هجوم حماس وفشل الاستخبارات الصهيونية

فعملية “طوفان الأقصى”. هذا الاسم الذي اختارته حركة حماس لهجومها الواسع الذي أطلقته على "إسرائيل" فجر السبت 7 انطلاقا من قطاع غزة، منهية بذلك هدنة منذ حرب الأيام الخمسة بين "إسرائيل" والفلسطينيين في مايو الماضى.

وأعلنت “كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري للحركة إطلاق أكثر من 5000 صاروخ وداهم مقاتلوها البلدات الصهيونية القريبة من القطاع.

وتوعد رئيس وزراء الاحتلال، حماس بـ”دفع ثمن باهظ غير مسبوق” مضيفا “نحن في حالة حرب وسنحقق فيها النصر حسب قوله ” .

وكل ذلك يشير بما لا يترك مجالا للشك ان هذا الهجوم كشف عدم استعداد المخابرات الصهيونية لعمليات بهذا الحجم.

إنه هجوم غير مسبوق لسببين، حجمه وتنظيمه. منذ حرب 6 أكتوبر 1973 , لم تشهد "إسرائيل" هجوما مماثلا مع هجوم حقيقي مدمر على أراضيها. قوات كوماندوس من حماس دخلت إلى عمق أراضي الاحتلال مع تخطيط عسكري أشبه بما تنفذه الجيوش. إنها قوات خاصة قتالية ومدربة وتمتلك وسائل تكتيكية حديثية ودخلت في معارك في عدة بلدات في وقت واحد.

وتم استخدام سبع أو ثماني عربات رباعية الدفع على متن كل واحدة منها ثمانية مقاتلين من حماس داهموا شوارع مدن وبلدات في جنوب "إسرائيل", وهو ما يشير الى حقيقة هامة وهي ان "اسرائيل" أمام وضع ميداني غير مسبوق.

ويشير كل المحللين الاستراتيجيين الى إنه هجوم مباغت وواسع ومنسق, ويدل على مستوى التنظيم الاستخباراتي داخل حماس، كما ربما أنها تلقت دعما لوجستيا من مصادر خارجية.

ولكن السؤال الذى يشغل بال مراكز الفكر والتحليل الاستراتيجى بل واجهزة المخابرات العالمية، وهو كيف عجزت الاستخبارات الإسرائيلية عن استباق ما حدث ؟

إنه فشل كبير للاستخبارات الإسرائيلية يمكن وصفه بالتاريخي ويمكن مقارنته دون مبالغة مع ما حدث في سنة 1973, خاصة ان "إسرائيل" تعد كيان احتلال في حالة تأهب دائم وهي دائما على حافة حرب وجودية, ولكن اليوم، نلاحظ قدرا من عدم الاستعداد والذي من المرجح أنه يرجع إلى خطأ في التحليل والتقديرات من اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية المتعددة, ويتعداه الى حد القول انه من المرجح أيضا أنه خطأ في استعداد القوات الخاصة للإحتلال.

فالمراقب سيجد أن جيش الاحتلال نفسه كان في حالة دهشة بسبب ضبابية الحرب المباغتة, فنجاح عملية حماس يعود إلى عامل المفاجأة, ولكن أيضا إلى تنسيق عسكري مشترك، إذ إن العملية شملت الأرض والبحر والجو وما من شك أن ذلك مثل مفاجأة للإسرائيليين.

هذا فضلا عن كون "إسرائيل" أيضا، تعتمد على تكنولوجياتها المتطورة لاستباق التهديدات وتحييدها في آن.

إلا أن ما حدث يثبت وجود مشكلة استباق وفشل محتمل في تحليل المخاطر. السيناريو الذي توقعته المخابرات الإسرائيلية يتمثل في غزو من الشمال أي من تنفيذ حزب الله انطلاقا من جنوب لبنان, ولكنها منيت بانتكاسة.

والتساؤل الذى بات يطرح نفسه بقوة ما هى ابعاد توقيت تنفيذ حركة حماس هذه العملية الآن  حيث يمكن القول بأن هذه العملية تأتي في مرحلة دقيقة في تاريخ "إسرائيل" المصطنع التي تواجه أزمة مؤسساتية وسياسية وأيضا أزمة هوية غير مسبوقة مع استقطاب حاد وانقسام اجتماعي كبير.

هذه الأزمة تهز البلاد منذ عدة أشهر مع مظاهرات أسبوعية. حماس لم تخف رغبتها في استغلال الهشاشة الواضحة للداخل الإسرائيلي لتنفيذ هجوم مماثل.

إلى ذلك، فإن الهجوم جاء بعد يوم واحد من مرور خمسين عاما على حرب أكتوبر 1973 والتي مثلت حرب تحرير حقيقية هوت لإسرائيل وشملت عامل المفاجأة من الجيش المصرى والجيش السورى فى الشمال؟ وبالتالي، كان لدى حماس رغبة واضحة في استغلال هذا العامل على المستوى الرمزي والاتصالي مع إرادة في الضرب بقوة وبسرعة, والنتيجة ان الإسرائيليون ما زالوا تحت وقع الصدمة والدهشة.

د . حامد محمود/ المدير التنفيذى لمركز الفارابى للدراسات السياسية والاستراتيجية