ولم يكفي الصهاينة خلال العقود الماضية بعدم تنفيذ القرارات التي أقرتها الأمم المتحدة، بل مع استمرار عدوانهم وسياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، فقد أغلقوا عمليا الطريق أمام الحل الأكثر تفاؤلا للقضية، والذي هو تشكيل حكومتين. لقد وصل الأمر إلى أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء هذا الكيان المحب للحرب، رفض مؤخراً علناً اقتراح أهم مؤيديه، الولايات المتحدة، بقبول فكرة حل الدولتين. إن تبني مثل هذا الموقف يعني جموداً في المسار الدبلوماسي لحل قضية إسرائيل وفلسطين. لا شك أن للدبلوماسية تاريخ طويل يمتد لعدة عقود من الزمن جنباً إلى جنب مع حروب المقاومة والنضال الفلسطيني، ولكن ما كان بمثابة حاجز قوي أمام نجاح الدبلوماسية هو انتهاكات الصهاينة وعدم قبول دولة فلسطينية مستقلة.
لذلك، من الطبيعي جداً أنه عندما يتباطأ سيف الدبلوماسية، ستظهر حلول أخرى مثل الحملات العسكرية.
ويقيم كثيرون هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الذي شنته حماس على الأراضي المحتلة في هذا السياق. ويعني رد فعل على سنوات الحصار وانتهاك حقوق مواطني قطاع غزة الذي يشار إليه بأنه أكبر سجن بلا سقف في العالم.
إن ما يسميه كيان الاحتلال ومؤيدوه "الحق في الدفاع عن النفس" رداً على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول قد أودى حتى الآن بحياة أكثر من 26 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال والرجال المدنيين. لقد حولت قطاع غزة إلى خراب. وقال وليام شومبرغ، رئيس المكتب التمثيلي للجنة الدولية للصليب الأحمر، اليوم الثلاثاء، موضحا الوضع في المنطقة: "غزة معرضة لخطر إغلاق الخدمات الطبية بشكل كامل".
ومن الطبيعي جداً أن يكون لهذا الكم من الجرائم التي يرتكبها الصهاينة ردود أفعال وعواقب. مثل هجمات حزب الله اللبناني على المناطق الحدودية الإسرائيلية دعما لشعب قطاع غزة، وهجمات أنصار الله الصاروخية في اليمن على المواقع الإسرائيلية، وخاصة انعدام الأمن لمرور السفن المتجهة إلى الاراضي المحتلة في البحر الأحمر، وهجمات فصائل المقاومة العراقية.
وبطبيعة الحال، هذه ليس هذا كل ما في الأمر. فعندما يعرقل الأمريكيون المسار الدبلوماسي لوقف الحرب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ترفع جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي. وعلى المستويات غير الحكومية، أدى استمرار المجازر بحق الشعب على يد "إسرائيل" إلى ردود فعل واسعة النطاق تمثلت في مظاهرات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم وإنشاء حملات لدعم الفلسطينيين وإدانة كيان العدو.
العالم يصرخ لوقف الحرب، لكن هذا المطلب الشعبي لا يلقى استجابة. وسبق أن حذر العديد من رجال الدولة والخبراء وحتى المسؤولين الإسرائيليين السابقين من أن إطالة أمد الحرب سيؤدي إلى مزيد من اشتعالها وفتح جبهات جديدة ضد الكيان. لكن هناك تكهنات أيضاً بأن بنيامين نتنياهو، خوفاً من مواجهة نتيجة شخصية غير سارة بعد انتهاء الحرب، يرفض قبول أي اقتراح وخطة لوقف الحرب. ولا يتردد نتنياهو في جر أميركا إلى منتصف الحرب مع اتساع نطاقها.
والآن، وبعد الهجوم الذي شنته ميليشيات عراقية على قاعدة عسكرية أمريكية على الحدود الأردنية السورية، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين، تباينت التعليقات والتوقعات حول رد أمريكا على هذا الهجوم. الخيار المتكرر للأميركيين والإسرائيليين هو اتهام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالتورط في هذا الهجوم وهجمات مماثلة. إن استنتاجاتهم المتكررة ليست سوى الادعاء المستمر بأن إيران هي سبب عدم الاستقرار في المنطقة.
إن مثل هذه الادعاءات والاتهامات هي تحريفات وتجاهل للحقائق الواضحة في المنطقة. في 24 كانون الثاني/يناير، نُشرت نتيجة استطلاع آراء مواطني 16 دولة عربية أجراه مركز بحوث السياسات ومقره الدوحة، قطر، والتي تشير إلى أحد الحقائق في المنطقة.
وبحسب هذا الاستطلاع فإن 77% من سكان العالم العربي يعتبرون أمريكا وإسرائيل أكبر تهديد لأمن واستقرار منطقة غرب آسيا. وقد حدد 51% من الولايات المتحدة و26% من إسرائيل التهديد الأكبر لعدم الاستقرار في المنطقة، في حين وصف 7% فقط إيران بأنها التهديد الأكبر للأمن. 94% من الشعب العربي قيموا المواقف الأمريكية في حرب غزة بالسلبي.
وتأتي هذه الموجة من وجهات النظر السلبية تجاه أمريكا بين الدول العربية، في حين أن الأمريكيين لديهم تواجد عسكري مباشر في المنطقة منذ سنوات باسم إرساء الأمن والديمقراطية. ولم تكن نتيجة هذا الوجود إرساء النظام والأمن والديمقراطية، بل فرض الحروب المدمرة على دول المنطقة. اليوم، لا أخبار عن الاستقرار والأمن في العراق أو سوريا. وبعد 20 عاماً من التواجد في أفغانستان، سلم الأميركيون أخيراً البلاد لنفس طالبان بحجة قتال طالبان. كما تم وقف حرب إقليمية أخرى، وهي التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية مع أنصار الله في اليمن، بفضل سياسة التهدئة الإقليمية التي تنتهجها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولذلك فإن اتهام إيران قد يكون أسهل شيء بالنسبة للأميركيين والإسرائيليين، لكنه في النهاية لن يجلب لهم شيئاً. لأنه خلافاً لمقولة منسوبة لمسؤول سعودي سابق، فإن رأس الأفعى ليس في إيران بل في إسرائيل.
إن التصرف بناء على تقييمات غير صحيحة وعدم رؤية الحقائق في المنطقة سيجعل المهمة أكثر تعقيدا وصعوبة على الأميركيين.
ابراهيم بهشت
نورنيوز