يبدو أن إشارة روبيو كانت إلى «آلية الزناد». هذه الفقرة المدرجة في الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة ) والتي لا تزال سارية المفعول حتى 17 أكتوبر 2025، تؤدي في حال تفعيلها إلى إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
قال ماركو روبيو يوم الجمعة 18 أبريل، بعد لقائه قادة الدول الأوروبية في باريس: «على الأوروبيين أن يقرروا، لأنني أرى أننا جميعاً يجب أن نتوقع قريباً أن نتلقى تقريراً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يفيد بأن إيران لم تلتزم بتعهداتها فحسب، بل اقتربت بشكل خطير من صنع سلاح نووي، أقرب مما كانت عليه في أي وقت مضى.»
وأضاف وزير الخارجية الأمريكي أن حكومة الولايات المتحدة تسعى إلى حل سلمي مع إيران، لكنها لن تتسامح أبداً مع وصول هذا البلد إلى سلاح نووي
في المقابل ، هددت إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية (NPT) ، ما يمثل تحديًا كبيرًا للنظام الدولي أحادي القطبية لمنع انتشار الأسلحة النووية ، ويحمل تبعات إقليمية ودولية قد تغير موازين القوى في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، يرتبط التهديد بتطورات متعددة، منها آلية الزناد (Snapback Mechanism) المنصوص عليها في الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) وقرار مجلس الأمن 2231، بالإضافة إلى المفاوضات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة، وأهمية التوصل إلى اتفاق متوازن يحترم حقوق إيران في استخدام التقنية النووية سلميًا مع ضمان عدم تطوير أسلحة نووية.
في هذا المقال ، سنناقش التأثير الإقليمي لهذا التهديد، ودور آلية الزناد، وتطورات المفاوضات، وأهمية التوصل إلى حل عادل.
معاهدة حظر الأسلحة النووية (NPT): خلفية وأهمية
تُعد معاهدة حظر الأسلحة النووية (NPT)، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1970 وانضمت إليها 191 دولة بما في ذلك إيران، الركيزة الأساسية لمنع انتشار الأسلحة النووية عالميًا. تهدف المعاهدة إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
* منع انتشار الأسلحة النووية: تلتزم الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، مثل إيران، بعدم تطوير أو امتلاك هذه الأسلحة.
* تعزيز الاستخدام السلمي للطاقة النووية: تمنح الدول الأطراف الحق في تطوير التقنية النووية لأغراض سلمية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
* نزع السلاح النووي: تلتزم الدول الحائزة للأسلحة النووية بالعمل تدريجيًا نحو التخلص من ترساناتها.
تساهم المعاهدة في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والدولي من خلال تقليل مخاطر سباق التسلح النووي وبناء الثقة بين الدول. بالنسبة لإيران، فإن التزامها بالمعاهدة يعني السماح بتفتيش منشآتها النووية لضمان الامتثال، مقابل حقها في الاستفادة من التعاون النووي السلمي.
تهديد إيران بالانسحاب من المعاهدة
في السنوات الأخيرة، أثارت إيران احتمال انسحابها من المعاهدة كرد فعل على الضغوط الدولية المتصاعدة، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية الأمريكية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، والمخاوف من تفعيل آلية الزناد. يعكس هذا التهديد إحباط إيران من عدم تحقيق الفوائد الاقتصادية المتوقعة من الاتفاق النووي، فضلاً عن شعورها بأن حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية يُعرقل بسبب القيود الدولية.
الأسباب المحتملة للتهديد:
* العقوبات الأحادية: فرضت الولايات المتحدة عقوبات مشددة على إيران بعد انسحابها من الاتفاق، مما أثرعلى اقتصادها.
* التوترات الإقليمية: مواجهة إيران لضغوط من دول مثل إسرائيل والسعودية التي تعارض برنامجها النووي.
* الضغط الدولي: محاولات الدول الغربية فرض شروط إضافية على إيران في المفاوضات.
التأثير الإقليمي لتهديد إيران بالانسحاب
إذا نفذت إيران تهديدها بالانسحاب من المعاهدة، فإن ذلك قد يُشعل سلسلة من التطورات الخطيرة في الشرق الأوسط، مما يهدد الاستقرار الإقليمي. فيما يلي تحليل تفصيلي للتأثيرات المحتملة:
1. سباق تسلح نووي في المنطقة
* السعودية: كمنافس إقليمي رئيسي لإيران، قد تسعى السعودية لتطوير برنامج نووي خاص بها، مستفيدة من مواردها المالية وعلاقاتها مع الدول الغربية.
* تركيا: كدولة ذات طموحات إقليمية، قد ترى تركيا في انسحاب إيران تهديدًا يدفعها للسعي نحو قدرات نووية للحفاظ على توازن القوى.
* مصر: على الرغم من تركيزها الحالي على التنمية الاقتصادية، قد تجد مصر نفسها مضطرة للنظر في خيارات نووية إذا تصاعدت التوترات.
* هذا السباق قد يؤدي إلى انتشار الأسلحة النووية في منطقة تعاني أصلاً من عدم الاستقرار.
2. رد فعل الكيان الصهيوني
* يمتلك الكيان الصهيوني أسلحة نووية غير معلنة، وتتبنى سياسة "الغموض النووي". انسحاب إيران قد يدفعها للخروج عن هذا الغموض أو اتخاذ إجراءات عسكرية استباقية، مثل ضرب منشآت إيران النووية، مما يزيد من مخاطر الحرب الإقليمية.
3. زيادة التوترات مع دول مجلس التعاون الخليجي
* دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السعودية والإمارات، تعتبر إيران تهديدًا استراتيجيًا. انسحاب إيران من المعاهدة قد يعزز مخاوفها، مما يدفعها لتعزيز تحالفاتها العسكرية مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أو السعي لامتلاك أسلحة نووية.
4. تأثير على الاستقرار العام
* تصعيد التوترات قد يؤدي إلى مواجهات عسكرية، انهيار الاقتصادات الإقليمية بسبب العقوبات أو الحروب، وتفاقم الأزمات الإنسانية في دول مثل اليمن وسوريا وحتى العراق، التي تعاني من تدخلات إقليمية.
آلية الزناد (Snapback Mechanism) وتأثيرها
ما هي آلية الزناد؟
* آلية الزناد جزء من الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) وقرار مجلس الأمن 2231، وتتيح لأي دولة موقعة على الاتفاق (مثل الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية) تقديم شكوى إلى مجلس الأمن إذا رأت أن إيران تنتهك التزاماتها.
* في حال تقديم الشكوى، تُعاد فرض العقوبات الدولية السابقة على إيران تلقائيًا خلال 30 يومًا، ما لم يصدر قرار من مجلس الأمن بمنع ذلك.
* الدول الغربية، وبفضل حق النقض (الفيتو)، تمتلك القدرة على ضمان إعادة العقوبات بسهولة.
تأثيرها على إيران
* إذا تم تفعيل الزناد، ستواجه إيران عقوبات اقتصادية وتجارية قاسية، تشمل حظر تصدير النفط وتجميد الأصول، مما قد يفاقم أزمتها الاقتصادية الداخلية.
* هذا الضغط قد يدفع إيران إلى الانسحاب من المعاهدة كخطوة تصعيدية للرد على "الظلم" الذي تراه في النظام الدولي.
العلاقة بالتهديد
* تهديد إيران بالانسحاب يأتي كجزء من استراتيجية للضغط على الدول الغربية لتجنب تفعيل الزناد، أو لإجبارها على تقديم تنازلات في المفاوضات.
المفاوضات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة
تشهد المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة تطورات متباينة، حيث تسعى كل طرف لتحقيق أهدافه الاستراتيجية:
مواقف الأطراف
* الولايات المتحدة: تسعى لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع شروط إضافية، مثل تقييد برنامج إيران الصاروخي والحد من نفوذها الإقليمي.
* إيران: تطالب برفع العقوبات بالكامل، وضمانات بعدم انسحاب أمريكي جديد، والاعتراف بحقها في التقنية النووية السلمية.
آخر التطورات
* أكدت وزارة الخارجية الإيرانية ضرورة معالجة "التناقضات" في الموقف الأمريكي، مشيرة إلى احتمال تغيير مكان المفاوضات غير المباشرة.
* منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران مهلة شهرين لقبول اتفاق جديد، مهددًا بتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة إذا فشلت المفاوضات.
التحديات
* انعدام الثقة: انسحاب أمريكا السابق من الاتفاق أضعف ثقة إيران بالتزامات الغرب.
* الجبهة الداخلية: برغم كل التهويل الإعلامي عن ضغوط داخلية، برز التماسك الداخلي كأولوية بحد ذاته، بغضّ النظر عن نتائج المفاوضات، نظراً لكون قرار إجراء المفاوضات قد اتُخذ جماعياً من قبل مؤسسات النظام برمته ، وبُني على آليات قانونية وتشاورية جماعية.
* و مع استمرار الثقة في فريق التفاوض ، خصوصاً بشخص رئيس الفريق بصفته "الممثل الأعلى للجمهورية الإسلامية"، تٌظهر طهران جدية واضحة للتوصل إلى اتفاق يضمن مصالحها العليا وفق قاعدة "العزة ، المصلحة، والحكمة".
* التدخلات الخارجية: معارضة الكيان الصهيوني والسعودية لأي تنازلات لإيران قد تعقد الجهود الدبلوماسية، لكن يبدو حتى الآن، أن ترامب ماض في النهج الدبلوماسي مع إيران.
التقدم المحرز
* على الرغم من التقدم البطيء، فإن استمرار الحوار غير المباشر يشير إلى رغبة مشتركة في تجنب التصعيد العسكري.
أهمية التوصل إلى اتفاق عادل
لماذا الاتفاق ضروري؟
* حق إيران في التقنية النووية السلمية: كدولة طرف في المعاهدة، تمتلك إيران الحق تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية، مثل توليد الكهرباء والبحث العلمي و الزراعة والغذاء والطب واستكشاف الفضاء وتحلية المياه.
* منع الانتشار النووي: ضمان عدم تطوير إيران لأسلحة نووية يحمي المنطقة من سباق تسلح كارثي.
* تعزيز الاستقرار: الاتفاق يمكن أن يقلل التوترات المفتعلة من قبل الغرب والكيان الصهيوني بين إيران وجيرانها، ويفتح آفاق التعاون الاقتصادي والتكنولوجي.
شروط الاتفاق العادل
* الشفافية: التزام إيران بتفتيش منشآتها النووية لتبديد المخاوف الدولية.
* رفع العقوبات: تقديم حوافز اقتصادية لإيران مقابل الالتزام بالحدود النووية.
* التوازن: احترام حقوق إيران مع ضمان أمن الدول الأخرى.
الفوائد
* تقليل مخاطر الحرب الإقليمية.
* تعزيز الثقة بين إيران و مايسمى المجتمع الدولي.
* دعم التنمية الاقتصادية في إيران والمنطقة.
إذا فشلت المفاوضات و لجأت دول في الاتفاق إلى تفعيل آلية الزناد ، يُعد تهديد إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الأسلحة النووية نقطة تحول قد تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي. التأثير الإقليمي لهذا التهديد يشمل احتمالية اندلاع سباق تسلح نووي، تصعيد التوترات مع دول في المنطقة والكيان الصهيوني، وزعزعة الأمن في الشرق الأوسط.
آلية الزناد تضع إيران التعسفية تحت ضغط كبير ، بينما تعكس المفاوضات الأخيرة مع الولايات المتحدة إحتمالية التوصل إلى حل. فالتوصل إلى اتفاق عادل يمنح إيران حقها في التقنية النووية السلمية مع ضمان عدم انتشار الأسلحة النووية هو السبيل الأمثل لتجنب التصعيد، ويتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة من جميع الأطراف لتحقيق التوازن بين الحقوق والالتزامات.
في النهاية، ووفقا لتقرير موقع Axios، يوجد انقسام داخل إدارة ترامب في رئاسته الثانية بشأن سياسة التعامل مع إيران:
هناك معسكر يدعو إلى الدبلوماسية والمفاوضات، يقوده نائب الرئيس فانس، ومعسكر متشدد يرى ضرورة اتخاذ موقف أشد حدة ويضم مستشار الأمن القومي مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو.
فليكن الحوار هو الزناد الحقيقي الذي يفتح أفقًا أوسع من الاحتمالات، ويعزز دور الدبلوماسية في بناء ثقةٍ متبادلة تمنع الانسحاب وتؤسس لاتفاقٍ يسع الجميع.
نورنيوز