واليومَ ترون ما نزل بأمة الإسلام من ضعف وهوان، رأيتم جميعاً ما يصنعه الاحتلال الصهيوني بأهلكم في غزة، بسلاح أمريكي، وغطاء دولي.
يا حجاج بيت الله الحرام...
هل فقدتم طائفة من إخوانكم المسلمين؟!!
نحن نثق أنكم بحثتم بكلِّ جِد عن إخوانكم المستضعفين المحاصرين في غزة، ولا زلتم تجِدّون في طلبهم.
نعم، قد بلَغَنا أذانُ الحج، ولكن حبستنا أعذارٌ وأعذار…
فقد أغلق الاحتلال الصهيوني علينا كلَّ المنافذ التي تربطنا بالبيت العتيق، ومعها أغلقَ منافذ الحياة، ومنع عنَّا الماء، والغذاء، والدواء، فهل سمعتم بهذا يا إخواننا؟
هل سمعتم عن إخوان لكم حاصرهم الاحتلالُ منذ ثمانيةَ عشرَ عاماً، وظل يُضيِّق عليهم كلَّ منافذ الحياة، لكنه منذ ثمانيةِ أشهر انتقل من التضييق إلي الخنق؛ فقطع عن إخوانكم في غزة كل عوامل البقاء.
ثمانيةُ أشهر والاحتلال يمنع دخولَ كلِّ مقومات الحياة إلي غزة، ودمَّر كل المرافق الأساسية فيها، التي من أبرزها آبارُ المياه وشبكاتُها، والمخابزُ، والمدارس، والطرق، والمصانع، والمتاجر، والمزارع، فصار الناس في القرن الحادي والعشرين يموتون جوعاً أو عطشاً، أو مرضاً؛ إذ لا علاج ولا مشافي؛ فقد هدمها الاحتلال، فالمريض أو الجريح ليس أمامه إلاّ العلاجات الأولية، وانتظار لقاء رب البرية؛ ليشكو إليه ألمَه وجرحه.
معذرةً، لم نأتِ للحج؛ لأن الاحتلال سرق أموالنا، وهدم بيوتنا، وبِتنا نعيش النزوح في خيام يطاردنا الاحتلال من مكان إلي مكان، وفي كل مرة ننصب خيمتنا، ونبحث عن أسباب الحياة من حولنا فنطلب الماء، ونجمع الحطب، كي نصنع لأطفالنا شيئاً من الطعام الذي يقتاتون به.
معذرةً، لم نأت للحج؛ لأن الاحتلال وَلَغ في دمنا حتي الثَّمالة، فقتل من فِلْذات أكبادنا ما يزيد عن ستة وثلاثين ألفاً معظمهم من النساء والأطفال، ولا زلنا نبحث عن نحو عشرة آلاف مفقود تحت ركام المنازل المدمرة، ونركض من مكان إلي آخر بحثاً عن علاج لجرحانا الذين تجاوز عددهم ثمانين ألف جريح.
معذرةً، لم نأتِ للحج؛ لأن الاحتلال يَشن علينا حرباً دينية، فهو يمطرنا بصواريخ الموت التي أفسد بها علينا ركن الصوم، ومنعنا من صلاة التراويح، والقيام، والاعتكاف، بل هدم بها مساجدنا، إذ زاد عدد المساجد التي هدمها الاحتلال علي 800 مسجد، وحرمنا فرحة عيد الفطر، وشعيرة الأضحية من خلال منعه لدخول الأنعام، وأخيراً يمنعنا من أداء ركن الحج؛ ليتحقق فيهم قول الله تعالي: ﴿إِنَّ الَّذينَ كَفَروا وَيَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَالمَسجِدِ الحَرامِ الَّذي جَعَلناهُ لِلنّاسِ سَواءً العاكِفُ فيهِ وَالبادِ وَمَن يُرِد فيهِ بِإِلحادٍ بِظُلمٍ نُذِقهُ مِن عَذابٍ أَليمٍ﴾ ، كل ذلك أمام صمت هذا العالم المتحضر!! ولو كنا نعيش في الجاهلية الأولي؛ لأبيٰ أهلها ما يفعله يهود بنا.
معذرةً، لم نأتِ للحج؛ لأننا نرابط علي أرضنا، و ندافع عن عِرضنا، ونحمي مسري نبينا صلي الله عليه وسلم، فلا يزال أبطالنا المجاهدون في كل ميادين العزة و الشرف، والبطولة يدافعون عن أرضنا، وعرضنا ، وديارنا، ويطلبون حرية شعبنا، و كرامة أمتنا في صورة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، يخرجون لعدونا من بين ركام منازلنا، ومن باطن أرضنا، ومن أزقة مخيماتنا.
رسالتنا إلي العالم:
نعم، نعيش الوجع، ولكننا لن نعيش الذل، هدم الاحتلال بيوتنا؛ لكننا لن نفقد البوصلة نحو قدسنا، وأرضنا المحتلة، دمر مساجدنا، ولكننا لن نترك صلاتنا، وركوعنا، و سجودنا، ولن نترك له مسري نبينا (ص)، مَزَّق الاحتلال مصاحفَنَا، ولكنه لن ينالَ من كتاب ربنا في صدورنا، قصف مآذننا، لكنه لن يُسكت تكبيراتنا، اقتلع أشجارنا، لكنه لن يقتلع حب الأرض من قلوبنا، قطع اتصالنا بالعالم من حولنا، لكنه لن يقطع اتصالنا بربنا، أطفأ مصابيح بيوتنا، لكنه لن يُطفئ نور قلوبنا، شابَ لهول المشاهد شعرُنا، ولكن لم تَشِب عزائمُنا، نال الجوع من أبداننا، ولكن لم يخلُص إلي إيماننا ويقيننا، يئِسَ العدو في قتلنا، ونحن لا نزداد إلا ثقة في نصر ربنا.
سلامُنا إلي رسولنا (ص) المجاهد الشهيد.
يا حجيجَ بيت الله الحرام، اقرؤوا حبيبنَا السلامَ، وأخبروه أن غزة لم تشهد الحج هذا العام...
أخبروه عن عذرنا، أخبروه عن جُرحنا، أخبروه عن وجعنا، أخبروه عن حالنا… أخبروه أن الطائفة المنصورة التي بَشَّر بها في بيت المقدس، وأكنافه لم تُعطِ الدنية في دينها، و لا زالت علي عهدها وبيعتها…
أخبره أن اليهود قد دنسوا مسراه، وسَبّوه في ساحاته، فقامت غزة تنتصر له، وتدافع عن حائط براقه، وقدمت في سبيل ذلك فِلْذاتِ أكبادها، وأرواحَ رجالها، وكلَّ ما تملك من مساكنَ وأموالٍ بحبٍ، وطيبِ نفس في سبيل الله تعالي.
أخبروه شِكايتنا علي كل من تآمر علينا، وعلي كل من خذلنا، وعلي كل من جلس وادعا في بيته يتفرج علي دمنا، وأشلاء أطفالنا، وصرخات نسائنا ثم تركنا.
أخبره أن غزة تحبه بكل ما فيها من بشر، وحجر، وشجر، وبحر، نعم تحبه، وتربي أبناءها علي حبه، ولن تُسقط رايتها، ولن تُسلِّم لعدوها.
واللهُ علي ما نقول شهيد والله حسبنا، ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن حجاج غزة
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
4 ذو الحجة/1445هجرية
نورنيوز-وكالات