماضي،والتي تضمنت استعداد امريكا للتفاوض، والأرجح أن الإماراتيين والمرسل كانوا يتوقعون أن يعود رد إيران إلى مصدره من خلال القناة نفسها التي جاء منها!

ولكن بدلاً من القبول السلبي بالوسيط الذي اختاره الجانب الامريكي استنادا إلى اعتباراته الخاصة، بادرت الجمهورية الإسلامية إلى إرسال ردها عبر شريكتها الموثوقة،سلطنة عُمان. وذلك، تكريما لصداقتها الدائمة مع هذا الجار الموثوق، ولترسيخ دور عُمان كوسيط رئيسي في العلاقات الإيرانية- الأمريكية، وللتأكيد على فكرة أن إيران لا تثق بالجهات الفاعلة المتحالفة مع الكيان الإسرائيلي ولا تسمح للأطراف التي كانت على خلاف دائم مع إيران بأن تجد لنفسها مكانا في قضية مهمة كهذه وتستخدم ذلك كغطاء للحصول على الشرعية الدبلوماسية.

وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية الايرانية "عباس عراقجي" في تصريح له بتاريخ 27 آذار /مارس 2025، أن "سلطنة عُمان لعبت هذا الدور نفسه في الماضي، سواء في مفاوضات الاتفاق النووي أو في السنوات القليلة الماضية في التفاعلات التي كانت قائمة في حكومة الشهيد اية الله رئيسي،موضحا بان ايران لديها تجربة جيدة في عُمان، وتثق في حسن نوايا هذه السلطنة ، وهناك علاقات طيبة بين البلدين، لذلك كان اختيار عُمان خيارا طبيعيا تماما.

وبالتالي،وفي إطار استمرار هذه العملية، بدأت المفاوضات الايرانية-الامريكية غير المباشرة في مسقط وروما، بوساطة واستضافتها سلطنة عُمان، وانعقدت خمس جولات حتى الان.

وبطبيعة الحال، ليس من المبالغة أن نزعم أن سلطنة عُمان، إلى جانب دورها كوسيط ومضيف، كانت أيضا إلى حد ما، الطرف الثالث غير المرئي في هذه المفاوضات، ويتجلى هذا الامر في مقترحات العُمانيين لكسر الجمود في المفاوضات، والذي نشأ بسبب المطالب المبالغ فيها وغير القانونية من قبل الجانب الآخر، كما لعب العُمانيون دور المتحدثين باسم هذه المفاوضات، وقدموا معلومات حول سير عمليتها ونتائجها.

ومما لاشك فيه، أنه مهما كانت نتيجة هذه المفاوضات فإن مكانة هذا البلد، الجار الجنوبي الموثوق به سوف تتعزز بالنسبة لايران حكومة وشعبا، كما ان حسن نيته وإرادته الطيبة في إنهاء هذا الصراع طويل الأمد سوف يزيد من احترام عُمان ومصداقيتها لدى الشعب الإيراني.

وهنا يشار الى ان العلاقات الاستراتيجية محكمة بين البلدين حيث ان نوعية وكمية العلاقات الثنائية، رغم أنها لم تتغير مع مجيء وذهاب الحكومات ذات التوجهات السياسية المختلفة في إيران، فقد استمرت على نفس مسار الصداقة والثقة منذ رحيل السلطان قابوس وبداية حكم السلطان هيثم بن طارق.وحاليا، فإن الرئيس الإيراني بزشكيان هو الرئيس الخامس الذي يسافر إلى بلد يمكن أن يشار إليه حقا، وليس بالضرورة وفقا للأعراف الدبلوماسية، بأنه "صديق وأخ" للتأكيد على استمرار العلاقات البناءة دائما والصداقة الدائمة بين هذين البلدين والشعبين.

تأتي زيارة عُمان في اطار تعزيز العلاقات مع الجارة المحترمة وتعزيز الدبلوماسية الإقليمية

وكخلاصة يمكن القول ان  زيارة بزشكيان ،رئيس حكومة الوفاق، إلى عمان، بغض النظر عن موضوع المفاوضات، هي قبل كل شيء انعكاس لجهود الحكومة الرابعة عشرة لتعزيز العلاقات مع جيرانها، وتعزيز الدبلوماسية الإقليمية، والاستفادة من قدرة هذا البلد المجاور لتحقيق شعاره وسياسته في السلام.

وهكذا،يتوجه بزشكيان إلى سلطنة عُمان ليعرب عن امتنان وتقدير الشعب الإيراني للدور الخيري والملتزم والبناء الذي لعبته الحكومة العُمانية في استضافة المفاوضات الايرانية-الامريكية غير المباشرة ، كما أكد في لقاء أجراه مؤخرا مع وزير خارجية عُمان، أن هذه الزيارة ستكون نقطة تحول في تعميق العلاقات الشاملة بين البلدين، وأن آثارها وإنجازاتها ستجلب فوائد ملموسة للشعبين.

وفي هذا اللقاء أكد الرئيس بزشكيان ايضا على استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتوسيع التبادلات والتعاون في جميع المجالات التجارية والسياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية مع الدول الإسلامية، وخاصة دولة عمان الصديقة والشقيقة، وأعرب عن أمله في أنه من خلال التعاون والتآزر الأكبر بين دول المنطقة، يمكن بناء منطقة يعيش شعوبها في سلام ورخاء وراحة وعدالة.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك