واذا اردنا تعريف الترانزيت او الممر الدولي بأبسط تعريف له فهو طريق اقتصادي للغاية لنقل البضائع والأشخاص الذين يعبرون أراضي العديد من البلدان.
وعن موقع الترانزيت الايراني وعلى الرغم من أن العقوبات الاقتصادية قد جذبت مزيدا من الاهتمام لهذا الموقع، إلا أن الموقع الفريد للجغرافيا السياسية والاقتصادية لإيران كان موضع اهتمام خلال القرون الماضية والذي حول إيران عمليا إلى أحد المحاور المهمة للتجارة البرية في العالم واصبح مفترق طرق حضاري.
ويعد مؤشراً على هذه القضية المهمة ، هو وجود ايران المركزي والحاسم في طريق الحرير والذي تم الاعتراف به في التجارة الدولية لما لا يقل عن 1800 عام ، وتفسير غراهام فولر (Graham E. Fuller) لإيران على أنها المركز الجيوسياسي للعالم في كتابه بعنوان "قِبلة عالم" الذي يفسر موقع الجغرافيا السياسية لإيران بشكل جيد.
اسباب عديدة جعلت موقع ايران مهما ومميزا في الترانزيت الدولي:
1- نتيجة لتواجد ايران جغرافيا على تقاطع ثلاث قارات( إفريقيا وأوروبا وآسيا) في منطقة الشرق الأوسط ، فإن إيران تستطيع أن تربط بين شمال وجنوب وشرق وغرب العالم.
2- تتمتع إيران بموقعها الاستراتيجي الحساس في مركز الطاقة بين الخليج الفارسي وبحر قزوين، مما يخولها الوصول إلى مصادر الطاقة في الشمال والجنوب من جانب والى المياه الاقليمية من الجانب الآخر، لذلك وكما يشير الخبراء فإنها تعد أقصر طريق يربط بين بحر قزوين والخليج الفارسي وقطب عبور الطاقة في المنطقة مما دفع بريطانيا و روسيا الى السيطرة على ايران في القرن التاسع عشر .
وقد تم تقديم إيران كمحور يربط بين البر والبحرفي نظرية نيكولاس سبيكمان Nicholas John Spykman (نظرية إطارالارض حيث طرح فيها نظريته التي تُدار بها اليوم السياسة الدولية العالمية، وتقوم على أن بالإمكان ضبط حركة العالم عبر مسارين ).
3- تجاور ايران 15 دولة مما يسهل الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى والقوقاز ودول جنوب الخليج الفارسي. لهذا السبب تتأثر إيران بشكل مباشر بالتطورات في الخليج الفارسي وشرق البحر المتوسط من جهة ، وجنوب آسيا وآسيا الوسطى والقوقاز من جهة أخرى.
وبحسب تيم مارشال (Timothy John Marshall) في كتاب "سجن الجغرافيا " فإنه يعتبر دول آسيا الوسطى في "مأزق استراتيجي" بسبب كونها غير ساحلية وتتصل بالبحار الإقليمية بأقل تكلفة عبر إيران.
4- كما أن تمكن ايران من التحكم بمضيق هرمز وحده ينقذها من العزلة الجيوسياسية ويخلق ثقلا سياسيا واقتصاديا وتجاريا لها.
فوائد ومزايا تطوير موقع إيران في ممرات الترانزيت الدولية:
تعد نتائج تطوير موقع ايران في ممرات الترانزيت الدولية كثيرة لدرجة أن هذا التقرير لا يستطيع ذكرها جميعا. ومع ذلك ، نعرض بعض فوائدها لفهم أهمية هذه المسألة بشكل أفضل :
1- إن إنشاء وتطوير طريق العبور يؤدي إلى تنشيط العديد من الوظائف داخل الدولة وذلك بسبب تراجع اعتماد إيران على الدخل النفطي بشكل جدي بالإضافة إلى تلقي عائدات الترانزيت من الحكومات الأجنبية.
2- استعادة الدور الثقافي لإيران في مجال حضارة إيران الكبرى لأن تطوير الروابط الثقافية مع الدول المجاورة بما في ذلك البلدان الشمالية والشرقية والغربية من خلال ممرات العبور يمكن أن يزيد من نفوذ إيران السياسي والاقتصادي على المدى الطويل.
3- التطوير الإلزامي والجاد لموانئ إيران المهمة بما في ذلك ميناء جابهار وميناء الشهيد رجائي.
4- ارتباط مصالح دول المنطقة بمصالح إيران ، مما يزيد من الثقل الجيوسياسي لإيران في المنطقة وسيمكن ايران من لعب دور بارز مع القوى العالمية الكبرى مع الأخذ في الاعتبار أن إيران تحاول تشكيل نظام جديد في منطقة جنوب غرب آسيا ،وان مسألة استعادة موقع الممر الإيراني تعتبر وسيلة للمضي قدما في هذا الشأن.
5- تحويل إيران إلى أحد ممرات العبور الأربعة في العالم ،وهو بالإضافة إلى تحييد العقوبات من خلال زيادة السياحة التجارية والترفيهية ، يزيد التقارب في المنطقة لصالح إيران.
في أي ممرات دولية تتواجد ايران بشكل فعال وبناء؟
أ- موقع إيران في الممر الشمالي الجنوبي (INSTC)
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تم التخطيط لمشروع ربط أوراسيا من قبل الهند وروسيا وتم توقيع اتفاقيةً بين روسيا والهند وايران في سبتمبر/أيلول 2000 لتأسيس ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي، انضمت للاتفاقية خلال السنوات التالية دول كازاخستان وبيلاروسيا وعمان وطاجيكستان وأذربيجان وأرمينيا وسوريا كما انضمت إليهم بلغاريا كعضو مراقب.
الغرض من هذا الممر هو ربط ميناء الحاويات شرق مومباي في الهند عبرميناءي جابهار و أنزالي الايرانيين ثم أذربيجان إلى أستارا خان وسانت بطرسبرغ الروسية.
ازدادت أهمية ميناء جابهاروتطويره بسبب محاولة الهند تجاوز ميناء جوادر الباكستاني، كما أن المنافسة بين الهند والصين كقوى آسيوية ناشئة للارتباط بأوروبا تجعل إيران مكانا للمنافسة بين هاتين الدولتين والتي إذا تم استخدامها بشكل صحيح ستجلب العديد من الفوائد للبلاد.
وأهم ما يميز هذا الممر مقارنة بالطرق البديلة هو اختصار الطريق بنسبة 40٪ وهو أرخص بنسبة 30٪ مقارنة بقناة السويس لنقل البضائع.كما لا يمكن تجاهل المزايا الاقتصادية لهذا المسار بالنسبة لإيران والذ من المتوقع أن تحصل إيران على 30 مليار دولار سنويا من خلال تنفيذ هذا المشروع.
يُظهر سبب استثمار الهند في جابهار والحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية في ظل رئاسة ترامب مدى أهمية هذا الممر للقوى الاقتصادية الناشئة في العالم. كما أن مساومة الهند على جابهار ستزيد بوضوح أوراق اللعب الجيوسياسية الإيرانية إذا تم الانتهاء من هذا المشروع بما في ذلك حقيقة ان ربط مصالح الجمهورية الأذربيجانية بإيران سيتم تقليل المشاكل الأمنية للبلاد في الحدود الشمالية الغربية.
وقد ذكرت صحيفة اورشليم بوست الاسرائيلية The Jerusalem Post ) )عن فوائد تطوير جابهار كميناء عميق لإيران بقولها :"إن إحدى نقاط الضعف الإستراتيجية لإيران هو الافتقار إلى الموانئ العميقة بحيث لا تملك الموانئ الجنوبية الايرانية مثل بندر عباس القدرة على إرساء السفن التي تبلغ حمولتها 250 ألف طن ونتيجة لذلك يجب تفريغ الشحنة المرسلة إلى إيران أولاً في الإمارات العربية المتحدة ثم إرسالها إلى إيران بحجم أصغر عبر السفن الصغيرة مما يؤدي الى خسارة ايران مئات الملايين من الدولارات.
ب- موقع إيران في ممر الحزام والطريق "حزام واحد، طريق واحد"( One Belt One Road)
من المفترض أن يحل هذا الممر الذي يجمع بين الطرق البحرية والبرية محل طريق الحرير القديم لربط آسيا بأوروبا.و يشمل هذا المشروع الطموح الذي تسعى إليه الصين الموانئ والطرق والسكك الحديدية ويهدف إلى تغيير النظام الجيوسياسي للعالم لصالح الصين.
والهدف العملي لهذا المشروع هو جعل الصين في متناول العالم بأسره للتجارة ، والتي لها بالطبع آثار ثقافية واجتماعية وسياسية.
ووفقا لمركز الأبحاث الأمريكي "مجلس العلاقات الخارجية" (CFR) حتى الآن فإن 147 دولة والتي تمثل ثلثي سكان العالم وتشكل 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي للعالم ، قد وقعت على المشروع أو أعربت عن رغبتها في القيام بذلك.
من جهة اولى فإن العلاقات التاريخية العميقة الجذور بين إيران والصين و فضلاً عن النية المشتركة للبلدين في ميزان القوى ضد السياسات الأحادية للولايات المتحدة قد جعلت إيران محورا لبعض المصالح الاستراتيجية للصين.اما وفي المقابل فإن قدرة إيران على ربط المسارين البحري والبري لطريق الحرير الجديد تزيد من أهمية هذا البلد في خطة الصين الطموحة.
كما ان الوثيقة الشاملة حول الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين من جهة ، وعضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون من جهة أخرى ، ستزيد من قدرة إيران على التطور بأسرع ما يمكن للمشاركة في هذا الممر الذي مما سيجعل من إيران مكانا للتواصل بين العالم العربي والعالم التركي وعالم آسيا الوسطى والقوقاز وإلى حد كبير ستحل المشاكل الناجمة عن العزلة الاقتصادية الايرانية.
ج- موقع إيران في ممر تراسيكا الأوروبي " أوروبا- القوقاز وآسيا" (TRACECA)
هذا المشروع المسمى "ممر النقل لأوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى" والذي يعتبر منافسا لمشروع الممر الصيني "حزام واحد، طريق واحد" يهدف إلى ربط آسيا الوسطى بأوروبا عبر القوقاز والبحر الأسود.
يتجاوز هذا المشروع موسكو ويشارك فيه الاتحاد الأوروبي و 15 دولة في أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى.و يُعرف الاتفاق الأساسي المتعدد الأطراف بين البلدان المشاركة في هذا المشروع بأنه الركيزة الأساسية لممر تراسيكا الاوروبي.
وفي بادىء الامر لم يشمل هذا المشروع إيران وكان من المفترض أن يربط القوقاز بآسيا الوسطى عبر بحر قزوين لكن انضمام إيران إلى الاتفاقات ذات الصلة في عام 2009 تمت إضافة طريق إيران - تركيا - بلغاريا إلى خطة هذا المشروع.
كما يدخل الفرع الجنوبي لهذا الممر إيران من تركمانستان ثم يتصل بتركيا وسيوفر وجود إيران الأساس لدور أفغانستان وباكستان في هذا المشروع.
د- مكانة إيران في معاهدة عشق أباد
معاهدة عشق أباد وقعت في عام 2011 بين دول عمان وقطر وتركمانستان وكازاخستان وإيران في محاولة لربط آسيا الوسطى بالمياه الدولية عبر إيران ، وقد ازدادت اهميتها مع انضمام الهند إليها في عام 2018 وإمكانية ربط هذه الدول بالهند عبر إيران ايضا.
وكما ذكرنا سابقا ، فإن الجمهوريات التي نالت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في آسيا الوسطى محاطة باليابسة ونتيجة لذلك فإن إيران هي السبيل الوحيد بالنسبة لهذه الدول للوصول إلى المياه الإقليمية.
وعليه فإن بإمكان إيران إيصال الطاقة من تركمانستان وكازاخستان إلى المياه الإقليمية ومن ناحية أخرى عبر تركيا إلى أوروبا.
وبالنظر إلى الصلة بين الأمن القومي لهذه الدول والطاقة فإن أهمية إيران في هذا الممر أمر حيوي. بالإضافة إلى الممرات المذكورة ، فإن دور إيران مهم في منظمة التعاون الاقتصادي وممرات جنوب آسيا التي تم ذكرها أحيانا.
ارنا