نورنيوز- أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً زيارة الى السعودية في الفترة من 7 الى9 ديسمبر ووقع عددا من مذكرات التفاهم حول المحاور الثلاثة السعودية الصينية والعربية الصينية ودول الخليج الفارسي - الصين.
رغم أن الزيارة مثّلت ضربة للحليف الأمريكي للرياض إلاّ أنها وبسبب وجود بعض البنود غير المتوقعة حول إيران في البيانات المشتركة المنشورة مع السعودية ودول منطقة الخليج الفارسي، تسبّبت بموجة من الضجيج الإعلامي وردود الفعل داخل وخارج الجمهورية الاسلامية الايرانية.
وبغض النظر عن طبيعة هذه الزيارة وأبعادها التي سنناقشها في ما يلي، فإن ما جرى حولها وأحداثها في البيئة الإعلامية للتيار الغربي كما في السابق، انصب على غطرسة النظام وإثارة الرأي العام، علاوة على تلقين فكرة مواربة مفادها بأن الحكومة فشلت في مجال السياسة الخارجية، وللأسف تحليل الموضوع دون مراعاة المبادئ التي تحكم العلاقات الدولية، وكذلك عدم الالتفات إلى الاحتياجات المبنية على توفير المصالح الوطنية، فقد تقرر ذلك فقط مع النهج السياسي والتحريضي.
بعيداً عن النهج الذي يتبناه الخبراء الغربيون ووسائل الإعلام الناطقة بالفارسية في هذا الصدد، والذي يتم تحديده بشكل طبيعي في سياق واجبهم ورسالتهم المناهضة لإيران، فإن اللهجة المستخدمة والتحليلات التي قدمها بعض السياسيين ووسائل الإعلام المحلية من جانبهم كانت صادمة للغاية.
ولابد من إستدراك عدّة نقاط بشأن هذا الأمر:
أولا: قبل كل شيء؛ لطالما كانت العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والصين قائمة على التعاون والمصالح المشتركة، ولأسباب خارجة عن نطاق هذه المذكرة، لم تصل العلاقات بين البلدين إلى مستوى التعاون الاستراتيجي أبدًا. وعلى هذا الأساس، فإن التحريض المتعمد لهذا البيان الكاذب بأن إيران فقدت شريكها الاستراتيجي هو سلوك بعيد عن الحقيقة والإنصاف.
ثانيًا: في العلاقات الدولية وفي إطار المستويات التي يتم تحديدها في التعاون بين الدول، يضع كل طرف سياساته وأفعاله بناءً على مصالحه الوطنية فقط، والعلاقات بين طهران وبكين ليست خارج هذه الدائرة. يساعد الاعتراف بهذه المبادئ وقبولها على جعل التقييمات المتعلقة بإصدار بيان مشترك من قبل الصين ودول الخليج الفارسي، والتي تضمنت فقرات معادية لإيران، أكثر واقعية وخارج نطاق الأحكام العاطفية.
في غضون ذلك، فإن رد الفعل السريع والحاسم لجهاز السياسة الخارجية في الجمهورية الاسلامية الايرانية على الأحكام المعادية لإيران في البيان المشترك للصين مع دول الخليج الفارسي يظهر أيضًا التزام الحكومة الراسخ بمبدأ تأمين المصالح الوطنية في العلاقات الخارجية ولن تفشل في القيام بذلك تحت أي ظرف من الظروف.
على أي حال، من المتوقع أن يكون لدى الشخصيات السياسية والإعلامية في البلاد، بغض النظر عن التوجهات الفئوية، مواقف مشتركة ومتماسكة حول القضايا المتعلقة بأمن البلاد والمصالح الوطنية، وهو ما شهدناه في القضية الأخيرة، خاصة بسبب التعليقات الصينية حول ثلاث جزر.
ثالثا: لم يك لدى الصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، خلال السنوات الماضية وحتى قبل انتصار الثورة الإسلامية ، أي نهج عدائي أو نوايا سلطوية تجاه إيران، وبدلاً من ذلك، بسبب نهج البلاد العملي والمستقل نسبيًا، حتى في ذروة العقوبات الغربية القاسية على بلادنا، حافظت الصين على علاقاتها مع إيران.
إذا كان المبدأ مبنيا على تحليل واقعي وعادل لما جرى مؤخراً، من أجل الحكم على العبء السلبي لفعل الصين وآثاره، يجب أن نقارن هذه الخطوة غير الودية من قبل بكين مع الخبث والعداء والجريمة التاريخية للغربيين، ولا سيما الولايات المتحدة تجاه الشعب الايراني وفيما يتعلق دعونا نحكم على مستقبل العلاقات مع هذا البلد.
لا شك أن تصرف الصين غير الودي الأخير، مهما كان الغرض الذي تم تنفيذه، هو لطخة سوداء وغير مقبولة في تاريخ علاقات بكين مع طهران، لكن لا يمكننا تجاهل الحقيقة المجردة بأن إيران، من خلال العلاقات والتعاون مع الصين، وخاصة في المجال الاقتصادي حققت العديد من المصالح للبلاد وقد اتخذت أيضا العديد من المصالح السياسية بعين الاعتبار ايضاً.
بتعبير أدقّ إذا كان للصين مكانة مهمة في علاقات إيران الخارجية، فذلك لأن مصالح إيران السياسية والاقتصادية قد تم تأمينها في هذه العلاقات، ومن خلال هذه الوسائل، في وضع تستخدم فيه الدول الغربية دائما موقفها في المحافل الدولية للضغط على إيران، وتقييدها وممارسة الضغوط عليها، وحتى في أسوأ الأوضاع، عندما كان رأي الصين ضد إيران ، اقتصرت أخيرًا على الامتناع عن التصويت في المحافل الدولية، واتخذت موقفًا محايدا.
هذا على الرغم من حقيقة أن دولًا مثل أمريكا والدول الأوروبية لم تتوقف أبدًا عن إبداء عدائها للشعب الايراني، وفرضت عقوبات وحتى تتصرف بشكل ضار لضرب النظام في ايران بشكل مستمر، غير عابئة بما يحلّ بالشعب من ضغوطات بسبب شرورها.
لكن، من يريد تسييس زيارة الرئيس الصيني للسعودية وإظهارها على انها فشل لايران في السياسة الخارجية، يكون قد وقع في شبائك التحليل الخاطئ والمشبوه، ذلك لأن الزيارة وما تمخّض عنها من توقيع إتفاقيات يعد دون ادنى شكّ ضربة للغرب في دول الخليج الفارسي، التي على مايبدو بدأت بتوجيه أنظارها نحو الشرق أكثر.
هذه الحقيقة جنبًا إلى جنب مع رد الفعل البارد وحتى المعارضة العملية لدول الخليج الفارسي لطلب الولايات المتحدة تقليص العلاقات مع روسيا والمساعدة في خلق توازن في سوق الطاقة العالمية من أجل الضغط على موسكو، وهو لا تعتبر الآن منافسً بل عدوًا للولايات المتحدة، فهل هذا مؤشر على انخفاض حاد في نفوذ أمريكا في المنطقة أم ماذا؟!
نورنيوز