تحلّ علينا الذكرى الرابعة لإستشهاد الفريق الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني ورفاق دربه، إثر العدوان الأمريكي الغادر على سيارتهم لدى إجراء الحاج قاسم زيارة رسمية الى بغداد، وفي ظلّ إحياء هذه الذكرى الأليمة والميمونة وفي ضوء التطورات المتسارعة والمحورية في المنطقة في ظلّ العدوان الصهيوني على قطاع غزة وردود المقاومة المتزايدة على المحتل الأمريكي في المنطقة، وذلك استمرارا لمسار المقاومة الذي أحياه الشهيد سليماني أجرى موقع "نور نيوز" حوارا مع الخبير والمحلل الإستراتيجي اللواء السوري المتقاعد د. حسن أحمد حسن.
فيما يلي نصّ الحوار:
*تحل علينا الذكرى الرابعة لاستشهاد الشهيدين سليماني وابو مهدي المهندس ورفاق دربهما الذين سقطوا إثر جريمة الاحتلال الامريكي، ما دور الشهداء في مواجهة التعنت الامريكي في المنطقة؟
بدايةً الرحمة والغفران والتقديس لروحي الشهدين القائدين الحاج قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس، ولأرواح جميع الشهداء الأبرار الذين جادوا بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة دفاعاً عن الحق ونهجه وعن مقومات العزة والسيادة والكرامة ومواجهة قوى الشر والعدوان، فأثمرت تلك التضحيات الغالية ما أقض مضاجع القتلة، وعجَّل في متابعة القضاء على ما تبقى من مجاميع الإرهاب التكفيري المسلح المستولد أمريكياً لنحر دول المنطقة وفرض مشروع التشظية والتفتيت، وها نحن نعيش إطلالة الذكرى الرابعة وجميع معطيات الواقع والمواجهة المفتوحة تؤكد حقائق عدة، ومنها:
-سقوط الرئيس الأمريكي الأخرق ترامب الذي أعطى الأمر بالاغتيال، وتراجع هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، وانحسار نفوذها الطاغي بنسبة كبيرة لم يشهدها البيت الأبيض منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
-تآكل الدور الأمريكي المتحكم بمفاصل صنع القرار الإقليمي والدولي، والعالم بكليته اليوم يتجهز لإعلان موت نظام الأحادية القطبية، وتبلور نظام عالمي جديد ما كان له أن تتضح معالمه لولا الدور المشرف والريادي الذي اضطلع به وتحمل مسؤوليته وتداعياته محور المقاومة بجميع مكوناته، وعلى ما أنجزه هذا المحور تبنى جميع الخطوات اللاحقة للقوى العظمى والكبرى إقليمياً ودولياً الطامحة بشغل مواقع متقدمة في النظام العالمي القادم.
-القضاء شبه التام على تنظيم داعش في العراق وسورية، إلا من بعض الجيوب النائمة التي لا تتحرك إلا بالريمونت كونترول الصهيو-أمريكي الآسن المحتفظ به من قبل من صنَّع داعش وأطلقه لتحقيق أهدافه الشريرة ضد دول المنطقة وشعوبها.
*سقوط الخوف والتردد من مواجهة البعبع الصهيوني
-الزخم الكبير المتنامي والمتمدد أفقياً وعمودياً لمحور المقاومة الذي استطاع أن يقول: لا لواشنطن، ولا لكل من يدور في فلكها الآسن والموبوء، وهذا يعني توجه المنطقة لصياغة غرب آسيوي جديد متناقض مع كل ما له علاقة بالمشروعين الأمريكي والصهيوني اللذين تصدى لهما الشهداء الأبطال، واستطاعوا إبطال مفاعليهما الكارثية حتى الآن، وهما مشروع "الفوضى الخلاقة" ومشروع "الشرق الأوسط الجديد الموسع".
-زيادة قدرة جميع الدول على توسيع هامش مناوراتها في شق عصا الطاعة الأمريكية، بما في ذلك تلك الدول المحسوبة تقليدياً تحت العباءة الأمريكية، وما توقيع الاتفاق الإيراني- السعودي برعاية صينية إلا الشاهد الأبلغ على دقة هذا القول.
-سقوط الخوف والتردد والحذر من مواجهة البعبع الصهيوني وتحطيم مقولة" الجيش الذي يقهر" فإذا به يقهر ويذل بأقدام المقاومين الفلسطينيين الميامين، ويثبت بالدلائل القاطعة أن الجيش الإسرائيلي عاجز عن حماية المستوطنين كما أنه عاجز عن حماية نفسه من دون مساعدة أمريكية مباشرة، وهذا يعني تآكل الدور الوظيفي للكيان المؤقت الذي كان إلى ما قبل ملحمة طوفان الأقصى القاعدة الأمريكية الأهم عند جميع الإدارات الأمريكية التي شغلت "البيت الأسود" جمهورية كانت أم ديمقراطية.
السؤال الأهم الذي يفرض ذاته: ماذا لو لم تصمد سورية؟ وماذا لو لم تتدخل إيران بثقلها وعبر شخص الشهيد القائد سليماني في منع إسقاط العراق، وقطع الطريق على الإرهاب التكفيري المسلح المدعوم أمريكياً؟ وأين كانت المنطقة؟ بل وتوازن القوى وقواعد الاشتباك إقليمياً ودوليا؟ كل هذا غيض من فيض مما يمكن الحديث عنه في الذكرى الرابعة لاستشهاد القائدين المقاومين الكبيرين: سليماني والمهندس رحمهما الله.
*هل نجح الشهيد سليماني في تعزيز قدرة المقاومة الفلسطينية؟
أهم ما يميز المدرسة السليمانية الثقة بقدرة المقاومين لدى كل طرف من أطراف محور المقاومة على الإبداع في مواجهة النزعة العدوانية الشريرة عند واشنطن وأتباعها والسائرين في تيارها الإجرامي الذي يهدد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم، كما يهدد الاستقرار والسلام الدوليين، وانطلاقاً من الثقة المطلقة بفاعلية المقاومة التي أخذت على عاتقها مسؤولية إسقاط المشاريع الصهيو ــ أمريكية تبلورت خصوصية كل طرف، وتجاوزت وجهة نظر الشهيد القائد قاسم سليماني موضوع الدعم بالسلاح إلى الأهم، وهو الدعم بنقل تقنيات تصنيع السلاح، وهذا ما تبلور بوضوح في ملحمة طوفان الأقصى عبر قدرة قذيفة "الياسين 105" الفلسطينية على تهشيم أسطورة فخر الصناعة الإسرائيلية "الميركافا4" وغيرها من الدبابات والعربات المدرعة وناقلات الجند والجرافات، وكذلك ما يتعلق بالتطور الكبير للاستراتيجية الصاروخية التي انتقلت من تصنيع صاروخ القسام بنسخته الأولى التي لم تتجاوز المسافة التي يقطعها/20كم/ إلى صاروخ عياش وغيره الذي يبلغ مداه أضعاف المسافة المذكورة إلى درجة تستطيع فيها المقاومة الفلسطينية بصواريخها المصنعة محلياً استهداف أية نقطة في العمق الاستيطاني الإسرائيلي، والأمر ذاته يتكرر في اليمن الذي استطاع كسر أنف العنجهية الأمريكية وكل من يسير في نهجها المتداعي، وما فرض الحصار على الكيان المؤقت ومنع المرور عبر مضيق باب المندب لجميع السفن الصهيونية والسفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية إلا الشاهد والدليل.
النقطة الأخرى التي تتعلق بالدور الكبير الذي اضطلع به الشهيد القائد قاسم سليماني تظهر عند الحديث عن تدريب الأفواج المتتالية من المقاومين، وتأهيلهم ودعمهم وتمكينهم من تفجير صاعقة "طوفان الأقصى"، وما شبكة الأنفاق الغزاوية إلا الشاهد الحي على الحضور السليماني المباشر، والدور الأساسي في تعزيز قدرات المقاومة الفلسطينية بمختلف مسمياتها.
*ما اهمية إحياء ذكرى الشهداء والتأكيد على اهمية تضحياتهم في رأيكم؟
إحياء ذكرى الشهداء واجب شخصي ووطني وأحلاقي وشرعي مقدس، ولا يجوز قط التقاعس في أدائه، وهو من وجهة نظري الشخصية لا يسقط عن العامة إذا قام بتنفيذه الخاصة والنخب الفكرية والإعلامية والثقافية والمجتمعية وإن كانت مسؤوليتها أكبر وأهم، فالحرب بكليتها مكاسرة إرادات، وعماد الإرادة: اليقين والإيمان بالدفاع عن الحق، والثقة بالقدرة على اجتراح النصر بغض النظر عن اختلاف الإمكانيات ورجحان كفة المقارنة بالقوى التقليدية لصالح قوى الشر والعدوان، لأن النصر كان ويبقى معقوداً على الإرادة مهما تطور السلاح وأدوات الصراع والمواجهة على الرغم من أهمية امتلاك مقومات الصمود والدفاع عن الحق والكرامة والعزة والسيادة والوفاء للانتماء الوطني الخاص بكل طرف من أطراف محور المقاومة.
استناداً إلى ما سبق، من المهم جداً الاستمرار في بذل الجهود الجبارة والميمونة والمباركة، لتكريس هذا النهج الاستشهادي المقاوم ليصبح جزءاً من طرائق تفكير الأجيال، لأن طرائق التفكير هي التي تحدد طرائق السلوك، ومن المهم العمل لتصبح سيرة الشهداء ونهج الشهادة وأهمية المقاومة وجدواها جزءاً أساسياً يدخل ضمن المناهج التعليمية للمدارس والجامعات، كما يدخل الكليات والأكاديميات العسكرية ومراكز الفكر والدراسات الاستراتيجية.
نورنيوز