د. هناء سعادة- نظّمت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العاصمة الجزائرية مراسم إحياء الذكرى السنوية الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، وتأبينية مهيبة لروح سيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، وروح المستشار العسكري الإيراني، عباس نيلفروشان. شهدت هذه الفعالية حضورًا واسعًا من مختلف الفئات المجتمعية والسياسية، شمل شخصيات سياسية وبرلمانية ودينية وإعلامية مرموقة، بالإضافة إلى عدد من ممثلي الأحزاب الوطنية الجزائرية، على غرار حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم وحزب العمال وحزب الجزائر الجديدة، فضلا عن ممثلين عن جمعية العلماء المسلمين وبعض الفصائل الفلسطينية، على رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسـطين، ورئيس جمعية البركة، الذين عبّروا في كلماتهم عن امتنانهم وتقديرهم الكبير للدور الذي لعبته المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة الإستبداد والاحتلال الصهيوني.
وقد جاءت هذه المراسم في سياق تضامني واسع مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، إذ تندرج ضمن الجهود الدائمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لتأكيد الالتزام بدعم المقاومة في مختلف صورها، ومواصلة الوقوف في وجه الاعتداءات الصهيونية المستمرة على الشعبين الفلسطيني واللبناني.
كلمة السفير الإيراني: إشادة بالمقاومة وتأكيد على مواصلة الدعم
افتتح السفير الإيراني بالجزائر، السيد محمدرضا بابائي، المراسم بكلمة قوية ومؤثرة، أشاد فيها بالدور البطولي الذي تلعبه المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة الاحتلال الصهيوني. وركّز على الجرائم المستمرة التي يرتكبها هذا المحتل الغاشم، معتبرا إياها انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في كل من البلدين الشقيقين، والمتمثلة في قتل المدنيين العزل والتهجير القسري وتدمير المنازل والبنى التحتية واستهداف المستشفيات والأطقم الطبية، وأكّد سعادته أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستواصل دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين بكل ما تملكه من إمكانات حتى تحقيق النصر الكامل على الاحتلال، وأن هذا الدعم يشكل حجر الزاوية في السياسة الإقليمية لإيران التي تعتبر الدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها.
وفي سياق آخر، أشار السيد بابائي إلى أن إيران، وفي إطار حقها المشروع في الدفاع عن النفس، ردّت على الاعتداءات الصهيونية التي استهدفت قادة المقاومة، حيث نفذت القوات المسلحة الإيرانية تحت اسم "وعد صادق 2" عمليات انتقامية شملت أهدافا عسكرية صهيونية، مذكرا بأن المقاومة هي حق مشروع ومعترف به بموجب القوانين الدولية.
طوفان الأقصى: رسالة قوية ودلالات عميقة
ركّزت الكلمات التي ألقاها المتحدثون في سياق الذكرى السنوية الأولى لعملية "طوفان الأقصى" على أهمية هذا الحدث التاريخي وما يحمله من دلالات. وأوضح السفير الإيراني، في حديثه عن هذه العملية، أن "طوفان الأقصى" لم يكن مجرد رد فعل عسكري على الاعتداءات الصهيونية، بل كان تعبيرًا عن وحدة وصمود الشعب الفلسطيني في وجه آلة الحرب الصهيونية. وأكّد أن العملية شكلت تحولًا نوعيًا في ميزان القوى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، حيث أظهرت قدرة المقاومة على تنفيذ عمليات نوعية تكسر هيبة الاحتلال، وتعيد توجيه مسار الصراع لصالح القضية الفلسطينية.
وشدّد الحضور على أن "طوفان الأقصى" ليس مجرد حدث عابر، بل يمثل بداية لمرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال الصهيوني، حيث أصبحت المقاومة أكثر قدرة على توجيه ضربات قوية ومؤثرة في ميدان المعركة. كما وأشاروا إلى أن هذه العملية تعتبر رسالة واضحة للاحتلال الصهيوني وللمجتمع الدولي، مفادها أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم للضغوط وسيواصل نضاله حتى استعادة حقوقه كاملة.
دور الإعلام المقاوم في فضح جرائم الاحتلال
أحد المحاور الرئيسية التي تناولها المتحدثون خلال المراسم كان دور الإعلام المقاوم في مواجهة المؤامرات التي تستهدف الأمة الإسلامية. وأشاد الحضور بما حققته وسائل الإعلام المقاومة من نجاحات في فضح الجرائم الصهيونية وكشف حقيقة الاعتداءات أمام الرأي العام الدولي. وأكدوا أن الإعلام المقاوم يلعب دورًا محوريًا في معركة الوعي، حيث يساهم في توجيه الرأي العام وحشد التأييد للقضايا العادلة.
وأشار المتحدثون إلى أن الإعلام المقاوم لا يقتصر دوره على نقل الأخبار فحسب، بل يعمل على صياغة سرديات تعزز من تماسك الأمة الإسلامية وتصون حقوقها في مواجهة المخططات التي تسعى إلى تشويه الحقائق وتقويض نضالاتها. ودعوا الإعلاميين إلى توثيق جرائم الاحتلال ونقل معاناة الشعبين الفلسطيني واللبناني إلى العالم، معتبرين أن هذا التوثيق هو خطوة أساسية في تشكيل صورة عالمية دقيقة تكشف عن الوجه الحقيقي للاحتلال الصهيوني وخطورة مشروعه التوسعي على الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين.
الوحدة الإسلامية: السبيل الأمثل لمواجهة التحديات
أكد السفير الإيراني في الجزائر، محمدرضا بابائي، أن الجرائم الوحشية التي يرتكبها العدو الصهيوني تحدث في ظل صمت مخزٍ من الدول والمنظمات الدولية التي تدّعي دعم السلام وحقوق الإنسان. وأوضح أن هذا العدو لا يهدد الشعب الإيراني أو الفلسطيني أو اللبناني أو الجزائري فحسب، بل خطره يهدد كل الدول الإسلامية، مما يتطلب وحدة للصف، إذ أن تمكن العدو من تحقيق أهدافه في بلد معين سيفتح الباب لمزيد من الاعتداءات على دول أخرى. وأشار إلى المثل القائل: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، مُبرزًا ضرورة الوعي الجماعي وتحقيق التضامن بين الدول الإسلامية لمواجهة كل المخاطر التي تحدق بها.
ومن جهتهم، شدّد المتحدثون في كلماتهم أيضًا على أهمية الوحدة الإسلامية كدرع قوي لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الأمة. وأكدوا أن الأعداء يسعون دائماً لإثارة الفتن والخلافات بين المسلمين بهدف تفتيت وحدتهم وإضعاف موقفهم المشترك في مواجهة الاحتلال والدفاع عن القضايا الكبرى. وأشاروا إلى أن سيد حسن نصر الله كان من أبرز الداعمين لمفهوم الوحدة الإسلامية، حيث كانت خطاباته دائمًا تركز على ضرورة توحيد الجهود لمواجهة العدو الصهيوني وأعوانه في المنطقة.
الدور الإيراني والجزائري في دعم المقاومة
تناولت المداخلات أيضاً دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعم المقاومة، وأكد الحضور على أن إيران كانت ولا تزال الحليف الأقوى للمقاومة في كل من لبنان وفلسطين. وذكروا أن الدعم الإيراني ساهم في تعزيز قدرات المقاومة على الصمود في وجه الاعتداءات الصهيونية المتكررة، مشيرين إلى أن هذا الدعم لم يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل شمل أيضاً دعم الشعب الفلسطيني في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، مما يعكس التزام إيران الراسخ بقضية فلسطين باعتبارها قضية الأمة الإسلامية الأولى.
كما أعرب الحضور، وعلى رأسهم السفير الإيراني، عن تقديرهم الكبير للجزائر، مشيدين بمواقفها الثابتة والداعمة للقضايا العادلة في العالم الإسلامي، خاصة القضية الفلسطينية. وأشاروا إلى أن الجزائر لطالما كانت صوتاً مدافعاً عن حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.
استذكر الحاضرون معركة التحرير الجزائرية الباسلة، والتي فجرها مقاومون من خيرة رجال الجزائر في الفاتح من نوفمبر 1954، إذ أشاروا إلى أن عملية طوفان الأقصى البطولية، التي أظهرت صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني الغاشم، تُعيد إلى الأذهان نفس الروح الثورية التي حملها الشعب الجزائري في معركته ضد الاستعمار الفرنسي. وكما دفع الجزائريون ثمناً باهظاً في سبيل الحرية والاستقلال، فإن الشعب الفلسطيني اليوم يدفع من دمائه وأرواحه ثمناً لتحقيق هدفه في التحرر واستعادة حقوقه المسلوبة. فقد استشهد الملايين من الجزائريين خلال سنوات الثورة التحريرية، ومثلهم اليوم الفلسطينيون يدفعون الغالي والنفيس في سبيل قضيتهم العادلة.
كما وحث الحاضرون على مواصلة التمسك بالعزيمة القوية رغم الخسائر، مشيرين إلى أن الجزائر، التي فقدت معظم قادتها الرئيسيين في سنة 1958، أي بعد بضع سنين فقط من انطلاق الثورة المجيدة، لم تنكسر بل استمرت في مسيرتها نحو النصر بقيادة جيل جديد من القادة الذين تمكنوا من تحقيق الاستقلال. وشددوا على أن خسارة القادة ليست نهاية المسار، بل هي دافع لمواصلة النضال، وأكدوا أن روح المقاومة الفلسطينية واللبنانية يجب أن تبقى عالية مثلما كان الحال في الثورة الجزائرية، التي أصبحت اليوم رمزاً وأيقونة يحتذي بها كل من يسعى للتحرر من الاستعمار والظلم في مختلف أنحاء العالم.
عرض خطبة سيد علي خامنئي خلال الإحياء
تم خلال التأبينية عرض خطبة الجمعة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية، آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي، باللغة العربية، والتي تطرقت إلى التطورات الأخيرة في المنطقة، حيث تناول السيد العملية الانتقامية التي نفذتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأول من أكتوبر ضد أهداف استراتيجية للنظام الصهيوني، مؤكدًا على أهمية الوحدة الإسلامية في مواجهة التحديات المشتركة التي تتعرض لها الأمة الإسلامية. كما وبارك قائد الثورة الإسلامية عملية "طوفان الأقصى"، معتبرًا إياها تعبيرًا مشروعًا عن حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال والظلم الذي يتعرضون له.
وفي هذا السياق، شدّد سعادة السفير على أن الخطاب الذي ألقاه السيد خامنئي لم يكن مجرد تأكيد على المواقف السابقة لإيران، بل جاء مختلفًا، حيث تم تقديمه في جامع الإمام الخميني، وباللغة العربية، ما عكس رغبة إيران في إيصال رسائل مباشرة للشعوب العربية والإسلامية حول التزامها بقضايا الأمة.
توقيع سجل التعازي وانتقادات للمواقف المتخاذلة
وفي ختام المراسم، تم توقيع سجل التعازي تكريمًا لذكرى سيد حسن نصر الله ورفيقه عباس نيلفروشان، حيث أعرب الحاضرون عن تعازيهم العميقة وتضامنهم مع المقاومة والأشقاء اللبنانيين والفلسطينيين والإيرانيين. كما وجّه المتحدثون انتقادات شديدة لبعض الدول الإسلامية التي تدعم الاحتلال الصهيوني، مؤكدين أن هذا الخنوع لن يُنسى، وأن الشعوب الإسلامية ستظل واعية بالمؤامرات التي تحاك ضدها.
نص خطبة الإمام السيد علي الخامنئي
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رَبِّ العَالَمين، أحمَدُهُ وأستَعينُهُ، وأستَغفِرُهُ وأتوكّلُ عَليه، وأُصَلّي وأسلّمُ على حَبيبِهِ الرّسولِ الأعظم، سيّدنا محمّدٍ المصطفى (ص) وآلهِ الطّاهرينَ، لا سيّما على أمير المؤمنين، وحبيبته الزّهراء المرضيّة، والحسنِ والحسينِ سيّدَي شبابِ أهلِ الجنّة، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّدٍ بن عليٍّ باقرِ علمِ الأوّلينَ والآخرين، وجعفرِ بنِ محمّدٍ الصّادق، وموسى بن جعفرٍ الكاظم، وعليّ بن موسى الرّضا، ومحمّدِ بن عليٍّ الجواد، وعليِّ بنِ محمّدٍ الهادي، والحسنِ بن عليٍّ الزكيِّ العسكريّ، والحجّةِ بن الحسنِ القائمِ المهديّ، صلواتُ اللهِ عليهِم أجمَعين، وأُسلِّمُ على صَحبِهِ المُنتَجَبينَ ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين، وعلى حُماةِ المُستضعَفينَ ووُلاةِ المؤمِنين.
ارتأيتُ أن يكونَ تَكريمُ أخي وعزيزي ومَبعَثُ افتِخاري والشّخصيّةُ المحبوبةُ في العالمِ الإسلامي، واللسانُ البليغُ لشعوبِ المنطقة، ودُرّةُ لُبنانَ السّاطِعَةُ، سَماحَةُ السيّد حَسن نصرالله، رضوان الله تعالى عليه، في صلاةِ جُمعةِ طَهران، وسأتطرّقُ أيضًا لبعضِ النّقاط.
هذا الخطابُ موجّهٌ للأمّةِ الإسلاميّةِ جَمعاء، إلّا أنّهُ موجّهٌ بشكلٍ خَاصٍّ إلى الشّعبَينِ العَزيزَين اللُّبنانيّ والفلسطيني. نحنُ جميعًا مصابونَ ومَكلومونَ بِشهادة السيّدِ العزيز، إنّهُ لفِقدانٌ كبير، ولقد أفجعَنا بكلِّ معنى الكلمة. غيرَ أنَّ عزاءَنا لا يَعني الاكتئابَ واليأسَ والاضطراب، بل هو من سِنخ عزائِنا على سيّدِ الشهداءِ الحسين بن عليّ عليه السلام؛ يبعثُ الحياة، ويُلهمُ الدّروس، ويوقدُ العزائم، ويضخّ الآمال.
لقد غادرَنا السيّد حسن نصرالله بجسده، لكنَّ شخصيّتَهُ الحقيقيّةَ؛ رُوحَهُ، ونَهجَهُ، وصوتَهُ الصّادحَ، سَتبقى حاضرةً فينا أبدًا. لقد كان الرايةَ الرفيعةَ للمقاومةَ في وجه الشياطين الجائرينَ والناهبين، وكان اللسانَ البليغَ للمظلومينَ والمدافعَ الشّجاعَ عنهم، كما كانَ للمناضلينَ على طريقِ الحقّ سندًا ومشجّعًا، لقَد تخطّى نطاقُ شعبيّته وتأثيرُهُ حدودَ لبنانَ وإيرانَ والبلدانَ العربيّة، وستُعزّزُ شهادَتُه الآن مدى هذا التأثير.
إنّ أهمّ رسائلِهِ قولًا وعملًا، في حياتِهِ الدنيويّة، لكم يا شعبَ لبنانَ الوفيّ، كانت ألّا يساورَكُم يأسٌ واضطرابٌ بغيابِ شخصيّاتٍ بارزَةٍ مثلِ الإمام موسى الصدر والسيّد عبّاس الموسوي، وألّا يصيبَكُم ترديدٌ في مسيرةِ نضالِكُم. ضاعِفوا مَساعيَكُم وقُدُراتِكُم، وعزّزوا تَلاحُمَكُم، وقاوموا العدوَّ المُعتَدي وأفشِلوهُ بتَرسيخِ إيمانِكُم وتوكّلِكُم.
أعزائي، يا شعبَ لبنانَ الوفي، يا شبابَ حزبِ الله وحركة أمل المُفعَمَ بالحماسَة! يا أبنائي، هذا أيضًا طلبُ سيّدنا الشهيد اليوم من شعبه وجبهة المقاومة والأمّة الإسلاميّة جَمعاء.
العدوّ الخبيثُ الجبانُ، إذ عجزَ عن توجيه ضربة مؤثّرة للبنية المتماسكة لحزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي وغيرها من الحركات المجاهدة في سبيل الله، عَمَدَ إلى التظاهر بالنّصرِ من خلال الاغتيالات والتدمير والقصف وقتل المدنيّينَ وحرق قلوبهم.
لكن ما هي النتيجة؟ ما نجمَ عن هذا السلوك هو تراكمُ الغضب وتصاعدُ دوافعِ المقاومةِ، وظهورُ المزيدِ من الرجالِ والقادةِ والمضحّين، وتضييقُ الخناق على الذئب الدّموي، وبالتالي، إزالةُ الكيان الملطّخ بالعارِ من ساحةِ الوجود، إن شاء الله.
أيّها الأعزّة، القلوبُ المفجوعةُ تستلهمُ السكينةَ بذكر الله وطلب النّصرة منه. الدّمارُ سيُعوَّض، وصَبرُكم وثباتُكم سيُثمر عزّةً وكرامةً.
لقد كانَ السيّدُ العزيزُ طوالَ ثلاثينَ عامًا على رأسِ كِفاح شاقّ، وارتقى بحزب الله خطوةً بخطوة: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح، 29).
بتدبيرِ السيّد نما حزب الله مرحلةً بمرحلة، بصبرٍ وبنحو منطقيّ وطبيعي، وأبرزَ آثارَهُ الوجوديّةَ أمامَ أعدائهِ في المراحلِ المختلفةِ عَبرَ دَحرِ العدوِّ الصَّهيوني {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (إبراهيم، شطر من الآية 26).
حزب الله هو حقًّا شجرةٌ طيّبة، حزب الله وقائدُهُ الشهيدُ البطلُ هو عصارةُ فضائلِ لبنانَ في تاريخِهِ وهُويَّتِه.
نحن الإيرانيّون قَد عرفنا منذُ زمنٍ بعيدٍ لبنانَ وفَضائِلَه، فقد أغدقَ عُلماءُ لبنانيّونَ من فيض علمهم على إيران في العَهدين السّربِداري والصّفوِيّ خلال القرنِ الثامنِ والعاشرِ والحادي عَشرَ للهجرة، ومِنهُم محمّدُ بنِ مكّيٍّ العامليُّ الشهيد، وعليُّ بنُ عَبدِالعَالِ الكَركي، وزينُ الدينِ العامِلِيُّ الشهيد، والحسينُ بنُ عبدِالصّمَدِ العَامِلِي، وابنُه بَهاءُ الدّينِ المَعروفُ بالشَّيخِ البَهائِيّ وغَيرُهُم مِن رِجالِ الدّينِ والعِلم.
أداءُ الدّينِ للُبنانَ الجَريحِ المُدمَى هو واجبُنا وواجبُ المسلمينَ جميعًا. حزب الله والسيّدُ الشهيدُ بدفاعهِم عن غَزّةَ، وجهادهم من أجل المسجدِ الأقصى، وإنزالهِم الضربةَ بالكيانِ الغاصبِ والظالم، قد خَطوا خطوةً في سبيل خدمة مصيريّة للمَنطِقَةِ بأكملِها، والعالم الإسلامي كلّه. إنّ تركيزَ أمريكا وأذرُعِها على حِفظِ أَمنِ الكِيانِ الغاصبِ ليسَ سوى غطاءٍ لسياستِهم المُتبدّدة القاضيةِ بتحويلِ الكِيانِ إلى أداةٍ للاستحواذِ على جميعِ المواردِ الطبيعيّةِ لهذهِ المنطقة واستثمارِها في الصّراعاتِ العالميّةِ الكُبرى. هدفُ هؤلاءِ تحويلُ هذا الكِيانِ إلى بوابةٍ لتصديرِ الطاقةِ من المَنطِقَة إلى بلاد الغرب، واستيراد البضائعِ والتقانةِ من الغرب إلى المنطقة. وهذا يعني ضمانَ وجودِ المغتصبِ وجعلِ المنطقة بأجمعها تابعةً له.
والسلوكُ السفّاحُ والوقحُ لهذا الكيانِ تجاهَ المناضلينَ ناجمٌ عن الطّمعِ بتحقيقِ هذا الهدف.
هذا الواقعُ يبينُ لنا أن كلَّ ضربةٍ يُنزِلُها أي شخصٍ وأيّةُ مجموعةٍ بهذا الكيان، إنّما هي خدمةٌ للمَنطِقَة بأجمعها، بل لكلِّ الإنسانيّة.
لا ريبَ في أن أحلام الصهاينة والأمريكيّين هذه إنّما هي محضُ أوهامٍ مستحيلة. فالكيانُ ليس إلّا تلكَ الشجرةَ الخبيثةَ التي اجتُثَّت من فوقِ الأرض، وقد صدَقَ قولُهُ تعالى {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} (إبراهيم، شطر من الآية 26).
هذا الكيانُ الخبيث، بلا جذور، ومزيّفٌ ومتزعزع، وقد أبقى نفسه قائمًا بصعوبةٍ عبرَ ضخّ أمريكا الدعم له، ولن يُكتبَ له البقاءُ بإذن الله تعالى. والدليلُ الواضحُ على ذلكَ أنّه أنفق مليارات الدولارات في غزّةَ ولبنانَ منذُ عام، وأُغدِقَت عليهِ المساعداتُ المختلفةُ من أمريكا وعددٍ من الدولِ الغربية، وقد مُنيَ بالهزيمة في مواجهة بِضعة آلاف من المكافحينَ والمجاهدين في سبيل الله المحاصرينَ الممنوعينَ من أيّ مساعدةٍ خارجيّة، وكانَ إنجازَهُمُ الوحيدُ قصفَ البيوتِ والمدارسِ والمستشفياتِ ومراكزَ تجمّعِ المدنيّين.
واليوم فإنّ العِصابَةَ الصهيونيّة المجرمة أنفُسَهُم قد توصّلوا أيضًا إلى هذه النتيجةِ وهي أنّهم لن يحقّقوا النّصرَ أبدًا على حماس وحزب الله.
يا أهلنا المقاومينَ في لبنانَ وفلسطين! أيها المناضلونَ الشُّجعان! أيها الشعبُ الصبورُ الوفي! هذهِ الشّهادات، وهذهِ الدّماءُ المَسفوكة، لا تُزعزعُ عَزيمَتَكُم، بل تَزيدُكُم ثباتًا. في إيرانَ الإسلاميّة، خلالَ ثلاثةِ أشهرٍ من صَيف 1981، جرى اغتيالُ العشراتِ من شخصيّاتِنا البارزةِ والمميّزةِ، ومِنهُم شخصيّةٌ عَظيمَةٌ مثلُ السيّد محمد بهشتي، ورَئيسُ جُمهوريّةٍ مثلُ رجائي، ورئيسُ وزراءٍ مثلُ باهنر، واغتيلَ علماءٌ مثلُ آية الله مدني وقدوسي وهاشمي نجاد وأمثالهم، وكان كلُّ واحدٍ منهم من أعمدَة الثورة على المُستَوى المحلّي أو الوطنيّ، ولم يَكُن فقدانُهُم هيّنًا، لكنَّ مسيرةَ الثّورة لم تتوقف ولم تتراجع، بل تسارَعَت.
واليوم، فإنّ المقاومةَ في المنطقة لن تتراجعَ بشهادة رجالِها، والنّصرُ سيكونُ حليفَ المقاومة. المقاومةُ في غزّةَ حيّرتِ العالم، وأعزّت الإسلام. لقد تلقّى الإسلامُ في غزّةَ بصدره كلَّ أنواع الخُبث والشرّ. وما مِن إنسانٍ لا يُحَيّي هذا الصّمود، ولا يَلعنُ عَدُوَّها السفّاحَ والدّمَوِيّ.
لقد أوصلَ طوفانُ الأقصى وعامٌ من المقاومةِ في غزّةَ ولُبنان، هذا الكيانَ الغاصِبَ إلى أن يكونَ هاجسَهُ الأهمَّ حفظ وُجودِه، وهو الهاجسُ نفسُهُ الذي كانَ يُسَاورُ هذا الكيانَ في السنوات الأولى لوِلادَته المَشؤومة، وهذا يعني أنّ جهادَ رجالِ فلسطين ولبنان قَد أعاد الكيانَ الصهيونيَّ سَبعينَ سنةً إلى الوراء.
العاملُ الأساسيُّ للحروبِ وانعدامِ الأمن والتخلّفِ في هذهِ المَنطِقَةِ هوَ وجودُ الكيانِ الصَّهيونيِّ وَحُضورُ الدُّولِ التي تدّعي أنها تَسعى إلى إحلالِ الأمنِ والسّلامِ في المَنطِقَة. فالمشكلةُ الأساسُ في المنطقة هيَ تَدَخل الأجانبِ فيها. دولُ المَنطقة قادِرةٌ على إحلالِ الأمنِ والسلامِ فيها. وتحقيقُ هذا الهدف العظيم والمُنقذ للشّعوب يَستَلزِمُ بَذلَ جُهود شُعوبِها وحُكوماتِها.
وإنّ اللهَ مع السّائرينَ على هذا الدّرب، {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج، 39).
سلامُ الله على القائد الشهيد نصرِالله، وعلى البَطَل الشهيد هَنِيَّة، وعلى القائد المُفتَخَر الفَريق قاسم سُلَيماني.
نورنيوز