معرف الأخبار : 92090
تاريخ الإفراج : 4/4/2022 10:37:22 AM
نظام العقوبات الغربي وتأثيراته الارتدادية

خاص نورنيوز..

نظام العقوبات الغربي وتأثيراته الارتدادية

لو ألقينا نظرة فاحصة على الآثار الهشّة للعقوبات المفروضة على روسيا وانعكاسها على الاقتصاد العالمي ومعيشة العالم، خاصة في الغرب، لتبيّن لنا حقيقة أن نظام العقوبات الغربي، لا سيما بعد عدم فعاليته تجاه إيران، فقد تأثيره الحاسم على الدول المستقلة.

نورنيوز- انتُهج نظام العقوبات على نطاق واسع كأداة فعالة لمواجهة الحكومات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي ضوء الهيمنة النسبية للاقتصاد الغربي على الساحة الدولية، خاصة اكتساب العالم الغربي للأدوات الرئيسية للتجارة والتفاعل الاقتصادي في العالم، استخدمت الدول الأوروبية والولايات المتحدة هذه الأداة في العقود الأخيرة في العديد من النزاعات العالمية كخيار بديل عن الحرب العسكرية، إلاّ أنه اكثر فتكاً ووحشية منها.

ارتكازاً على تفوقه الاقتصادي، وخاصة هيمنة الدولار باعتباره العملة الرئيسية المتداولة في التجارة العالمية، ظنّ الغرب ان عقوباته في العقود الأخيرة قادرة على فرض إملاءاته وإرادته السياسية من خلال سياسة العقوبات بدلاً من استخدام وسائل عسكرية مكلفة، فاعتمد فرض عقوبات اقتصادية على الحكومات الأخرى التي لا تخنع لا ملاءاته.

وفيما تمكنت بعض الدول المستقلة في السنوات الأخيرة من تقليل فعالية العقوبات كسلاح ناجح في الموجة الثالثة من الحرب من خلال تعزيز البنية التحتية المحلية، وكذلك اعتماد استراتيجيات مبتكرة للتجارة الدولية، فإن الاستخدام المعقد والمتعدد الطبقات للعقوبات لا يزال أحد الأشكال المهمة للسلوك السياسي الغربي على المسرح العالمي.

اتُّبع هذا النهج الغربي، بدعم كامل من وسائل الإعلام والجمع بين حروب الموجتين الثالثة والرابعة وخلق جو نفسي معقد لهزيمة إرادة الدول المستقلة، وهو ما تجلّى بوضوح في الصراع الأخير بين روسيا وأوكرانيا.

حيث سلّط الغرب العصا الهشّة لعقوباته على روسيا خلال النزاع بين موسكو وكييف حول ملكية شبه جزيرة القرم، وبلغت ذروتها في الاعتراف بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسك من قبل روسيا واندلاع الحرب بين البلدين.

كانت معظم العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا في مجال النفط والغاز والعلاقات المصرفية والاقتصادية، والتي بالطبع لم يرافقها دعم كامل من الدول الأوروبية بسبب حاجة أوروبا الحيوية لموارد الطاقة المستوردة من روسيا.

بغض النظر عن جذور الصراع الروسي الأوكراني ودور ووظيفة كل جانب في الأزمة، الأمر الذي يتطلب مناقشة منفصلة، فإن فحص فعالية العقوبات ضد روسيا يظهر أن النتائج الحقيقية لهذا الإجراء مماثلة لتلك التي أبلغت عنها وسائل الإعلام، حيث يُقال إن الغرب يعيش حالة من التخبّط بشأن الآثار الارتدادية للعقوبات على موسكو.

في الأيام الأولى لفرض عقوبات شاملة على روسيا، أعلنت بعض وسائل الإعلام الغربية على نطاق واسع أن موسكو ستخضع للعقوبات الغربية في الأسابيع المقبلة، وستواجه أزمات اجتماعية وسياسية لا يمكن السيطرة عليها، الأمر الذي سيدفع بحسب اعتقادها قادة الكرملين نحو الاستسلام.

رغم ذلك، وبعد مرور أسابيع على الصراع المندلع بين البلدين وظهور علامات جديدة على حالة الحرب في أوكرانيا، تجلّى أن التأثير الحقيقي للعقوبات بعيد كل البعد عما يقال في الدعاية الإعلامية الغربية.

على العكس مما كان يروّج له الغرب، تسبّبت عقوبات الغرب بأزمة دولية في مجالات الطاقة والغذاء بعد فرض العقوبات على روسيا، والتي لم يتم تناولها بشكل صحيح في وسائل الإعلام الغربية، بل تم تجاهلها عن عمد لعدم إثارة موجة ذعر وظهور الجانب الغربي بمظهر الخاسر.

تزود روسيا وأوكرانيا 30 في المائة من القمح العالمي و20 في المائة من الذرة في العالم، وأدى اندلاع الحرب، التي صاحبتها عقوبات روسية وخفض الصادرات الأوكرانية، إلى تعطيل سلسلة إمداد الحبوب ورفع أسعار الغذاء العالمية.

 في بعض البلدان، مثل بولندا، من المتوقع أن تتضاعف أسعار الخبز، بينما نظم المزارعون الأوروبيون احتجاجات حاشدة على ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية الأخرى مثل الأسمدة.

في إسبانيا على سبيل المثال، أثار ارتفاع أسعار الوقود احتجاجات في الشوارع رفضاً للعقوبات على روسيا. أيضا في ألمانيا، التي تعتمد بشكل كبير على روسيا في مجالات الطاقة والوقود في قطاع النقل، تفاقمت الأزمة بسبب إغلاق خط أنابيب غازبروم 2.

حيث تحذر جمعية المزارعين الألمان من أن سعر الخبز قد يرتفع قريباً إلى 10 يورو، كما نقلت مجلة "فوكوس" الإخبارية الألمانية عن مسؤولين ألمان قولهم إنهم غيروا أسلوب حياتهم وعادات الإنفاق لديهم حتى يتمكنوا من الادخار لأنفسهم وسط الارتفاع الصاروخي في أسعار السلع الأساسية.

وتتوقع المجلة أن ترتفع أسعار بعض الأطعمة مثل المعكرونة وزيت عباد الشمس بنسبة 40٪ و 100٪ على التوالي، وتظهر هذه الزيادة في الأسعار أيضا في السلع الأساسية الأخرى لهذا البلد.

شهدت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، أعلى معدل تضخم في 30 عاما في الأسابيع الأخيرة، وبحسب الخبراء، فإن أزمة التوزيع وارتفاع أسعار المواد الغذائية عقب الحظر الروسي قد يؤدي إلى زيادة التضخم في ألمانيا في الأشهر المقبلة إلى 6.1 في المائة.

أمّا في بريطانيا، ارتفعت تكلفة المعيشة إلى مستوى قياسي في السنوات الأخيرة، يقال أنه في اقتصاد هذا البلد، الذي يشهد حالة غير مستقرة منذ عام 2016 بسبب عاملين، البريكست (الانفصال البريطاني عن الاتحاد الاوروبي) والكورونا، قد يرتفع سعر الغذاء بنسبة تصل إلى 15٪ في الظروف الجديدة.

يقول جيمس سميث، مدير الأبحاث في معهد "رزولوشن" للدراسات، إن الفقراء في بريطانيا يواجهون أكبر أزمة حياتية منذ أجيال.

كما أطلقت إدارة بايدن 180 مليون برميل من النفط من الاحتياطيات الاستراتيجية الأمريكية للإمداد على مدى ستة أشهر لتقليل آثار حرب أوكرانيا.

واتّخذ الرئيس الامريكي قرار الإفراج عن هذا الحجم من الاحتياطيات الاستراتيجية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ امريكا، في وقت وصل فيه سعر البنزين في الولايات المتحدة إلى أعلى نقطة في تاريخ البلاد، وتجاوز متوسط ​​تكلفة الجالون الواحد من البنزين 4 دولارات و 17 سنتا في مدن فينتورا وسان لويس أوبيسبو والعديد من المدن الأخرى، تجاوز سعر البنزين 6 دولارات.

من جانبها حذّرت جيتا جوبينات النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي، من أن العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا قد تؤدي إلى تفتيت النظام المالي العالمي، وإضعاف هيمنة الدولار الأمريكي في هذا المجال.

لو ألقينا نظرة فاحصة على الآثار الهشّة للعقوبات المفروضة على روسيا وانعكاسها على الاقتصاد العالمي ومعيشة العالم، خاصة في الغرب، لتبيّن لنا حقيقة أن نظام العقوبات الغربي، خاصة بعد عدم فعاليته تجاه إيران، فقد تأثيره الحاسم على الدول.

يعكس عدم فعالية أدوات العقوبات ضد دول مثل إيران وروسيا، اللتين تتمتعان باقتصاد معتدل، حقيقة أن امريكا والدول الأوروبية غير قادرة على اتباع استراتيجية لتقييد الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم باستخدام أدوات العقوبات.

وفي هذا الصدد، وفي موقف يحاول فيه الغرب تشديد الحصار على موسكو من خلال زيادة الضغط على الصين للامتثال للعقوبات المفروضة على روسيا، قال وانغ لوتانغ المدير العام لوزارة الخارجية الصينية: إن بكين ستواصل تجارتها بشكل طبيعي مع روسيا.

وأضاف: نحن نعارض العقوبات وهناك خطر من أن تمتد آثار العقوبات إلى بقية العالم وتؤدي إلى حروب عملة وحروب تجارية ومالية.

وقال لوتانج: إن العقوبات تهدد سلسلة التوريد والسلسلة الصناعية والعولمة وحتى النظام الاقتصادي.

جاءت تصريحات المسؤول الصيني بعد يوم من قمة افتراضية بين الصين والاتحاد الأوروبي تظهر أن بكين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يقظة أيضا في ضرورة الانتصار في "حرب العقوبات"، وتعطيل هذه الأداة اللاإنسانية التي يوظّفها الغرب لإخناع الدول المستقلة.

إن تجربة الضعف الشديد لاقتصادات الدول الغربية، وخاصة أوروبا، في إطار العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، يكشف مرة أخرى عدم كفاءة هذه الأداة للعالم، بما في ذلك مواطني الدول الغربية، كما أظهر نجاح استراتيجية ايران باعتماد "المقاومة النشطة" مقابل العقوبات الغربية المشدّدة والجائرة.


نورنيوز
تعليقات

الاسم

البريد الالكتروني

تعليقك