معرف الأخبار : 175500
تاريخ الإفراج : 5/31/2024 3:41:06 PM
هل يحب الغرب اليهود؟

هل يحب الغرب اليهود؟

سؤال طالما راودني، عقب عملية طوفان الأقصى: "حقاً، هل يحب الغرب اليهود؟"، وكان مفتاح السؤال انطلاقاً من كون أتباع الدين اليهودي أقلية قياساً بالعرب والمسلمين، وبالتأكيد ليس كل اليهود متفقين على الصهيونية التي التقت أطماعها مع مصالح الغرب الأوربي (ولاحقاً الأمريكي) في منطقتنا. لابل نجد يهوداً يرفضون احتلال فلسطين من الأساس وإن كان عددهم قليلاً قياساً بمناوئيهم.

بالعودة إلى السؤال: ترى، لو أن الغرب -بشقيه الأوربي والأمريكي- يحب اليهود فعلاً هل كان قذف بهم إلى هذا المحيط العربي الإسلامي المترامي الأطراف، لاسيما أن بدائل عدة كانت أمام اليهود كالأرجنتين وأوغندا، فلماذا ورطهم الغرب بفلسطين؟  

لانختلف مع المقولة التي ينسبها البعض لجواهر لال نهرو، والتي مفادها: "كل تعميم خاطئ حتى تعميمي هذا"، فضلاً أننا لانميل إلى النظر لمكونات المجتمعات البشرية من وجهة نظر دينية، لكن في حالتنا هذه، نجد أن اليهود -إلّا من رحم ربي، كما أسلفنا- ومن خلال تقوقعهم وسلوكهم الشاذ مع غيرهم هم من يدفعون الآخرين للنظر إليهم من الوجهة الدينية، ناهيك أن التوراة تنطوي على الكثير من الازدراء والاحتقار لبقية البشر من غير اليهود، يضاف إليها بعض ما أتى في التلمود بهذا الخصوص، فهم مثلاً يطلقون ذماً لفظ "غُوييم" وكانت تعني سابقاً الحيوانات المجتمعة في قطيع ثم شملوا فيها بقية الناس من غير اليهود، وعندما يذكر التلمود "الغوييم"، يقول: “فجميعهم كَفَرة وثنيون لا يقبل الله منهم عبادة ولا عملاً. وهم أنجاس بأصل الخِلْقة، لأنهم ليسوا من جوهر الله، بل خُلقوا من طينة شيطانية، ثم هم حيوانات في صورة إنسان، ولم يُعْطَوا هذه الصورة إلّا إكراماً لليهود، حتى يحصل الأُنسُ للسيد اليهودي بصورة خادمه، الذي لم يخلق أصلاً إلا لهذه المهمة”، وتجد في التلمود أيضاً: "تمتاز أرواح اليهود، بأنها جزء من الله، وأما نطفة غير اليهودي فمثل نطفة الحيوان"، أما في التوراة فقد أتى في سِفْر أشعيا (61/5-6): “ويقف الأجانب، ويرعَوْن غنمكم، ويكون بَنو الغريب حَرَّاثيكم وكَرّاميكم. أما أنتم فتُدعون كَهَنة الربِّ، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتآمرون”!... إلخ.

نجد حقيقة اعتقاهم بما أتى في التوراة والتلمود متجسداً بنزوعهم البربري والمتوحش عبر تاريخهم المليء بالجرائم التي ارتكبوها في فلسطين المحتلة وبعض دول الجوار العربي منذ مطلع عشرينات القرن الماضي حتى اللحظة!؟.. إذاً، ليست مصادفة أن تأتي شخصية اليهودي في الأدب العالمي سلبية، كما كانت شخصية المرابي والجشع شايلوك في "تاجر البندقية" لشكسبير. وليس عبثاً أن تذكر كاترينا زوجة مارتن لوثر (1483- 1546) أن آخر خطبة دينية لزوجها لوثر كانت في كنيسة أيسلبن مسقط رأسه في 15 فبراير 1546، قبل ثلاث أيام من وفاته، وقد خصصها بشكل كامل، لليهود، واقترح فيها الاستعجال بطردهم من ألمانيا إن لم يصبحوا مسيحيين، لتتخلص ألمانيا من الربا والافتراء. ماسبق ذكره هو غيض من فيض عن نظرة الأوربي لليهودي فيما مضى.

ماسبق ذكره يؤكده حقيقة كره الغرب لليهود وهذا ما تفسره حالات الطرد التي عايشوها في أوربا على مدى ألفية كاملة، حيث تم طردهم من فرنسا أكثر من مرة في أعوام 1080 و1147 و1306 و1394 و1592 ناهيك عن انذار نابليون لهم عام 1806. أما في إنكلترا فقد تم طرهم طوال أعوام: 1188 و1198 و1290 و1510. في حين طردتهم إلمانيا عام 1570، فيما البرتغال واسبانيا فقد طردوهما أعوام: 1492 (وهذا العام منعت اسبانيا بموجب قانون دخول اليهود إليها) و1496 و1516 و1555 و1629، ناهيك عن دول أخرى طردتهم كايطاليا وصقلية والنمسا وسويسرا وبولندا والمجر والتشيك... الخ.

ظاهرة الطرد والرذل التي تعرض لها اليهود في أوربا لفتت -فيما بعد- انتباه مفكرين كبار، أمثال الفيلسوف الإلماني برونوباور الذي وضع عام 1843 كتيباً بعنوان "المسألة اليهودية" الذي أتى به: "يطالب اليهود الألمان بالتحرر، فبأي تحرر يطالبون؟ التحرر كمواطنين، التحرر السياسي".

ليجيبهم برونو باور: "ليس ثمة من هو متحرر سياسياً في ألمانيا. نحن أنفسنا لسنا أحراراً، فكيف نستطيع تحريركم؟ أنتم اليهود أنانيون. حين تطالبون لأنفسكم كيهود بانعتاق خاص، عليكم أن تعملوا كألمان من أجل انعتاق ألمانيا السياسي، وكبشر من أجل الانعتاق البشري". وفي كتابه يقول باور: "إن تحرر اليهود لن يكون إلا بتخليهم كليّاً عن هويتهم الدينية في إطار دولة ليبرالية علمانية لا مكان فيها للدين، بل تقوم فيها المواطنة المتساوية على القانون، وحقوق الإنسان والولاء المطلق للكيان العمومي"، وهو ما أثار جدلاً في الأوساط اليهودية سنتذاك، وكان ممن ردوا عليه الفيلسوف الكبير كارل ماركس (وهو من أصول يهودية) بكتاب بالعنوان نفسه، لكن ماركس لم يتناول اليهود من الزاوية الدينية وذلك لأسبابه الفكرية والأيديولوجية المعروفة، لذا يصرّ على ضرورة التمييز بين التحرر القانوني والسياسي من جهة والتحرر الإنساني الحقيقي من جهة أخرى، فبالنسبة له لا يمكن أن توفر الليبرالية، التي دعا إليها باور، أكثر من حرية شكلية صورية، إلى أن يرى -أي ماركس- إن اليهودية في المجتمع الرأسمالي ليست حالة دينية، بل تؤدي وظيفة اجتماعية فرضتها البورجوازية المتحكمة على الإنسان اليهودي الذي صممت حياته قهراً في نمط الحياة المالي والتجاري ضمن الماكينة الليبرالية القمعية.

طبعاً، ويؤكد ماركس على أن تحرر اليهود لا يكون "إلّا بتحررهم من يهوديتهم (أو اليهودية)" أي هو يدعوهم -وفق قراءتنا- للخروج من قوقعتهم واعتقادهم بأنهم فعلاً "شعب الله المختار"، ليتناول ماركس الموضوع من ناحية طبقية ومن جهة نقده لليبرالية ولفكرة الدولة القومية.. الخ. ثم أتى أحد التلامذة المنحرفين لماركس واسمه موسيس هس لينظّر لفكرة "الوطن القومي لليهود" في فلسطين، وذلك في كتاب له بعنوان "روما وأورشليم" صدر عام 1862، لنصل إلى ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية في مؤتمر بازل الشهير، ولاحقاً وعد بلفور 2 تشرين الثاني 1917.

نعود ونسأل بصيغة أخرى: ترى هل عدم قبول الغرب (المسيحي) طوال قرون لليهود هو ما دفعهم جدياً للتخلص منهم من خلال إيجاد وطن "قومي" لهم، واستثمار وجودهم في هذا الوطن البديل في منطقة تعتبر من أهم المناطق الحيوية والهامة بالنسبة للعالم الغربي بشقيه الأوربي والأمريكي، وبهذا يضرب الغرب عصفورين بحجر واحد: التخلّص من اليهود، وضمان استمرار مصالحه في منطقتنا؟ إن كان الأمر كذلك، فهل يضمن الغرب بقاء الوضع العربي والإسلامي على حاله؟ هانحن نرى، وبرغم حجم المآسي التي يكابدها راهناً شعبنا في فلسطين، أن دولة الكيان المؤقت بدأت عدها التنازلي، فماذا سيفعل الغرب باليهود (أو ما سيتبقى منهم)  بعد زوال هذا الكيان؟ 


أُبيّ حسن- فينكس
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك