وبعد الإنسحاب المزلزل الذي جاء بعد تدمير البلاد وتعكير صفو حياة الملايين من الأفغان، سقطت العاصمة الأفغانية كابول بيد قوات طالبان الزاحفة بعد تساقط أقاليم أفغانستان بشكل متتال، كأحجار الدومينو، وفي 30 آب/أغسطس، أكملت القوات الأمريكية انسحابها المرتبك من أفغانستان، وشاهد العالم فوضى الانسحاب في فشل مدوّ لاستراتيجية ومكانة وسمعة أمريكا الخاوية حول العالم.
*إنسحاب الحلف الغربي
وفيما يعدّ إنسحاب الحلف الغربي بقيادة أمريكا من أفغانستان هزيمة نكراء لأمريكا بعد سلسلة مفاوضات قادها رؤساء متعاقبون بوساطات دولية مختلفة من دون الوصول إلى نتيجة، إلاّ أن ما خلّفته من دمار لا يمكن غض الطرف عنه أبدا، بل وما تزال تمارس الظلم والجور بحق الأفغان حتى اليوم، فبينما تسبّبت الولايات المتحدة بتدمير البنى التحتية لأفغانستان ومزّقت أوصال الشعب بسبب تحريضها المستمر على العنف، ما يزال يرزخ الأفغان تحت وطأة الفقر والحرمان المُدقع، في حين وقف الغرب موقف المتفرج مما يحصل، بل وقامت امريكا باحتجاز مليارات الدولارات من أرصدة الشعب الأفغاني لديها.
*لماذا تدهور الوضع؟
لم تكن مرحلة ما بعد الإنسحاب الأمريكي الفوضوي من البلاد أهون مما سبق، فأوضاع الأفغان تدهورت بشكل أكبر، وما تزال، ولكن يظلّ السؤال لماذا يحدث هذا التدهور رغم حلّ الأزمة عسكرياً الى حدّ ما؟
النهاية الفوضوية التي اختتمت فيها أمريكا احتلالها لأفغانستان ترافقت مع انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن، وتسبب قصف مروع في مقتل 13 جنديا أمريكيا و170 آخرين أغلبهم من السكان المحليين، كما تسبب قصف أمريكي طائش بإستشهاد أفراد عائلة أفغانية كاملة، وهو مافاقم الكره للأمريكان وما تسببوا به من مآس للأفغان، ولكن وسط كل هذه الصعوبات التي يمرّ بها الشعب الأفغاني يمكن القول أن بايدن هو المسؤول الأول عن ما يمرّ به هذا الشعب بسبب ممارسة ضغوط كبيرة على الحكومة الجديدة علاوة على احتجاز اموال هذا الشعب في الخارج.
*هذا هو المسؤول
في السياق، كشفت صحيفة أمريكية، الخميس، عن سخط الاعلام الأمريكي من مواقف ادارة بايدن مما يحدث في افغانستان، حيث أكدت أن الرئيس بايدن مسؤول عن تدهور الأوضاع في أفغانستان.
وذكرت صحيفة داون الامريكية، إن "التهديدات التي أطلقها المتحدث باسم الخارجية الامريكية نيد برايس الأربعاء المنصرم، والتي توعد خلالها أفغانستان بــ "اتخاذ إجراءات لحماية مصالح الولايات المتحدة"، تاتي في "غير محلها" عقب الانسحاب الأمريكي الذي وصفته الصحف بــ "المشين" من البلاد.
وأكملت أن "الخارجية الامريكية، أكدت انها ستتعاون مع باكستان اثناء توجيه رد فعلها الى أفغانستان، في إشارة الى استخدام القوات العسكرية بهدف تحقيق غزو آخر، في حال لم تتوقف حكومة طالبان عن إيواء المسلحين ودعم تنظيماتهم"، على حد وصف برايس.
يلوح في الأمر ان ما تريده واشنطن هو محاولة تبرير شنّ هجوم شنيع آخر على الشعب الأفغاني بذريعة عجز حكومة طالبان عن السيطرة على البلاد وإحكام قبضتها عليها، في المقابل تعمل الحكومة الأفغانية على قدم وساق للسيطرة على الأوضاع، إلاّ أنه عقب الانسحاب الأمريكي تكثّف نشاط تنظيم داعش الارهابي في البلاد وهو مايثير العديد من علامات الإستفهام؟!
*من الذي يؤجّج الإرهاب في البلاد؟
إستبقت واشنطن إنسحابها الفاشل من أفغانستان، بنقل آلاف الدواعش الذين كانت ترعاهم في سوريا والعراق الى هذا البلد، وكان ذلك ضمن مخططها لما بعد الإنسحاب على مايبدو، مخطط زعزعة الأمن في البلاد لإظهار عجز الأفغان عن السيطرة على بلادهم دون مساعدة الأمريكان.
وكانت قد توجّهت العديد من أصابع الإتهام نحو أمريكا بنقل مجرمي داعش الى أفغانستان تمهيدا لما تحضره لهذا البلد، ففي وقت سابق وقبل الانسحاب الامريكي، أكدت وزارة الخارجية الروسية وجود معلومات كافية تشير إلى تعاون الولايات المتحدة مع تنظيم "داعش" الإرهابي في شمال أفغانستان.
*مخطط ما بعد الإنسحاب
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا: "أثارت لدينا تحليقات مروحيات لم تحمل أي علامات تسجيل وتم رصدها منذ العام 2017 داخل مناطق أنشطة مسلحي داعش، خاصة شمال أفغانستان أسئلة كثيرة".
وتابعت: "بحسب مصادر أفغانية، جرى من خلال هذه الطائرات تزويد تشكيلات داعش بتعزيزات بالقوة الحية والأسلحة والذخائر. كما تم بواسطتها نقل القتلى والجرحى بين الإرهابيين من ميادين القتال". وأشارت زاخاروفا إلى أن هذه المعلومات تم كشفها مرارا وهي تتطلب اهتماما من قبل المؤسسات الدولية، موضحة: "لم يكن ممكنا القيام بمثل هذه الأنشطة دون علم الولايات المتحدة والناتو اللذين يسيطران بشكل كامل على المجال الجوي لأفغانستان".
ولم تكتف روسيا بتوجيه هذا الإتهام إنما أكدت دعم أمريكا المطلق للتنظيم الإرهابي، لاسيما في الحرب التي خاضها ضد طالبان الرافضة لتواجد داعش على أراضيها، حيث الخارجية الروسية في وقت سابق إلى أنه تم تسجيل "ضربات دقيقة من قبل القوات الجوية الأمريكية إلى مواقع عناصر طالبان الذين خاضوا معارك مع داعش".
جملة هذه التطورات لا تشير سوى الى أمر واحد وهو أن أمريكا بقيادة بايدن هي المسؤول الأول عما يمرّ به الشعب الأفغاني من مآسي وويلات في جميع الجوانب الإقتصادية والأمنية والسياسية.
نونيوز/وكالات