نورنيوز- انعقدت خمس جولات من المحادثات غير المباشرة بين إيران وأمريكا في أجواء غير رسمية وبوساطة سلطنة عمان، دون أن تقدم الولايات المتحدة حتى مقترحا مكتوبا واحدا. وقال وزير الخارجية الإيراني للصحفيين مؤخراً: "الجانب العماني اقترح حلولا لإزالة العقبات، وهي قيد الدراسة". ويشير هذا التأكيد ضمناً إلى أن الولايات المتحدة لم تقدم أي خطة، بل إن سلطنة عمان تعمل على ملء هذا الفراغ ودفع المحادثات نيابة عن واشنطن.
في حين وضعت إيران، بحسب الإعلانات الرسمية، خطة مكتوبة ومحددة على الطاولة لدفع المفاوضات إلى الأمام، فإن الجانب الأميركي، برفضه تقديم مقترح مكتوب، يطبق استراتيجية محددة في اللعبة الدبلوماسية: استراتيجية الحفاظ على حالة عدم اليقين للسيطرة على النتائج، من دون قبول تكاليف سياسية أو قانونية.
في نظرية الألعاب، عندما يشارك لاعبان في لعبة "غير محصلتها صفر"، يمكن أن تكون النتيجة فوزًا للطرفين أو خسارة للطرفين. ولكن من خلال رفض تحديد قواعد ثابتة، تسعى الولايات المتحدة إلى تحويل هذه اللعبة إلى لعبة مفتوحة ذات قواعد متغيرة.
في واقع الأمر، من خلال الحفاظ على "الغموض الاستراتيجي"، تحاول الولايات المتحدة وضع نفسها في موقف يسمح لها بمغادرة اللعبة في أي لحظة، أو تغيير القواعد، أو رمي الكرة في ملعب إيران.
ومن ناحية أخرى، حاولت إيران توجيه اللعبة نحو "لعبة مغلقة باستراتيجية محددة" من خلال تقديم خطة محددة. حيث يجب على كل طرف أن يتحمل المسؤولية، وأن يلتزم، وأن يدفع تكلفة سياسية وقانونية لكل قرار.
في ظل الأجواء عالية المخاطر ومتعددة الطبقات التي تتسم بها الدبلوماسية النووية، فإن ما يبدو وكأنه غياب لوثيقة بسيطة من جانب الولايات المتحدة في المفاوضات الإيرانية الأميركية الأخيرة هو في الواقع جزء من لعبة استراتيجية معقدة وعميقة مصممة على أساس نظرية الألعاب. إن الولايات المتحدة، باعتبارها طرفاً له تاريخ في تصميم الألعاب الغامضة، فإنها في هذه الجولة من التفاعلات، ومن خلال رفضها تقديم "خطة مكتوبة"، تعمل فعلياً على إعادة كتابة قواعد اللعبة لصالحها والاستفادة من "الغموض البنيوي".
في إطار نظرية اللعبة، عندما يوضح أحد الأطراف قواعد اللعبة من خلال تقديم خطة محددة، فإنه في الواقع يمهد الطريق للعبة محدودة ومحددة وقابلة للتنبؤ. لعبة حيث ستكون المسؤولية وتبادل النقاط والتكاليف الاستراتيجية جزءًا من العلاقة. ولكن من خلال تجنب الدخول في مثل هذه اللعبة، فإن أميركا تبقي اللعبة "مفتوحة" وبدون نقطة محورية. وفي هذا البناء، يصبح الجانب الأميركي هو الفاعل "الغامض"، ليس فقط في المعنى، بل أيضاً في تصميم الاستراتيجية؛ حتى يتمكن من التعامل مع سيناريوهات متعددة في نفس الوقت، دون الالتزام بأي منها.
هذا النمط يذكرنا بالسلوكيات التكتيكية في الألعاب التي تعتمد على معلومات غير كاملة؛ حيث يقوم أحد الممثلين بتعطيل قدرة الخصم على اتخاذ القرار من خلال إخفاء أهدافه وخططه وأولوياته. وباستخدام أداة "الغموض التكتيكي" ومن خلال القناة الوسيطة العمانية، تختبر الولايات المتحدة بشكل فعال النموذج السلوكي الإيراني في غياب البيانات النهائية. وهذا يشبه مرحلة الاختبار في الألعاب التفاعلية؛ حيث يحاول الممثل النشط استخراج نمط رد الفعل المحتمل للطرف الآخر في السيناريوهات المستقبلية من استجاباتهم لمحفزات محدودة، دون الدخول في اللعبة الفعلية.
من ناحية أخرى، حاولت إيران نقل اللعبة من شكلها "العائم" إلى شكلها "المتماثل" من خلال تقديم مقترح محدد. في هذا النوع من الألعاب، يتوجب على كل لاعب أن يحدد مواقفه والتزاماته وخطوطه الحمراء. إن الدخول في اللعبة المتماثلة، على الرغم من تكلفتها، يسمح بإدارة أكثر عقلانية؛ لأن اتخاذ القرار يعتمد على افتراضات واضحة، وليس على الغموض.
نورنيوز