معرف الأخبار : 122172
تاريخ الإفراج : 12/24/2022 1:21:33 PM
"العقلانية الاستراتيجية" في العلاقات الإيرانية - الصينية

"العقلانية الاستراتيجية" في العلاقات الإيرانية - الصينية

رغم أن البيان المشترك بين الصين والسعودية مؤخراً والذي تضمّن إدراج بند غير ودي حول إيران، لأسباب مختلفة، الأمر الذي أكدت ايران رفضها له وأدانته بشدّة، ولكن بالنظر إلى تاريخ واتجاه العلاقات بين بكين والرياض، فإنه لا يمكن إعتبار ما جرى شيئاً غير متوقع أو خارج عن المألوف.

نورنيوز- مجال السياسة الخارجية هو مجال "العقلانية الاستراتيجية" بسبب دور وتأثير العديد من الجهات الفاعلة في النظام الدولي، كل منهم يعمل على أساس مصالحه وأهدافه لتنظيم قصير ومتوسط المدى للعلاقات مع الدول الأخرى.

إن عدم الاهتمام بهذا الأمر وعدم مراعاة متطلباته سيؤدي بالتأكيد إلى خلق حالة من شأنها أن تفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل طريق مسدود وضياع فرصة العمل النشط في العلاقات الخارجية.

على الرغم من أن "المقاربة البارامترية" تعني تصميم العمل على أساس مجال خالٍ من الجهات الفاعلة الأخرى، إلا أنها أيضا إحدى الطرق التي يستخدمها بعض الأشخاص لتصميم أو تحليل سير العلاقات بين الدول في العلاقات الخارجية، ولكن بالتأكيد باستخدام هذه الطريقة في اتخاذ القرار والعمل، لا يوجد تناسب مع التعقيدات التي تحكم البيئة الدولية والنشاط المتعدد للفاعلين في هذا المجال.

كما أصبحت زيارة رئيس الصين إلى السعودية والبيانات المشتركة والمنفصلة التي وقعت فيها الصين مع السعودية ومجلس التعاون وبعض الدول العربية والبنود غير الودية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، موضع إلهام للعديد من المحللين، ولكن لماذا أقدمت بكين على مثل هذه التحركات.

على الرغم من رد الفعل الرسمي والحاد الذي إتخذته الجمهورية الاسلامية الايرانية على الإجراءات التي اتخذتها الصين، إلا أن رأس الحربة في الهجمات الإعلامية عبر تحليلات داخلية وخارجية كانت موجهة نحو تعكير صفو علاقات ايران مع شرق آسيا.

بصرف النظر عن المقاربات السياسية تماما لبعض الخبراء الغربيين المحليين وكذلك وسائل الإعلام الأجنبية الذين يبحثون فقط عن ذريعة لمهاجمة ايران، حاول العديد من المحللين الذين عبروا عن آرائهم النقدية في هذا الصدد التعامل مع هذا بنهج خبير بعيدا عن عن التسييس الذي يعتمده كتاب وسائل الاعلام الغربية على الدوام.

إن الاهتمام بنهج الصين في العلاقات الخارجية والنظرة البراغماتية لهذا البلد في تنظيم العلاقات مع الوحدات السياسية المختلفة في العالم سيساعد في إعداد وتقديم تحليلات واقعية للإجراءات الصينية الأخيرة بطريقة أكثر شمولية.

يتجذر تعاون الصين الجديد مع السعودية في وثيقة المنظور الصينية الأولى بشأن الدول العربية في غرب آسيا وشمال إفريقيا (ورقة السياسة العربية 2016)، والتي تحدد مصالح الصين في السياسة الخارجية فيما يتعلق بالدول العربية.

تم اقتراح الاستراتيجية التي ذكرها "وانج جيسي" في عام 2012 وكان الغرض منها تحييد استراتيجية واشنطن الجديدة المعروفة باسم التحول إلى شرق آسيا.

تم وضع الاستراتيجية الأمريكية، التي تستند إلى الاحتواء البحري للصين ولها أبعاد واسعة للغاية، على أساس تقييد بكين للوصول إلى موارد الطاقة وتهدف إلى التغلب على نقطة ضعف الصين فيما يتعلق باعتمادها على مضيق ملقا لنقل الطاقة من غرب آسيا إلى هذا البلد.

لكن في اليوم الراهن، يمر حوالي 80 ٪ من النفط المستورد للصين عبر مضيق ملقا.

من المؤكد أن دور السعودية كأكبر منتج للنفط في الخليج الفارسي وأحد الشركاء الاستراتيجيين لأمريكا، في تحرير الصين من تهديدات الإستراتيجية الأمريكية الجديدة لا يمكن إنكاره.

استخدام البطاقة السعودية واستثمار الصين 21 مليار دولار في قطاع الطاقة السعودي وشراء 49٪ من أسهم شركة أرامكو للأنابيب ومحاولة شراء 1٪ من أسهم أرامكو إلى جانب استثمار سينوبك في مصفاة ياسر. ، والاستثمار المشترك بين أرامكو السعودية ونورينكو الصينية لبناء مصفاة بقيمة عشرة مليارات دولار ومشروع لياونينغ للبتروكيماويات، وكذلك استثمار السعودية في قطاع السياحة الصيني وعشرات العقود الصغيرة والكبيرة الأخرى بين البلدين تشير إلى وجود قواسم مشتركة مهمة بين بكين والرياض، والتي إلى جانب المنطق الاقتصادي الذي يحكمها، أهدافها تتبع القضية السياسية المتمثلة في المواجهة مع امريكا.

خلال زيارته للصين في فبراير 2019 ، بعد توقيع 35 اتفاقية تجارية واستثمارية مع بكين بقيمة 28 مليار دولار، أعلن محمد بن سلمان: "مبادرة الحزام الواحد، التي اقترحتها الصين ستتوافق إلى حد كبير مع رؤية السعودية 2030.

يعبر هذا الموقف السعودي عن اهتمام الرياض بتنويع العلاقات السياسية والاقتصادية مع منطقتين من العالم، الغرب والشرق، اللتان تتنافسان بشدة فيما بينهما.

هذه الحقيقة ليست قضية يمكن إخفاءها عن أعين الفاعلين الإقليميين والدوليين الآخرين، بما في ذلك الجمهورية الاسلامية الايرانية، وإهمالها في تنظيم العلاقات مع أطراف هذه العلاقة.

ورغم أنه لأسباب مختلفة، نشر بيان مشترك بين الصين والسعودية مع إدراج بند غير ودي بشأن إيران أمر غير مقبول تماما ويعتبر انتهازيا بطريقة ما ومدان، ولكن وفقًا للتفسيرات المقدمة بشأن تاريخ وعملية العلاقات بين بكين والرياض لا يمكن اعتبار ما حصل أمر غير مسبوق او غير متوقع على صعيد العلاقات الدولية.

وأظهرت المواقف اللاحقة للصين والسعودية بعد نشر هذا البيان بجلاء أن بكين والرياض تدركان جيدا القدرات الاقتصادية والتجارية والدور الاستراتيجي الذي لا يمكن إنكاره وتأثير إيران على المعادلات السياسية والأمنية على المستوى الإقليمي، لهذا فإن الإجراءات الدعائية المشابهة للبيان المنشور لا تؤثر على الحقائق ومعادلات القوة في المنطقة.

حيث تنظم إيران علاقاتها الخارجية وتديرها على أساس عقلانية استراتيجية وتهتم بتأثير الفاعلين المختلفين على المستويين الإقليمي والدولي ودورهم في تأمين المصالح الوطنية.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك