معرف الأخبار : 160401
تاريخ الإفراج : 1/3/2024 11:23:44 AM
الشهید سلیمانی وتمکین المقاومة فی فلسطین.. شهادات لا تُحجَب

الشهید سلیمانی وتمکین المقاومة فی فلسطین.. شهادات لا تُحجَب

تأتی الذکرى السنویة الرابعة لاستشهاد الفریق قاسم سلیمانی فی ظل العدوان الصهیونی على قطاع غزة وزمن "طوفان الأقصى" لتشکّل مناسبة تفرض نفسها لاستعادة الجهود الحثیثة التی بذلها الشهید سلیمانی بالتعاون مع بقیة قادة محور المقاومة من أجل تجهیز المقاومة الفلسطینیة ورفع مستوى أدائها العسکری، وهو ما یتجسد الیوم فی مقاومة عزّ نظیرها فی وجه عدوان وحشی غیر مسبوق.

وقد قامت الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بدور بارز فی تطویر قدرات المقاومة الفلسطینیة على جمیع الصعد، ولاسیما التسلیح والتدریب ونقل الخبرات القتالیة والتمویل، انطلاقًا من رؤیتها العقائدیة فی دعم کفاح الشعب الفلسطینی ضد المغتصبین الصهاینة. وانطلق هذا الجهد بشکل خاص فی مطلع تسعینیات القرن الماضی بعد انعقاد مؤتمر مدرید للتسویة الذی نظّمته الإدارة الأمیرکیة لإنهاء الصراع العربی- الصهیونی وتکریس وجود الکیان المؤقت. وأخذ هذا التوجه زخمًا إضافیًا بعد تعیین اللواء سلیمانی قائدًا لقوة القدس فی حرس الثورة الإسلامیة العام 1998، حین أعطى تردُّده الدائم على سوریا ولبنان وإقامته فی المنطقة لأوقات طویلة دفعًا کبیرًا لعمل المقاومة فی لبنان وفلسطین، مستفیدًا من الروابط القائمة بین الساحتین. وشکّل الشهید سلیمانی والقائد الشهید عماد مغنیة فی السنوات اللاحقة ثنائیًا مترابطًا فی إمداد المقاومة فی فلسطین بالإمکانات، من دون تفرقة بین فصیل وآخر. واستفاد الشهید سلیمانی من علاقات الشهید مغنیة مع المقاومة الفلسطینیة وتجربته فی العمل المیدانی، فانفتح على جمیع فصائل المقاومة التی قررت الإنخراط فی عمل المقاومة، وشمل ذلک الفصائل غیر الإسلامیة، إضافة الى حرکة "فتح" التی اتخذ مقاتلوها بعد انتفاضة الأقصى عنوان "کتائب شهداء الأقصى". 

ویمکن التوقف عند بعض ملامح هذه الجهود التی تعززت بعد تحریر الجنوب اللبنانی فی أیار العام ألفین، حین ترکزت اجتماعات العمل على نقل شرارة الانتصار فی لبنان إلى فلسطین، وأشّر على ذلک "خطاب بیت العنکبوت" الذی توجّه فیه الأمین العام لحزب الله إلى الشعب الفلسطینی، مؤکدًا أن مصیره یتقرر بیده. وبالفعل، جاء تفجیر "انتفاضة الأقصى" فی أیلول من العام نفسه لیضع فلسطین على خط مواجهة شاملة مع الاحتلال، وواکب الشهید سلیمانی هذه المرحلة بنشاط عبر اجتماعات متلاحقة مع قوى المقاومة. وتکثفت عملیات نقل الأسلحة إلى قطاع غزة والضفة الغربیة برًا وبحرًا، وتمّ توقیف إحدى الشحنات على متن السفینة "کارین أی"، کما ترافقت مع دورات تدریب عسکریة تخصّصیة للمقاومین الفلسطینیین فی إیران ونقل خبرة تصنیع العبوات الناسفة إلى الداخل المحتل عبر فیدیوهات تعلیمیة، إضافة إلى إسهامات أخرى لم یُکشف الکثیر عنها بسبب الاعتبارات الأمنیة. وبعد تحریر قطاع غزة العام 2005، تعززت عملیات دعم المقاومة فی القطاع عبر مسارات عدة وحققت قفزات نوعیة فی السنوات الأخیرة، حیث أصبحت المقاومة الفلسطینیة قادرة على إنتاج نصیب وافر من الأسلحة والذخائر، ما أسهم إلى حد کبیر فی تحقیق نوع من الاکتفاء الذاتی فی بعض المجالات والتغلب على مساعی العدو وحلفائه الهادفة لقطع الطریق على المقاومة.

*الأنفاق

تمثلُ الأنفاق التی شیّدتها المقاومة الفلسطینیة فی باطن أرض قطاع غزة واحدةً من أبرز عجائب المقاومة فی غزة. ولا ریب أنها قصة تستحق التوقف والدراسة وکتابة القصص عن کیفیة إنشائها، وکیفیة إخفائها عن أعین العدو لمدة طویلة، وکیفیة استخدامها فی أثناء القتال وتوظیفها فی ضرب جیش العدو فی أثناء عملیة "طوفان الأقصى" وخلال هجومه البری على القطاع.

ولا نعرف إلا القلیل عن هذه الأعجوبة التی أضحت أسطورة فی أذهان العدو قبل الصدیق، غیر أن العدید من قادة المقاومة الفلسطینیة تحدثوا فی مناسبات عدة قبل "الطوفان" عن منشأ فکرة بناء الأنفاق.

وأوضح ممثل حرکة "حماس" فی لبنان أحمد عبد الهادی فی ندوة فی معهد الدراسات الدولیة فی بیروت فی 8 کانون الثانی 2020 بعد أیام قلیلة على اغتیال الفریق سلیمانی، أن "فکرة الأنفاق جاءت من شخصین: الشهید القائد عماد مغنیة والشهید الحاج قاسم سلیمانی". وأضاف أن سلیمانی: "ذهب إلى غزة أکثر من مرة، وکان مساهمًا ومشارکًا فی الخطة الدفاعیة التی تمّ رسمها خلال المرحلة الماضیة"، بحسب قوله.

وفی هذا المعنى أیضًا، قال منصور حقیقت بور المساعد الأسبق للفریق سلیمانی فی مقابلة خاصة مع موقع "الجزیرة نت"، إن محور المقاومة خطط مع المقاومة الفلسطینیة لبناء ما یزید على 400 کیلومتر من الأنفاق تحت بقعة أرض لم تتجاوز مساحتها 40 کیلومترًا مربعًا، مؤکدًا أن لا خوف على أنفاق غزة لأن من أشرف على تصمیمها أخذ شتى "السیناریوهات" المحتملة بعین الاعتبار، ومن هذه السیناریوهات "غمر الأنفاق بالمیاه أو ضخّ الغاز السام فیها أو تفجیر أجزاء منها". وأبدى اعتقاده بأن العدو "عاجز عن غمرها بالمیاه بالکامل؛ لأنها بُنیت على أجزاء ولیست شبکة موحدة". 

 

*الصواریخ

تتفق شهادات عدة على أن الشهید سلیمانی بوصفه قائد قوة القدس التی تنسق مع فصائل المقاومة الفلسطینیة لعب دورًا رئیسیًا فی تجهیز وتقویة قدرات المقاومة التسلیحیة. وکشف رئیس حرکة حماس فی قطاع غزة یحیى السنوار فی مؤتمر صحفی فی 28 آب 2017 أن إیران "هی الداعم الأکبر للسلاح والمال والتدریب لکتائب القسّام"، واصفًا الدعم الإیرانی العسکری لحماس والقسّام بأنه "استراتیجی"، وأن المقاومة الفلسطینیة "تُراکِم وتطور قوتها العسکریة التی تضاعفت لأجل تحریر فلسطین والعودة". وفی حدیث صحافی آخر فی 9 کانون الثانی 2020، نوّه السنوار بدور إیران وسلیمانی فی بناء القوة العسکریة للمقاومة منذ تسعینیات القرن الماضی حتى یومنا، مشیرًا الى أن الدعم الذی تقدمه الجمهوریة الإسلامیة هو "عقائدی ومبدئی... ونابع من محبة کبیرة لفلسطین وأهلها"، مضیفًا أنه "حتى فی عزّ العقوبات والأزمة عندهم، دعمهم لم یتوقف... مثلًا فی 2015، قدّموا عشرات الملایین من الدولارات للتصنیع العسکری". وهذا تأکید على أن الدعم الإیرانی غیر المحدود مبنیّ على قناعة مبدئیة ولیس على رؤیة مصلحیة ظرفیة، کما تروّج الدعایة المضادة باستمرار.

وتطورت إمکانات المقاومة الصاروخیة بشکل سریع من صواریخ قصیرة المدى قادرة على قصف المستوطنات القریبة من غزة إلى صواریخ تصل الى تل أبیب والقدس وما بعدهما. وسمح هذا بإیجاد توازن رعب فی مواجهة الاعتداءات الصهیونیة على القطاع. 

ویُستشف من شهادات عدة لا مجال لحصرها هنا أن الإمکانات التی حققتها غزة على هذا الصعید تعود فی جزء أساسی منها الى الجهود الکبیرة للشهید سلیمانی الذی عمل مع فریقه ومع بقیة أطراف محور المقاومة لإیصال هذه الأسلحة وخبرة تصنیعها إلى فلسطین. وقال الأمین العام لحرکة الجهاد الاسلامی زیاد النخالة خلال حفل تأبین فی العاصمة الإیرانیة طهران لمناسبة الذکرى الثانیة لاستشهاد قائد قوة القدس إن: "الصواریخ التی ضربت الکیان الصهیونی وتل أبیب أول مرة کان (الشهید سلیمانی) هو شخصیًا من أشرف على إیصالها للمقاومین فی فلسطین". وأضاف: "إننی أشهد أمام الله والتاریخ والأمة فی ذکرى رحیله أنه کان الفلسطینی الأول والإسلامی الأول الذی کان یقف حاملًا همَّ فلسطین وهمَّ القدس".

وفی الحروب المتتالیة التی شهدها قطاع غزة مع العدو، حرص محور المقاومة فی المنطقة على رفع مستوى التنسیق مع المقاومة فی غزة بهدف تقییم الموقف المیدانی وتوفیر المعلومات الإستخباریة لقیادتها فی إدارة المعارک. وخلال حرب سیف القدس فی أیار 2021، کشف القیادی العسکری فی کتائب القسام محمد السنوار، وهو شقیق القائد یحیى السنوار، أن: "غرفة أمنیة مشترکة مع محور المقاومة ضمت ضباط استخبارات من القسام وحزب الله والحرس الثوری کانت فی حال انعقاد دائم طوال الحرب" وأن الغرفة الأمنیة المشترکة "کانت لها إسهامات استخباریة مهمة خلال المعرکة".

ویتضح من مجمل هذه المعطیات أن الشهید سلیمانی لم یتوقف عند جانب محدَّد فی إسناد المقاومة فی فلسطین، بل عمل - مع قوى المقاومة فی المنطقة- على صعد مختلفة بهدف إیصالها الى مستوى یمکّنها من الصمود وتحقیق الانتصار فی أیة مواجهة مع العدو. وتجاوز محور المقاومة فی هذا السبیل کل العقبات الأمنیة والفجوات المفتعلة من أجل تمهید طریق القدس. ولعل من أبرز سمات الشهید سلیمانی التی لم تعد خافیة أنه صاحب روحیة عالیة ورجل فعل وإصرار نزل إلى المیدان وتنقَّل بین المقاتلین وتواصل مع کبار المسؤولین حیثما حلّ لتحقیق هدف تمکین المقاومة والانتصار على العدو.


العهد
الكلمات الدالة
المقاومةالشهید سلیمانی
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك

X
آگهی تبلیغاتی