ويرى القادة السابقون في الكيان الصهيوني أن انسحاب قوات الجيش أمر غير مسبوق وخطير في تاريخ الكيان الصهيوني. واستمرارا لهذه العملية فإن استقالة مدير عام التربية والتعليم في الكيان الصهيوني احتجاجا على إجراءات مجلس الوزراء تظهر عمق الأزمة والانقسام بين الصهاينة. وارتفع مستوى التوتر في فلسطين المحتلة إلى درجة أن حتى الحلفاء المتشددون لرئيس الوزراء طالبوا بوقف الخطة والمضي قدما بها بعد تشكيل التوافق الشامل.
في المقابل، يرى معارضو سياسات الحكومة أن نتنياهو مستعد لإشعال النار في هذا الكيان من أجل الهروب من المحاكمة القضائية والبقاء في السلطة. والآن، وبعد تزايد العصيان بين القوات العسكرية للكيان الصهيوني، نشأ هذا الشك لدى الخبراء ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية، فهل انخفضت كفاءة جيش الكيان الصهيوني بسبب وقوعه في مستنقع الخلافات الداخلية؟
وفي الأشهر التسعة الأخيرة، نزل أكثر من 100 ألف صهيوني في شوارع تل أبيب والقدس وحيفا احتجاجا على مشاريع القوانين الرامية إلى تعديل صلاحيات النظام القضائي. استمرارا لهذه الحركة المستمرة، دخلت العديد من الشركات الخاصة والعامة إلى جانب المعارضة، بالإضافة إلى المشاركة في الاحتجاجات، في فترة من الإضرابات المتفرقة من أجل نقل صوتها الاحتجاجي إلى حكومة بي بي اليمينية.
وسبق أن شهدت الأراضي المحتلة احتجاجات كبيرة، مثل مظاهرات الطبقة الوسطى ضد ارتفاع تكلفة السكن في عامي 2013 و2014. ورغم هذا وحينذاك، لم تنضم قوات الأمن والجيش إلى الاحتجاجات؛ ومع ذلك، خلال الاحتجاجات ضد الأزمة القضائية، اعتبرت القوات الدائمة والاحتياطية للجيش الصهيوني، أن مطالب الحكومة القائمة غير مقبولة، واعتبرت الإصلاحات بمثابة إجراء يتماشى مع أولوية الحكومة على الشعب.
وحول الفجوة في الجيش، قال تل ليو رام، الخبير في الشؤون العسكرية بصحيفة معاريف، إن الاحتجاجات قللت من كفاءة الجيش الصهيوني وأوصلته إلى مرحلة سيئة للغاية. وقد تسبب تمرد قوات الوحدات الخاصة مثل ضباط القوات الجوية أو وحدة المخابرات في خلق ظروف خاصة للجيش الصهيوني.
وبحسب تقرير صحيفة معاريف، فإن 25% من الطيارين المقاتلين و20% من طياري الوحدة الاحترازية رفضوا في الشهرين الماضيين القيام بتدريبات منتظمة. وبحسب المعلومات التي نشرها الجيش الصهيوني، فقد انسحب ما يقرب من 11 ألف فرد من قوات الاحتياط من أنشطتهم. وتشير بيانات غير رسمية إلى أن هذا الرقم أعلى بأربع مرات.
أعلن ديفيد برنيع، رئيس الموساد، في تصريح نادر، أنه إذا واجه الكيان الصهيوني أزمة قانونية، فإنه سيقف إلى جانب معارضي الإصلاحات القضائية. وبحسب تقرير القناة الـ 13 للكيان الصهيوني، فقد انسحب 60 ضابط احتياط من جهاز استخبارات الجيش (أمان) من مواصلة نشاطهم التطوعي مع هذه المنظمة من خلال نشر رسالة.
وتحدث تومر بار، قائد سلاح الجو في الكيان الصهيوني، في محادثة مع قوات الاحتياط في سلاح الجو، عن الضرر العميق الذي لحق ببنية الجيش الصهيوني، مع تأكيد ضمني على ضعف الجيش. وفي السابق، انسحب 500 طيار وطبيب عسكري ومشغلي طائرات بدون طيار وضباط ناشطين في مجال الحرب السيبرانية ووحدة التحكم من مواصلة أنشطتهم في هذا القطاع.
ويرى الخبراء أنه إذا أراد نتنياهو مواصلة عملية مراجعة وإقرار مشاريع قوانين الإصلاح القضائي، فيجب على الكيان الصهيوني أن يستعد لانهيار غير مسبوق في جميع الوحدات. هذا ويزعم قادة الكيان الصهيوني وسياسيوه، في وقت بأنهم على استعداد لاتخاذ إجراءات أحادية ضد أهداف عسكرية نووية في عمق الأراضي الإيرانية، إذ تستعد الاحتجاجات في الأراضي المحتلة لدخول شهرها العاشر.
ولم يؤد نطاق الخلافات الداخلية إلى تفاقم الأجواء الثنائية القطبية بين المجموعات المختلفة فحسب، بل أدى إلى انسحاب العديد من قوات الاحتياط وضباط المخابرات من مواصلة العمل في وحدات الاستخبارات. وفي مثل هذه الحالة، يعتقد العديد من الخبراء العسكريين أن الجيش الصهيوني غير مستعد للتعامل مع التهديدات الحيوية ضد الأراضي المحتلة.
وفي ظل هذا الوضع، قد يشن نتنياهو هجوما محكما ضد قوى المقاومة في الضفة الغربية أو جنوب لبنان من أجل إدارة الأزمة الداخلية واستعادة تماسك الجيش. بمعنى آخر، ستلجأ حكومة نتنياهو اليمينية إلى الإستراتيجية القديمة المتمثلة في نقل الأزمة إلى الهامش من أجل الحد من الاحتجاجات والإضرابات والتمرد بين القوات العسكرية.
ويرى خبراء قضايا فلسطين المحتلة أن التحدي الأهم الذي يواجه الكيان الصهيوني، بعد الانقسام العربي الصهيوني، هو تنظيم العلاقات بين الجماعات المتطرفة. ويريد مؤيدو خطة الإصلاح القضائي زيادة صلاحيات مجلس الوزراء كرمز لإرادة أغلبية المجتمع، لكن معظم المجموعات تعتقد أن الموافقة على مشاريع القوانين ستعزز طغيان الأغلبية ضد الأقليات.
إن إجراءات مثل الإعلان عن تطهير قوات الشرطة التطوعية بسبب المشاركة في الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية على يد وزير الأمن الداخلي إيتامار بن غوير، تظهر إرادة الصهاينة المتطرفين لتغيير طبيعة المجتمع الصهيوني. وربما لهذا السبب أعلن 28% من مواطني الكيان الصهيوني خلال الاستطلاع التلفزيوني قرارهم بمغادرة فلسطين المحتلة.
إن استمرار هذا التوجه، بالإضافة إلى تقليص عدد قوات الجيش والوحدات الأمنية، سيضعف من فعالية آلة الحرب التي يستخدمها الكيان الصهيوني ضد فصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية ولبنان.
نورنيوز/وكالات